الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروي عن ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر. قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون. قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون. قال: قلت: لما عظمت مصيبتها قلّ عقلها، قال: هكذا السنة يا ابن أخي. وهذا مقتضى سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1).
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول الأصمّ وابن عُلَيّة فذهبا إلى أن ديتها كدية الرجل، لتساويهما في القصاص (2).
كما خالف في ذلك الحسن البصري حيث قال: يستويان إلى النصف (3)، ودية الأربع أصابع دون النصف، فعلى قوله ليس فيها نصف ما في دية الرجل، وهي أربعون بعيرا للرجل والمرأة.
ججج عدم صحة الإجماع في المسألة، وذلك لوجود المخالف.
[178/ 13] دية السن الواحد خمس من الإبل
• المراد من المسألة: أن الدية الواجبة في كسر السن الواحدة خمس من الإبل.
• من نقل الإجماع: قال الإمام الشافعي (204 هـ): ولم أر بين أهل العلم خلافا في أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى في السن بخمس، وهذا أكثر من خبر الخاصة (4).
وقال الإمام ابن عبد البر (463 هـ): وكذلك اتفقوا في أن الأسنان كلها سواء، وأن دية كل واحد منها خمس من الإبل (5).
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9/ 394) رقم (17749)، وابن أبي شيبة في المصنف (5/ 412) رقم (27504).
(2)
ينظر: الحاوي للماوردي (12/ 289).
(3)
ينظر: الأوسط (13/ 167)، المغني (8/ 402).
(4)
الأم (12/ 457).
(5)
التمهيد (17/ 374)، وانظر:(17/ 381 - 382)، والاستذكار (25/ 8)، (25/ 146).
وقال الإمام الحسين بن مسعود البغوي (516 هـ): واتفق أهل العلم على التسوية في الأصابع، والأسنان، وأن في كل أصبع عشرا من الإبل، وفي كل سن خمسا من الإبل، كما جعلوا دية الصغير والكبير والضعيف والقوي سواء (1).
وقال الإمام ابن رشد الحفيد (595 هـ): وجمهور فقهاء الأمصار على أن في كل سن من أسنان الفم خمسا من الإبل، وبه قال ابن عباس، وروى مالك عن عمر أنه قضى في الضرس بجمل، وذلك فيما لم يكن منها في مقدّم الفم، وأما التي في مقدّم الفم فلا خلاف أن فيها خمسا من الإبل (2).
وقال الإمام قاضي صَفَد (بعد 780 هـ): واتفقوا على أن العين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، وعلى أن في المعينين دية كاملة، وفي الأنف إذا جدع الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي مجموع الأسنان - وهي اثنتان وثلاثون سنا الدية، وفي كل سن خمسة أبعرة (3).
وقال الإمام ابن قدامة (620 هـ): لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الأسنان خمس خمس في كل سن (4). وقد ثقله الشيخ ابن قاسم (1392 هـ)(5).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول: الحنفية (6).
• مستند الإجماع:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى في السن خمسا من الإبل"(7).
(1) شرح السنة للإمام البغوي (10/ 198).
(2)
بداية المجتهد (4/ 2219).
(3)
رحمة الأمة (ص: 243).
(4)
المغني (12/ 130).
(5)
حاشية الروض المربع (7/ 259).
(6)
ينظر: بدائع الصنائع (7/ 314)، البناية شرح الهداية (13/ 185).
(7)
أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب الديات، باب دية الأسنان (2651)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 127): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
2 -
ما جاء في كتاب عمرو بن حزم، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"في السن خمس من الإبل"(1).
3 -
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"في الأسنان خمس خمس"(2).
فهذه النصوص دالة على أن في السن الواحد خمسا من الإبل، من دون فرق بين سن وآخر.
• من خالف الإجماع: خولف هذا الإجماع المنقول في الأضراس، فقد روي عن سعيد بن المسيب، قال: قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة، خمسة أبعرة، فالدية تنقص في قضاء عمر لجنه، وتزيد في قضاء معاوية رضي الله عنه، فلو كنت أنا جعلت فى الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء (3).
وقد ذكر الإمام ابن حزم الخلاف في هذه المسألة فقال: هذه الأقوال كما أوردنا: قول عن عمر، وعلي، ومعاوية، وابن عباس رضي الله عنهم: أن دية السن والضرس سواء خمس خمس.
وقول آخر: أن الثنايا والرباعيات والأنياب خمس خمس، وفي سائر الأضراس -وهي الطواحين- بعير بعير -وهو الثابت عن عمر بن الخطاب.
