الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالذي قتل بالخمر يجرع ماء حتى يموت، والذي قَتل باللواط يدخل في دبره خشبة حتى يموت (1)، والخلاف في هذا القدر لا يؤثر في ثبوت الاتفاق في أصل المسألة، واللَّه أعلم.
[16/ 16] الدية لا تجتمع مع القصاص:
• المراد من المسألة: أنه حيث وجبت الدية ارتفع القصاص، ولا يمكن أن يجتمعا معا فيجب على الجاني الدية ويقتص منه، وتصوير افتراض هذه المسألة فيما لو كانت ولاية الدم عند جماعة فعفى بعضهم إلى الدية، وطالب البقية بالقصاص فإن القصاص يسقط، وتجب الدية فقط؛ لأنها لا تجتمع مع القصاص.
• من نقل الإجماع: قال الإمام ابن حزم (456 هـ): وأما إذَا اختاروا الدية فقد حرم اللَّه تعالى عليهم تلك النفس؛ إذ لم يجعل لهم إلا أحد الأمرين. . . وقد صح بيقين كون الدية لهم حلالًا ومالا من مالهم إذا أخذوها، وصح تحريم القود عليه بذلك بلا خلاف؛ إذ لا يقول أحد في الأرض أنهم يجمعون الأمرين معا الدية والقَوَد (2).
وقال الإمام ابن عبد البر (3)(463 هـ): أجمعوا أن الدية لا تجتمع مع القصاص، وأن الدية إذا قبلت حرم الدم وارتفع القصاص (4).
وقد نقله عنه الإمام القرطبي (5).
(1) عن هذا الخلاف ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/ 161)، إحكام الأحكام (2/ 226)، مغني المحتاج (5/ 282)، المغني (8/ 304).
(2)
المحلى (11/ 143).
(3)
هو يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي أبو عمر الحافظ، شيخ علماء الأندلس وكبير محدّثيها في وقته، له: التمهيد، والاستذكار، والاستيعاب، توفي بشاطبة سنة 463 هـ. انظر: ترتيب المدارك، (2/ 73)، سير أعلام النبلاء، (18/ 153).
(4)
الاستذكار (8/ 169).
(5)
الجامع لأحكام القرآن (2/ 248).
وقال الإمام الإمام الكاساني (1)(587 هـ): هذا إذا كان الولي واحدا، فأما إذا كان اثنين أو أكثر فعفا أحدهما سقط القصاص عن القاتل؛ لأنه سقط نصيب العافي بالعفو فيسقط نصيب الآخر، ضرورة أنه لا يتجزأ؛ إذ القصاص قصاص واحد، فلا يتصور استيفاء بعضه دون بعض، وينقلب نصيب الآخر مالًا بإجماع الصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ فإنه روي عن عمر وعبد اللَّه بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم أوجبوا في عفو بعض الأولياء الذين لم يعفوا نصيبهم من الدية، وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم ينقل أنه أنكر أحد عليهم فيكون إجماعا (2).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول الشافعية (3)، والحنابلة (4).
• مستند الإجماع:
1 -
عن زيد بن وهب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رُفع إليه رجلٌ قتل رجلا، فأراد أولياء المقتول قتله، فقالت أخت المقتول -وهي امرأة القاتل-: قد عفوت عن حصتي من زوجي، فقال عمر: عتق الرجل من القتل)(5).
• وجه الدلالة: ظاهر في الروايتين حيث إن عمر رضي الله عنه أسقط القصاص وقضى بالدية فقط، ولم يجمع بينها وبين القصاص.
(1) هو أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني، ملك العلماء علاء الدين الحنفي، تفقه على الإمام السمرقندي، وشرح تحفة شيخه وسماه بدائع الصنائع، فأعجب به شيخه، وزوجه ابنته الفقيهة فاطمة، من آثاره غير البدائع: السلطان المبين في أصول الدين، توفي سنة 587 هـ. انظر: الجواهر المضيّة، (2/ 244)، تاج التراجم، (1/ 28).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 247).
(3)
ينظر: حاشية الرملي على شرح العروض (4/ 362).
(4)
ينظر: حاشية العروض المربع لابن قاسم (7/ 198).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (10/ 13)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 59)، ومعرفة السنن والآثار (6/ 182)، وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/ 397)، والألباني في الإرواء برقم (2222)، (2223).