الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصاص، والمراد أخوة الدين بلا ريب (1).
2 -
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال: "ما من عبد قال لا إله إلا اللَّه ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة". قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق". قلت: "وإن زنى وإن سرق"؟ قال: "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر"(2).
• وجه الدلالة: الحديث بيّن أن أصحاب الكبائر لا يخلّدون في النار، بل مصيرهم إلى الجنة إما أن يدخلوها ابتداءً بدون عقاب برحمة اللَّه وفضله، أو يعذّبون على قدر ذنوبهم بعدل اللَّه ثم يدخلون الجنة، ولا يؤخذ من الحديث تحتم دخولهم الجنة بدون عقاب كي نجمع بين هذا الحديث وبين النصوص التي تتوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
ججج صحة الإجماع في المسألة، وذلك لعدم المخالف.
[3/ 3] توبة القاتل عمدا صحيحة ومقبولة
• المراد من المسألة: أن من قتل مسلما متعمدا عدوانا، ثم تاب وأناب، فهل توبته هذه محتملة للقبول كالتوبة من سائر الذنوب أم أن قبولها ممتنع؟ .
• من نقل الإجماع: قال الإمام النووي (676 هـ): هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمدًا ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس رضي الله عنه (3).
وذكر قريبًا من هذا القول في موضع آخر (4)، وقد نقله عنه الإمام الشوكاني (5).
(1) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (ص: 316).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الثياب البيض، (5489)، (5/ (2193)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك باللَّه شيئًا دخل الجنة، (94)، (1/ 94).
(3)
شرح صحيح مسلم، (17/ 82).
(4)
شرح صحيح مسلم، (9/ 403).
(5)
نيل الأوطار، (7/ 66 - 67).
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني (1)(852 هـ): وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد من ذلك -أي من النصوص التي تتوعد قاتل العمد- على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) يقول: ومن ذلك توبة قاتل النفس، . . .، وكل وعيد في القرآن فهو مشروط بعدم التوبة باتفاق الناس (3).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول الحنفية (4)، وهو المشهور عند المالكية (5).
• مستند الإجماع: الأول: عموم قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} [الزمر: 53].
(1) هو أحمد بن علي بن محمد بن محمد الشهاب أبو الفضل العسقلاني الشافعي ويعرف بابن حجر وهو لقب لبعض أَبائه، الإمام الحافظ، تصدى لنشر الحديث وفصر نفسه عليه مطالعة وقراءة وإقراء وتصنيفًا وإفتاء، وزادت تصانيفه على مائة وخمسين تصنيفًا. انظر: الضوء اللامع، (1/ 268 - 270)، البدر الطالع، (1/ 81 - 85).
(2)
فتح الباري، (8/ 496).
(3)
مجموع الفتاوي، (16/ 25).
(4)
انظر: المبسوط، للسرخسي، (7/ 446)، رد المحتار، (6/ 529).
(5)
انظر: الجامع لأحكام القرآن، (5/ 333)، مواهب الجليل، (6/ 231).
• وجه الدلالة: ظاهر في مغفرة ذنوب من عمل هذه المعاصي والتي منها قتل النفس حيث استثنى اللَّه من معاقبة من فعل هذه المعاصى من تاب فدل على قبول توبة القاتل عمدًا (1).
الثالث: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب اللَّه عليه"(2).
• وجه الدلالة: أن النص عام في كل تائب، ولم يخصّ تائبا من تائب.
• من خالف الإجماع: خالف في هذه المسألة: ابن عباس في الرواية المشهورة عنه، وزيد بن ثابت (3)، وروي عن الإمام مالك فيها قولان، أخذ من قوله:(لا تجوز إمامته) عدم القبول، وأُخذ من قولِه:(ليكثر من العمل الصالح والصدقة والجهاد والحج) القبول (4).
وفي رواية للحنابلة عدم قبول توبته (5).
واستدلوا لذلك بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93]
قال ابن عباس رضي الله عنهما عندما سئل عن هذه الآية: (هي آخر ما نزل وما نسخها شيء)(6).
(1) انظر: الحاوي للماوردي، (7/ 12).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، (2753)، (4/ 2076).
(3)
انظر: جامع البيان، (9/ 62 - 69)، الجامع لإحكام القرآن، (5/ 332 - 333)، شرح النووي على صحيح مسلم، (18/ 159)، فتح الباري، (8/ 495).
(4)
انظر: الذخيرة، (10/ 4)، مواهب الجليل، (6/ 231).
(5)
انظر: مجموع الفتاوي، (16/ 26)، الإنصاف، (10/ 335).
(6)
أخرجه الطبري في جامع البيان (9/ 65).
