الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح:
بعد تتبع أدلة كلا الفريقين، تبين -واللَّه أعلم- أن الراجح هو القول الأول، وذلك، لما يظهر من قوة في أدلته، وضعف أدلة القول الثاني.
الشرط الثالث: اعتماد المجمعين على مستند شرعي في إجماعهم
.
والمستند الشرعي: هو الدليل الذي اعتمد عليه الإجماع إبان صدوره (1).
واستناد الإجماع إلى مستند شرعي، شرط عند جميع العلماء، إلا من شذ منهم. يقول الآمدي: اتفق الجميع على أن الأمة لا تجتمع على الحكم إلا عن مأخذ ومستند يوجب اجتماعها، خلافًا لطائفة شاذة، فإنهم قالوا بجواز انعقاد الإجماع عن توفيق، لا توقيف، بأن يوفقهم اللَّه تعالى لاختيار الصواب من غير مستند (2).
أدلة الجمهور: استدل الجمهور بأدلة، منها: الدليل الأول: أنه ليس للبشر الاستقلال بإصدار الأحكام الشرعية، ولو قلنا إنه يجوز الإجماع بلا دليل لجاز القول في الدين بلا دليل، ومعلوم أن القول في الدين بلا دليل باطل، وعليه فيكون الإجماع الشرعي بلا دليل باطلا (3).
الدليل الثاني: أن الإفتاء من غير مستند خطأ، وذلك قول في الدين بغير علم، والقول في الدين بغير علم مما نهى اللَّه عنه، قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]
الدليل الثالث: أن العلماء ليسوا بآكد حالا من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، كما أنه لا يحكم إلا عن وحي، قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4]، وإذا كان
(1) شرح تنقيح الفصول، (2/ 393).
(2)
الإحكام للآمدي (1/ 322 - 323). وينظر: شرح تنقيح الفصول (2/ 393)، المختصر في أصول الفقه، للبعلي، (ص 78).
(3)
ينظر: تيسير الوصول إلى علم الأصول، (ص 124).
هذا حاله عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم عن الخطإ، فإن العلماء أولى ألا يقولوا في الدين إلا عن حجة ودليل (1).
ومستند الإجماع قد يكون الكتاب، أو السنة، أو القياس، أو المصلحة.
فمثال الإجماع المستند إلى الكتاب: الإجماع المنعقد على أن الزواج بالجدة محرم (2)، والمستند إلى قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، فالمراد بالأمهات في هذه الآية الأصول من النساء وإن علون، فهي بهذا المعنى تشمل جميع الجدات.
ومثال الإجماع المستند إلى السنة: إجماع صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أن نصيب الجدة من الميراث السدس (3)، فقد روي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس (4).
ومثال الإجماع المستند إلى القياس: ما أجمع عليه الصحابة رضوان اللَّه عليهم من ضرب شارب الخمر ثمانين جلدة (5)، وذلك، بالقياس على الحد المقرر في حق القاذف، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر
(1) ينظر: الإحكام للآمدي (1/ 323).
(2)
مراتب الإجماع (ص: 66).
(3)
الإجماع لابن المنذر (ص: 69)، مراتب الإجماع (ص: 101).
(4)
في أحاديث متعددة، منها ما أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الفرائض، باب ميراث الجد برقم (1074)، وأبو داود في سننه، كتاب الفرائض، باب فى الجدة برقم (2896)، وابن ماجه في سننه، كتاب الفرائض، باب ميراث الجدة برقم (2724)، والترمذي في جامعه، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة برقم (2100)، وصححه ابن الجارود في المنتقى برقم (959)، وابن حبان برقم (6031)، والحاكم برقم (7978) عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها، فقال: ما لك في كتاب اللَّه شيء! وما علمت لك في سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا! فارجعي حتى اسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.
(5)
فتح الباري (12/ 73)، الإبهاج (2/ 391).