وقول آخر: إن الطواحين مفضلة على الثنايا والرباعيات. وهو قول صح عن
(1) جزء من كتاب عمرو بن حزم في الديات، تقدم تخريجه، وقد صححه ابن حبان، والحاكم.
(2)
أخرجه الدارمي في سننه (2419)، وأبو داود في سننه، كتاب الديات، باب ديات الأعضاء (4563)، والنسائي في سننه، كتاب الديات، باب عقل الأسنان، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 157) رقم (16258)، وصححه الألباني في الإرواء (2276).
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (3200)، وعبد الرزاق في مصنفه (9/ 347) رقم (17507)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 158) رقم (16266)، وصححه الطريفي في التحجيل (ص: 511).
معاوية، كما أوردنا.
وقول رابع: وهو قول سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء: إن في الأسنان خمسا خمسا، وفي الأضراس بعيران بعيران.
وقول آخر: وهو أن في الثنية خمسا من الإبل، ثم تفضل على التي تليها وتفضل التي تليها على التي تليها، وهكذا إلى آخر الفم وهو قول طاوس (1).
وبعد عرضه لهذا الخلاف اختار أن لا شيء في جناية الخطأ على السن، حيث قال: وإنه إن لم يصح في إيجاب الدية في الخطأ في السن إجماع متيقن، فلا يجب في ذلك شيء أصلا، لما قد ذكرناه من قول اللَّه تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].
ولقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلا يحل لأحد إيجاب غرامة على أحد إلا أن يوجبها نص صحيح، أو إجماع متيقن -فأما النص الصحيح فقد أمنا وجوده بيقين هاهنا، فكل ما روي في ذلك منذ أربعمائة عام ونيف وأربعين عاما من شرق الأرض إلى غربها قد جمعناه في الكتاب الكبير المعروف بكتاب الإيصال وللَّه الحمد- وهو الذي أوردنا منه ما شاء اللَّه تعالي، فإن وجد شيء غير ذلك فما لا خير فيه أصلا، لكن مما لعله موضوع محدث.
وأما الإجماع - فلسنا نعرفه، وقد قالت الملائكة {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]، ولو صح عندنا في ذلك إجماع لبادرنا إلى الطاعة له، وما ترددنا في ذلك طرفة عين، فمن صح عنده في ذلك إجماع فليتق اللَّه ولا يخالفه، ومن لم يصح عنده إجماع ولا نص، ففرضه التوقف، ولا يحل له أن يكذب فيدعي إجماعا.
(1) المحلى (11/ 24).
قال أبو محمد: ثم نقول - وباللَّه تعالى التوفيق: إنه لو صح في ذلك إجماع بأن فيها خمسا، فوجه العمل في ذلك أنه لو صح الإجماع المتيقن على أن في الثنية خمسا من الإبل، فواجب كان أن يكون في كل سن، وكل ضرس خمس خمس؛ لأنه قد صح أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"الأسنان سواء، الثنية والضرس سواء".
وهذا العموم لا يحل لأحد خلافه، ولا تخصيصه، فواجب حمله على ظاهره، وأنه في القصاص الذي أمر اللَّه تعالى به في القرآن، وأمر هو به عليه الصلاة والسلام بلا شك.
ججج عدم صحة الإجماع لوجود المخالف فيها، وقد قال الماوردي فيما ورد عن عمر ما نصه: واختلف عنه في مفاضلة ديات الأصابع، فروي عنه أنه فاضل بينهما كالأسنان، وروي أنه سوى بينهما وإن فاضل بين الأسنان، واختلف عنه هل رجع عن هذا التفاضل أم لا؟ فحكى قوم أنه رجع عنه، وحكى آخرون أنه لم يرجع، وقد أخذ بما قاله عمر رضي الله عنه قوم من شواذ الفقهاء لقضائه بذلك في إمامته وهذا فاسد من وجهين: أحدهما: عموم النص من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "في كل سن خمس من الإبل" وهو اسم يعم كل سن، ولأن اختلاف المنافع غير معتبر فيما تقدرت دياته من وجهين:
أحدهما: أن منافع الميامن من الأعضاء أكثر من منافع مياسرها مع تساوي دياتها.
والثاني: أن منافعها تختلف بالصغر والكبر، والقوة والضعف، ودياتها مع اختلاف منافعها سواء، كذلك الأسنان، وعلى أن لكل سن منفعة ليست لغيره فلم تقم منفعة الثنية مقام منفعة الضرس (1).
(1) الحاوي (12/ 274).