وفي رواية لمسلم أن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ألمن قتل مؤمنًا متعمدًا من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت عليه هذه الآية: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)} [الفرقان: 68]، إلى آخر الآية. قال: هذه آية مكية نسختها آية مدنية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [النساء: 93](1).
2 -
عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "كل ذنب عسى اللَّه أن يغفره إلا الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا أو الرجل يموت كافرًا"(2).
ججج عدم صحة الإجماع وذلك لثبوت الخلاف في المسألة وأدلة المخالفين لها وجه من النظر.
[4/ 4] القَوَد (3) مختص بالقتل العمد
• المراد من المسألة: أن القود -وهو القصاص- لا يجب إلا في القتل الذي يكون عمدا فقط، ولا يجب القصاص أو القود في القتل الخطأ، ولا القتل شبه العمد.
• من نقل الإجماع: قال الإمام ابن حزم (456 هـ): ولا خلاف بين أحد من الأمة في أن القود ليس إلا في العمد فقط (4).
(1) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} ، ومسلم، كتاب التفسير، (3023).
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الفتن، باب تعظيم قتل المؤمن، (4272)، (4/ 167)، والنسائي، كتاب الدماء، (3984)، (7/ 81)، وصححه الحاكم، في المستدرك (8031) و (8032)(4/ 391)، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (511).
(3)
القَوَد: القصاص، وهو أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل. أنيس الفقهاء (ص: 108).
(4)
المحلى (10/ 408).
وقال الإمام ابن رشد الحفيد (1)(595 هـ): اتفقوا على أن الذي يجب به القصاص هو العمد (2).
وقال الإمام ابن حَجَر الهيتمي (3)(974 هـ): (وَلَا قصاص إلا في العمد) الآتي إجماعا (4).
وقال الشيخ ابن قاسم (1392 هـ): والقتل، وهو فعل ما يكون سببا لزهوق النفس العمد، فهو الذي يختص به القود بلا نزاع (5).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول الحنفية (6).
• مستند الإجماع: يستند هذا الإجماع على عدة أدلة منها:
1 -
عموم الآيات والأحاديث الدالة على القصاص كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء: 33]، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، وقوله
(1) هو محمد بن أبي القاسم أحمد بن أبي الوليد بن رشد القرطبي، الشهير بالحفيد، تولى قضاء الجماعة، درس الفقه والأصول وعلم الكلام ولم ينشأ بالأندلس مثله كمالًا وعلمًا وفضلًا، ألف في الفقه والفلسفة والطب، حتى بلغت ستين مصنفا، من آثاره: بداية المجتهد، الكليات في الطب، المستصفى. توفي عام (595 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 307)، الديباج المذهب (1/ 150).
(2)
بداية المجتهد (4/ 179).
(3)
أحمد بن محمد بن علي بن حجر شهاب الدين أبو العباس الهيتمي السعدي الأنصاري، فقيه شافعي، له تحفة المحتاج وغيرها، ت 974 هـ. ينظر: معجم المؤلفين (2/ 152)، الأعلام للزركلي (1/ 234).
(4)
تحفة المحتاج (8/ 375).
(5)
حاشية العروض المربع (7/ 166).
(6)
ينظر: بدائع الصنائع (7/ 234)، البناية شرح الهداية (12/ 86 - 87)، الاختيار لتعليل المختار (5/ 23).
-صلى الله عليه وسلم: "ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين؟ إما يودي، وإما يقاد"(1).
• وجه الدلالة: أن هذه النصوص أثبتت القصاص عند وجود عموم القتل والقتل العمد يدخل في هذا العموم، أما القتل الخطأ وشبه العمد فقد استثنيا من هذا العموم لوجود نصوص أخرى توجب غير القصاص وهو الدية كقوله تعالى عن القتل الخطأ:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92].
وقوله صلى الله عليه وسلم عن شبه العمد: "عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد"(2) ونحو ذلك من النصوص التي أخرجت قتل الخطأ وشبه العمد من هذا العموم.
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "العمد قود، والخطأ لا قود فيه"(3).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل موجب العمد القود، فاشترط العمد لوجوب القود، وبقية أصناف القتل لا عمد فيها، فلا يجب بها القود (4).
ججج صحة الإجماع في هذه المسألة لعدم وجود المخالف فيها.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب كتابة العلم (112)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكة (1355).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (11/ 327) رقم (6718)، وأبو داود في سننه، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء (4565)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4516).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 436) برقم (27766)، والدارقطني في سننه، كتاب الديات (3/ 94)، برقم (47)، وصححه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 265)، والألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1986).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 234).