الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حجتهم في وجوب الدية في سهم الغارمين أو في بيت المال في حق من لا عاقلة له من المعتقين هو أنه لا يجوز أن يغرم أحد غرامة لم يأت بإيجابها نص ولا إجماع، فلم يبق إلا قول من قال: إن الدية في سهم الغارمين من الصدقات، أو بيت مال المسلمين في كل مال موقوف لجميع مصالحهم - فوجب القول بهذا؛ لأن اللَّه تعالى أوجب الدية في كل مؤمن قتل خطأ (1).
ججج عدم صحة الإجماع لوجود المخالف في المسألة.
[235/ 9] لا تحمل العاقلة اعترافا بالخطأ تنكره العاقلة
• المراد من المسألة: لا تحمل العاقلة الاعتراف، وهو أن يقرّ الإنسان على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد فتجب الدية عليه.
• من نقل الإجماع: قال الإمام الكاساني (587 هـ): ولا خلاف في أن الدية بالإقرار بالقتل الخطأ تجب في ماله في ثلاث سنين (2).
قال الإمام ابن قدامة (620 هـ): المسألة الرابعة: أنها لا تحمل (العاقلة) الاعتراف وهو أن يقر الإنسان على نفسه بقتل خطأ أو شبه عمد فتجب الدية عليه، ولا تحمله العاقلة، ولا نعلم فيه خلافا (3).
وقد نقله الشيخ ابن قاسم (1392 هـ)(4).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول: المالكية في المعتمد عندهم (5)، والشافعية، واشترطوا أن يحلف العاقلة على نفي العلم، فإن حلفوا فلا شيء عليهم من الدية (6).
أما ابن حزم فعنده تفصيل في المسألة وهو كالتالي: أن المقرّ بقتل الخطأ
(1) ينظر: المحلى (11/ 286 - 278).
(2)
بدائع الصنائع (8/ 106).
(3)
المغني (12/ 29).
(4)
حاشية الروض المربع (7/ 285).
(5)
ينظر: الكافي لابن عبد البر (2/ 1107)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي، (4/ 282).
(6)
ينظر: المهذب (3/ 247)، نهاية المطلب (16/ 521 - 522)، روضة الطالبين (9/ 357).
ليس مقرّا على نفسه؛ لأن الدية فيما أقر به على العاقلة، لا عليه، فإذ ليس مقرا على نفسه فواجب أن لا يصدق عليهم، إلا إن كان عدلا، فإنه في هذه الحالة يحلف أولياء القتيل مع المقر بالقتل، فيستحق أولياء القتيل الدية على العاقلة، فإن نكلوا فلا شيء لهم، وإن أقرّ اثنان عدلان بقتل خطأ وجبت الدية على عواقلهما بلا يمين، لأنهما شاهدا عدل على العاقلة (1).
• مستند الإجماع: يستدل للإجماع المنقول بما يلي:
1 -
ما روي ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا"(2).
ولا مخالف له من الصحابة (3).
2 -
عن عمر رضي الله عنه قال: "العمد والعبد، والصلح والاعتراف، لا تعقله العاقلة"(4).
3 -
أنه لو وجب عليهم، لوجب بإقرار غيرهم، ولا يقبل إقرار شخص على غيره (5).
4 -
أنه يتهم في أن يواطئ من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته، فيقاسمه إياها (6).
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول المالكية في باقي الأقوال عندهم، وهي ثلاثة أقوال أخرى:
(1) ينظر: المحلى (11/ 267).
(2)
سبق تخريجه، وهو حسن.
(3)
ينظر: مختصر اختلاف العلماء (5/ 104)، الاستذكار (8/ 126).
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (3376)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 181) رقم (16359)، وقال: هو عن عمر منقطع، والمحفوظ عن عامر الشعبي من قوله.
(5)
ينظر: المغني (8/ 384).
(6)
ينظر: المغني (8/ 384).
الأول: أنه إن اتهم أن يكون أراد غنى ولد المقتول كالأخ والصديق لم يصدق، وإن كان من الأباعد صدق إن كان ثقة مأمونا، ولم يخف أن يرشى على ذلك، ثم تكون الدية على العاقلة بقسامة فإن لم يقسم أولياء المقتول فلا شيء لهم.
الثاني: لا شيء عليه ولا على عاقلته.
الثالث: تقضى عليه وعلى عاقلته فما أصابه غرمه وما أصاب العاقلة سقط عنه (1).
كما خالفه أيضا الإمام أبو ثور، حيث قال: لا يلزمه ما أقر به، لأنه أقر على غيره، وذلك أن جناية الخطأ على الأنفس على العاقلة كذلك السنة فإذا أقر الجاني بشيء أوجبته السنة على غيره لم يلزمه في نفسه (2).
وقوّى قوله الإمام ابن المنذر، فقال: وقول أبي ثور يدل عليه النظر، واللَّه أعلم، وذلك أن المقر بقتل خطأ، إنما أقر بشيء على غيره وإن صدقه الأولياء، فهو أولى أن يكون كذلك، لأن الولي إذا قال: إنك قتلته خطأ فقد برأه من الدية وأقر بأن ذلك على العاقلة، لأن السنة قد حكمت بالدية على العاقلة، ولا يجوز تحويل ما جعلته السنة على العاقلة إلى أن يجعل ذلك على المقر بالجناية، وكما لا يلزم العاقلة دية العمد، كذلك لا يكون على الجاني دية الخطأ بحكم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك على العاقلة. واللَّه أعلم (3).
ججج عدم صحة الإجماع لوجود الخلاف في المسألة.
(1) ينظر: الكافي لابن عبد البر (2/ 1107)، مواهب الجليل (5/ 88 - 89).
(2)
ينظر: الأوسط (13/ 359).
(3)
الأوسط (13/ 360).