الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المذاهب الأربعة وغيرهم لا يختلفون أن ترتيب الجراح والشجاج من حيث شدتها وخطرها تكون فيه الهاشمة بعد الموضِّحة (1)، وحينئذ فلا بد أن تكون الهاشمة فيها إيضاح وهشم (2)، ولهذا كان التفاوت بينهما في الأرش المقدر، حيث إن الواجب في الموضحة خمس من الإبل، والواجب في الهاشمة عشر، وعليه فإن الهاشمة التي لا إيضاح فيها هي منزلة بين المنزلتين، وليس الواجب فيها ما يجب في الهاشمة التي معها موضحة.
ججج لم يظهر لي حكم في هذه المسألة هل هي من مسائل الإجماع أم هي من مسائل الخلاف، حيث إني لم أقف على قول بخصوصها للحنفية، والمالكية، وما استنبطاه من كون الهاشمة فوق الموضحة لا يكفي؛ إذ الخلاف في هذه المسألة متصوّر، لدقتها؛ ولأن الواجب في الهاشمة ليس فيه نص معلوم، وإنما العمدة فيه ما ورد عن زيد بن ثابت (3)، ولكن يبقى أن الأصل هو الإجماع، واللَّه أعلم.
[218/ 10] ثبوت الأرش فيما دون الموضّحة
• المراد من المسألة: أن الشجاج إذا كانت دون الموضّحة فإن الواجب فيها حكومة، وليس فيها عقل معلوم.
• من نقل الإجماع: قال الإمام مالك (179 هـ): الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل حتى تبلغ الموضحة، وإنما العقل في الموضحة فما فوقها، وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الموضحة، في كتابه لعمرو بن حزم
(1) ينظر: المبسوط للسرخسي (26/ 73)، المنتفى للباجي (7/ 89)، المهذب (3/ 215)، المحرر لابن تيمية (2/ 142)، المحلى (11/ 96).
(2)
قال الشافعي في الأم (6/ 82): والهاشمة التي توضح ثم تهشم العظم.
(3)
حتى قال ابن المنذر: النظر يدل على أن في الهاشمة أقل ما قيل إلا أن يكون فيه سنة أو إجماع فيسلم له. ينظر: الأوسط (13/ 194).
فجعل فيها خمسا من الإبل، ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث، فيما دون الموضحة بعقل (1).
وقال الإمام ابن المنذر (317 هـ): وقد أجمع أهل العلم على أن فيما دون الموضحة أرشا، واختلفوا في ذلك الأرش: فمنهم من جعل الأرش فيما دون الموضحة معلوما، وجعل ذلك مختلفا على قدر الجراح، ومنهم من قال: ليس في شيء مما دون الموضحة أرش معلوم، وإنما تجب في ذلك كله حكومة (2).
وقال الإمام ابن رشد الحفيد (595 هـ): فاتفق العلماء على أن العقل واقع في عمد الموضحة وما دون الموضحة خطأ، واتفقوا على أنه ليس فيما دون الموضحة خطأ عقل وإنما فيها حكومة (3).
وقال الإمام القرطبي (671 هـ): وأجمع أهل العلم على أن فيما دون الموضحة أرشا، فيما ذكر ابن المنذر (4).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول الحنفية (5)، والشافعية في أحد الأوجه وهو الظاهر من مذهبهم (6)، وهو ظاهر المذهب عن الحنابلة (7).
• مستند الإجماع: يستدل للإجماع المنقول بما يلي:
1 -
عن الحسن وعمر بن عبد العزيز: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض فيما دون الموضحة بشيء"(8).
• وجه الدلالة: أن النبي عندما لم يقض فيما دون الموضحة بشيء دل ذلك
(1) الموطأ (2/ 859).
(2)
الأوسط (13/ 177).
(3)
بداية المجتهد (4/ 2209).
(4)
الجامع لأحكام القرآن (8/ 27).
(5)
ينظر: بدائع الصنائع (7/ 324)، الهداية (4/ 465).
(6)
ينظر: الحاوي للماوردي (12/ 238).
(7)
ينظر: شرح الزركشي (6/ 179)، الإنصاف (10/ 106 - 107).
(8)
أخرج الأثران عبد الرزاق في مصنفه (17316)، (17320)، وكلاهما مرسل.
على أنه لا يوجد فيها تقدير في الشرع، فوجب علينا أن نعتبر الحكومة حتى لا يكون هدرا.
2 -
أنه لا تقدير فيها من جهة الشرع، وما لا مقدر فيه الواجب فيه حكومة (1).
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول الشافعية في الوجه الثاني عندهم والذي حكاه ابن سُرَيج، والحنابلة في الرواية الأخرى (2)، فذهبوا إلى: أن فيما دون الموضحة من الشجاج مقدّر حيث إن في البازلة بعير، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة، وفي السمحاق أربعة، وحجتهم أن زيد بن ثابت قضى بذلك (3).
