الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[137/ 2] الدابة إذا جنت جناية نهارا أو جرحت جرحا لم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر:
• المراد من المسألة: أن الدابة إذا جنت جناية في النهار دون الليل ولم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر، ولا ضمان فيه على صاحب الدابة (1).
• من نقل الإجماع: قال الإمام ابن عبد البر (463 هـ): وأجمع العلماء على أن العجماء إذا جنت جناية نهارًا أو جرحت جرحا لم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر، لا دية فيه على أحد ولا أرش. . . ولا خلاف بينهم أن ما أفسدت المواشي وجنت نهارا من غير سبب آدمي أنه هدر من الزروع وغيرها إلا ما روي عن مالك وبعض أصحابه في الدابة الضارية المعتادة الفساد على ما سنذكره (2).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول الحنفية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، وابن حزم من الظاهرية (6).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)} [الأنبياء: 78].
قال الماوردي: وفي الحرث الذي حَكَما فيه قولان: أحدهما: أنه زرع
(1) الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها أن تلك خاصة بالدابة المنفلتة من يد صاحبها وهي معه، وهي عامة في الليل والنهار، وأما هذه المسألة فهي عامة في كل ما جنته الدابة دون أن يكون لأحد سبب في ذلك، سواء منفلتة من يد صاحبها أو مرسلة، وهي خاصة من جهة أخرى بالنهار دون الليل.
(2)
التمهيد (7/ 21).
(3)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 66)، درر الحكام (2/ 113).
(4)
ينظر: الحاوي للماوردي (13/ 466 - 467)، البيان (12/ 85).
(5)
ينظر: الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (5/ 454)، كشاف القناع (4/ 128).
(6)
ينظر: المحلى (11/ 198 - 199).
وقعت فيه الغنم ليلا قاله قتادة، وهو الأشبه بلفظ الحرث.
والثاني: أنه كرم وقعت فيه الغنم، قاله ابن مسعود، وهو أشهر في النقل. {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} والنفش رعي الليل والهمل: رعي النهار، قاله قتادة، فدل على أن القضاء كان في رعي الليل دون النهار.
{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} يعني: حكم داود وحكم سليمان، والذي حكم به داود على ما ورد به النقل وإن لم يدل القرآن عليه أنه جعل الغنم ملكا لصاحب الحرث عوضًا عن فساده وكان سليمان عليه السلام حاضر الحكمة فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى صاحب الكرم؛ لينتفع بها ويدفع الكرم إلى صاحب الغنم، ليعمره، فاذا عاد إلى ما كان عليه؛ رده على صاحبه واسترجع غنمه، فصوب اللَّه تعالى حكم سليمان وبين خطأ داود فقال:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] فردّ داود حكمه، وأمضى حكم سليمان (1).
قال البيهقي: وروينا عن الشعبي عن شريح أنه كان يضمن ما أفسدته الغنم بالليل، ولا يضمن ما أفسدته بالنهار ويتأول هذه الآية، وكان يقول: النفش بالليل (2).
2 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل"(3).
(1) الحاوي للماوردي (13/ 467).
(2)
السنن الكبرى (8/ 497).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (30/ 568) رقم (18606)، وأبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب المواشي تفسد زرع قوم (3570)، وصححه ابن حبان في صحيحه (6008)، والحاكم في مستدركه (2303).
• وجه الدلالة كما قال الإمام الصنعاني: دل الحديث أنه لا يضمن مالك البهيمة ما جنته في النهار؛ لأنه يعتاد إرسالها في النهار ويضمن ما جنته بالليل؛ لأنه يعتاد حفظها بالليل (1).
3 -
عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جرحها جُبار"(2).
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول الليث بن سعد حيث يرى: أن المالك يضمن ما أفسدته دابته ليلا ونهارا بأقل الأمرين من قيمتها أو قدر ما أتلفته.
وحجته القياس على العبد إذا جنى (3).
وحكى الإمام الماوردي أن للحنفية رواية في تضمين جناية الدابة نهارا، حيث قال: واختلف أصحابه في مذهبه الذي سوى فيه بين الليل والنهار، فحكى البغداديون منهم عنه سقوط الضمان في الزمانين وحكى الخراسانيون عنه وجوب الضمان في الزمانين (4).
قال الماوردي: واستدل من ذهب إلى وجوب الضمان في الزمانين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه"(5)، ولأن ما وجب ضمانه ليلا وجب ضمانه نهارا، كالغُصوب طردا، والودائع عكسا (6).
ججج عدم صحة الإجماع لوجود الخلاف، واللَّه أعلم.
(1) ينظر: سبل السلام (2/ 382).
(2)
تقدم تخريجه، وهو في الصحيحين.
(3)
ينظر: الشرح الكبير لابن قدامة (5/ 454).
(4)
الحاوي (13/ 467)، ولم أقف على هذه الرواية في كتب الحنفية.
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (34/ 299) رقم (20695)، وأبو يعلى في مسنده (1570)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7662).
(6)
الحاوي (13/ 467).