الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[133/ 23] القاتل عمدا لا يرث من دية من قتله
.
• المراد من المسألة: أن القاتل عمدا إذا عفى عنه أولياء القتيل إلى الدية، أو كانت جنايته لا قصاص فيها، فإنه لا يرث من هذه الدية شيئًا.
• من نقل الإجماع: قال الإمام ابن المنذر (317 هـ): وأجمعوا على أن القاتل عمدا لا يرث من مال من قتله، ولا من ديته شيئًا (1).
وقال الإمام الجصاص (370 هـ): ومن جهة أخرى أنهم لا يختلفون في قاتل العمد وشبه العمد أنه لا يرث سائر ماله كما لا يرث من ديته إذا وجبت، فوجب أن يكون ذلك حكم قاتل الخطإ لاتفاقهما في حرمان الميراث من ديته (2).
وقال الإمام الماوردي (450 هـ): لا اختلاف بين الأمة أن قاتل العمد لا يرث عن مقتوله شيئًا من المال ولا من الدية، وإن ورث غيره الخوارج وبعض فقهاء البصرة، فقد حكي عنهم توريث القاتل عمدا استصحابا لحاله قبل القتل (3).
وقال الإمام ابن حزم الظاهري (456 هـ): واتفقوا أنه لا يرث قاتل عمد بالغ ظالم عالم بأنه ظالم من الدية خاصّة (4).
وقال الإمام ابن هُبيرة (560 هـ): وأجمعوا على أن القاتل عمدا ظلما لا يرث من المقتول (5).
وقال الإمام ابن قدامة (620 هـ): أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئًا، إلا ما حكي عن سعيد بن المسيب وابن جبير أنهما ورّثاه، وهو رأي الخوارج؛ لأن آية الميراث تتنا وله بعمومها، فيجب العمل بها فيه، ولا تعويل على هذا القول؛ لشذوذه، وقيام الدليل على خلافه (6).
(1) الإجماع (ص: 74).
(2)
أحكام القرآن (1/ 45)، وانظر:(1/ 44).
(3)
الحاوي (8/ 84).
(4)
مراتب الإجماع، (ص: 98).
(5)
اختلاف الأئمة العلماء (2/ 98).
(6)
المغني (6/ 364).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول: المالكية (1).
• مستند الإجماع:
1 -
عن عمرو بن شعيب، أن رجلا من بني مُدلِج، يقال له: قتادة، حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فنزف في جرحه، فمات، فقَدِم سُراقة بن جُعشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعدد على ماء قُديد عشرين ومئة بعير حتى أقدُم عليك، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب، أخذ من تلك الإبل ثلاثين حِقّة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول؟ قال: هأنذا، قال: خذها، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"ليس للقاتل شيء"(2).
• وجه الدلالة منه أن النص عام في كل قاتل، فيعمّ قاتل العمد وقاتل الخطأ.
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فإنه لا يرثه وإن لم يكن له وارث غيره"(3).
• وجه الدلالة منه أن النص عام في كل قاتل، فيعمّ قاتل العمد وقاتل الخطأ.
3 -
أن اللَّه تعالى جعل استحقاق الميراث تواصلا بين الأحياء والأموات؛ لاجتماعهم على الموالاة، والقاتل قاطع للموالاة، عادل عن التواصل، فصار أسوأ حالا من المرتدّ (4).
4 -
أنه لو ورث القاتل لصار ذلك ذريعة إلى قتل كل مورّث رغب وارثه في
(1) ينظر: الكافي لابن عبد البر (2/ 1110)، التاج والإكليل (8/ 608).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2536)، وأحمد في مسنده (1/ 423)، وابن ماجة في سننه، كتاب الديات، باب القاتل لا يرث (2646)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 72) رقم (16567)، وأعلّه ابن الملقن في البدر المنير (7/ 226) بالانقطاع بين عمرو بن شعيب وعمر.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 220) رقم (12604)، وضعفه ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 192).
(4)
ينظر: الحاوي (8/ 84).
استعجال ميراثه، وما أفضى إلى مثل هذا فالشرع مانع منه (1).
• من خالف الإجماع: خالف هذا الإجماع المنقول سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير (2)، كما نقله ابن رشد الحفيد عن قوم (3)، واختار هذا الرأي الإمام ابن حزم (4)، فقال هؤلاء: إن قاتل العمد يرث من الدية ومن غيرها.
قال ابن حزم: من أين وضح لهم تحريم الميراث على القاتل؛ ولا نص يصح فيه، ولا إجماع! قد أوجب الميراث لقاتل العمد: الزهري (5)، وسعيد بن جبير، وغيرهما (6).
وحجتهم في ذلك عموم آيات المواريث، كقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
كما خالف الحنفية هذا الإجماع المنقول في غير المكلف كالمجنون
(1) ينظر: الحاوي (8/ 84).
(2)
سعيد بن جبير بن هشام أبو محمد الوالبي الأسدي، تابعي محدث، فقيه، ومفسر، ت 95 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (4/ 321)، شذرات الذهب (1/ 382).
(3)
بداية المجتهد (4/ 144).
(4)
ينظر: المحلى (9/ 70).
(5)
محمد بن بن مسلم بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن شهاب أبو بكر الزهري القرشي، تابعي، محدث حافظ، وفقيه مجتهد، ت 124 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (5/ 326)، شذرات الذهب (2/ 99).
(6)
المحلى (9/ 70)، وقد ساقه رحمه الله ردّا على المالكية في تحريم المنكوحة في العدة تحريما مؤبدا من جهة أنه استعجل شيئًا قبل أوانه فعوقب بالتحريم المؤبد، وظاهر هذا النص أن مذهب الزهري توريث قاتل العمد من المقتول من الدية وغيرها، بينما نقل ابن حزم في مراتب الإجماع عنه (ص: 98) أنه يرى التوريث من المال دون الدية، والذي وقفت عليه عن الزهري أنه قال ذلك في الخطأ لا العمد، هكذا أخرجه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 363)، وحكاه عنه ابن المنذر في الأوسط (7/ 467)، والباجي في المنتقى (7/ 108)، وابن قدامة في المغني (6/ 365)، فالذي يظهر -واللَّه أعلم- أنه خطأ في النقل، وأن الصحيح عن الزهري التفريق بين الدية وغيرها في القتل الخطأ لا العمد.