كما خالفه أيضا الشافعية في الوجه الثالث والذي حكاه أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة (4)، وهو قول القاضي من الحنابلة حيث ذهبوا إلى: أنه يعتبر فيما دون الموضحة قدر ما انتهت إليه في اللحم من مقدار ما بلغته الموضّحة حتى وصلت إلى العظم إذا أمكن، فإذا عرف مقداره من ربع أو ثلث أو نصف كان فيه بقدر ذلك من دية الموضحة، وإن لم يمكن معرفة ذلك وجب حكومة (5).
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قضى في السِمحاق بأربع من الإبل (6).
(1) ينظر: الهداية (4/ 465)، شرح الزركشي (6/ 179).
(2)
ينظر: الحا وي للماوردي (12/ 238)، شرح الزركشي (6/ 179)، الإنصاف (10/ 106 - 107).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (17321) رقم (17321)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 147) رقم (16214).
(4)
الحسن بن الحسين القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي، فقيه شافعي، من أصحاب الوجوه، له التعليق الكبير، ت 345 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (15/ 430)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 126).
(5)
ينظر: الحاوي للماوردي (12/ 239)، المهذب (3/ 217)، شرح الزركشي (6/ 179)، الإنصاف (10/ 106 - 107).
(6)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9/ 312) رقم (17340).
وروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: "في الدامية الكبرى يرون أنها المتلاحمة ثلاثمائة درهم، وفي الموضحة مائتا درهم، وفي الدامية الصغرى مائة درهم"(1).
كما روى سعيد بن المسيب عن عمر وعثمان أنهما قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة (2).
ججج عدم صحة الإجماع لوجود المخالف في المسألة.
[219/ 11] من وطئ زوجته وليس مثلها يوطئ فأفضاها (3) عليه الدية
• المراد من المسألة: أن من وطئ زوجته وهي صغيرة أو نحيفة لا يوطأ مثلها لمثله فأفضاها بأن خرق ما بين مخرج بول ومني أو خرق ما بين القبل والدبر فلم تستمسك البول لزمته الدية.
• من نقل الإجماع: قال الإمام ابن هُبيرة (560 هـ): واتفقوا على أن من وطئ زوجته وليس مثلها يوطئ فأفضاها أن عليه الدية (4).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول أبو يوسف (5)، والشافعية (6)، والمالكية في رواية (7).
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9/ 313) رقم (17346).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (16211).
(3)
إفضاء المرأة جعل مسلكيها واحدا، وهما مسلك البول ومسلك دم الحيض والنفاس، والمرأة المفضاة هي التي التقى مسلكاها بزوال الجلدة التي بينهما، وهو مشتق من الفضاء وهي المفازة الواسعة. طلبة الطلبة (ص: 74).
(4)
اختلاف الأئمة العلماء (2/ 242).
(5)
ينظر: بدائع الصنائع (7/ 319)، قرة عين الأخيار (7/ 135).
(6)
ينظر: البيان (11/ 558)، روضة الطالبين (9/ 303).
(7)
ينظر: حاشية الدسوقي (4/ 277 - 278)، منح الجليل (9/ 123 - 124).
• مستند الإجماع: يستدل لهذا الإجماع المنقول بما يلي:
1 -
أن للبول مكانا في البدن يجتمع فيه للخروج فعدم إمساك البول إبطال لنفع ذلك المحل فتجب فيه الدية كما لو لم يستمسك الغائط (1).
2 -
أن مصيبتها أعظم من قطع الشُفْرين (2)، وقد جاء النص على وجوب الدية في الشُفْرين ففي الإفضاء أولى، حيث أن إفضائها يمنعها من اللذة ومن استمساك الودي والبول فوجوب الدية فيه أولى من وجوبها في الشفرين (3).
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول الحنفية، حيث لم يروا وجوب الضمان على إفضاء الزوج لزوجته.
وحجتهم في ذلك أن الوطء مأذون فيه شرعا فالمتولد منه لا يكون مضمونا كالبكارة (4).
كما خالفهم أيضا المالكية في الرواية المشهورة عندهم كما جاء في التوضيح أنه يجب في الإفضاء ما شانها بالاجتهاد -أي يجب في ذلك الحكومة- وهو ما نقل عن مالك في المدونة، وقال الباجي: إن فعله بزوجته فروي عن ابن القاسم أنه يجب عليه حكومة في ماله ما لم تبلغ الثلث فإن بلغت الثلث فعلى العاقلة (5).
كما خالفه أيضا الإمام ابن حزم، حيث فصّل في المسألة فقال: إن كان ذلك وقع منه في زوجته من غير قصد فعاشت وبرئت فلا شيء في ذلك، لأنه مخطئ، وقد أباح اللَّه تعالى له وطء زوجته، فلم يتعد حدود اللَّه تعالى في ذلك،
(1) ينظر: تبيين الحقائق (3/ 186 - 187)، كشاف القناع (6/ 56).
(2)
الشُفُر: طرف جانب الفرج. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 298).
(3)
ينظر: حاشية الدسوقي (4/ 277 - 278)، منح الجليل (9/ 123 - 124).
(4)
ينظر: بدائع الصنائع (7/ 319)، قرة عين الأخيار (7/ 135).
(5)
ينظر: حاشية الدسوقي (4/ 277 - 278)، منح الجليل (9/ 123 - 124).