الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زوجها وعقله، ويرث هو من مالها وعقلها، ما لم يقتل واحد منهما صاحبه" (1).
فدلت هذه الأحاديث أن دية المقتول، لا تختلف عن سائر أمواله، فهما في حكم الإرث سواء.
ججج صحة الإجماع المنقول في المسألة لعدم وجود المخالف.
[131/ 21] الدية تُقسم على أهل الميراث جميعا كما يُقسم الميراث
.
• المراد من المسألة: أنّ من قُتل خطأ أو عمدا فديته يرثها من يرث ماله سواء بسواء.
• من نقل الإجماع: قال الإمام الشافعي (204 هـ): ولا اختلاف بين أحد في أن يرث الدية في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميت؛ لأنها تُملك عن الميت (2).
وقال الإمام الماوردي (450 هـ): أما الدية فموروثة ميراث الأموال بين جميع الورثة من الرجال والنساء من ذوي الأنساب والأسباب، وهو متفق عليه، وهو معنى قول الشافعي: ولم يختلفوا في أن العقل موروث، إلا حكاية شاذة عن الحسن البصري أنه لم يورث الزوج والزوجة والإخوة من الأم شيئًا من الدية، وهو محجوج بالنص والإجماع (3).
وقال الإمام ابن عبد البر (463 هـ): قال مالك: إذا قبل ولاة الدم الدية فهي موروثة على كتاب اللَّه، يرثها بنات الميت وأخواته، قال أبو عمر: ولا أعلم في هذا خلافا بين العلماء، وهو إجماع من الصحابة والتابعين وسائر فقهاء المسلمين، إلا طائفة من أهل الظاهر شذّوا، فجعلوا الدية للعصبة خاصة على ما كان يقوله عمر رضي الله عنه، ثم انصرف عنه بما حدثه الضحاك بن سفيان
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9/ 398) رقم (17766)، وفيه رجل مبهم.
(2)
الأم (6/ 95).
(3)
الحاوي (12/ 99).
أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فقضى به عمر والخلفاء بعده، وأفتى به العلماء أئمة الفتوى في الأمصار من غير خلاف، إلا ممن لا يستحي من سبيل المؤمنين (1).
وقال الإمام ابن عبد البر (463 هـ) أيضًا: لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن دية الخطأ كسائر مال المقتول يرثه عنه ورثته ذوو الفروض والعصبة، إلا أن طائفة من أهل الظاهر شذّت، فلم أر لذكر ما أتت به وجها، وقد كان عمر بن الخطاب يقول: لا ترث المرأة من دية زوجها، حتى أخبره الضحّاك بن سفيان الكلابي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، وكان قتل أشيم خطأ فقضى به عمر رضي الله عنه، والناس بعده لا يختلفون أن دية المقتول كسائر ماله، تجوز فيه وصيته كما تجوز في ماله، فإن لم يترك مالًا غيرها لم يجز له من الوصية بها إلا ثلثها، فإن عفي عنها فللعاقلة ثلثها، ويغرمون الثلثين، والعفو هنا كالوصية إذا لم يكن له مال غير ديتها (2).
وقال الإمام ابن عبد البر (463 هـ) أيضًا: ولا أعلم خلافا بين العلماء قديما ولا حديثا بعد قول عمر الذي انصرف عنه إلى ما بلغه من السنة المذكورة في أن المرأة ترث من دية زوجها كميراثها من سائر ماله، وكذلك سائر الورثة، ذوو فرض كانوا أو عصبة، إلا شيء روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن شذّ فيه عن الجماعة، ولا أدري عمّن أخذه، إلا إن كان بلغه قول عمر ولم يبلغه رجوعه عن ذلك إلى السنة. . . انعقد الإجماع بذلك على هذا (3).
وقال الإمام الباجي (474 هـ): قوله فقضى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد قضى بأن تورث الزوجة من دية زوجها قال ابن شهاب، وكان قتل أشيم خطأ فاقتضى ذلك تعلق هذا الحكم بقتل الخطإ إلا أن دية العمد محمولة عند جميع
(1) الاستذكار (25/ 338)، وانظر:(25/ 337).
(2)
الاستذكار (25/ 44).
(3)
الاستذكار (25/ 195).
فقهاء الأمصار على ذلك، ولم يفرق أحد منهم علمناه في ذلك بين دية العمد والخطإ أنها كسائر مال الميت، يرث منها الزوج والزوجة والإخوة للأم وغيرهم (1).
قال الإمام العِمراني (558 هـ): قال الشافعي: ولم يختلفوا في أن العقل موروث كالمال، وجملة ذلك أنه إذا قتل رجل رجلا عمدا أو خطأ وعفا عنه على المال فإن الدية تكون لجميع الورثة. . .، وهو إجماع لا خلاف فيه (2).
قال الإمام قاضي زاده (988 هـ): القصاص حق جميع الورثة، كذا الدية مما اتفق عليه أئمتنا قاطبة (3).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول الحنابلة (4).
• مستند الإجماع:
1 -
• وجه الدلالة من الآية في قوله: (إلى أهله)، والزوجة، والإخوة لأم في جملة أهل الميت (5).
2 -
عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا، فقال له الضحاك بن سفيان الكِلابي: كتب إليّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أن أورّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها أشيم"(6).
(1) المنتقى (7/ 104).
(2)
البيان (11/ 396).
(3)
تكملة فتح القدير (10/ 242).
(4)
ينظر: المغني (6/ 388)، شرح الزركشي على الخرقي (3/ 44).
(5)
ينظر: المحلى (11/ 118).
(6)
تقدم تخريجه، وهو صحيح.
3 -
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم"(1).
4 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة ترث من مال زوجها وعقله، ويرث هو من مالها وعقلها، ما لم يقتل واحد منهما صاحبه"(2).
فدلّت هذه الأحاديث أن دية المقتول، لا تختلف عن سائر أمواله، فهما في طريق الإرث سواء.
• من خالف الإجماع: نقل الخلاف في هذا الإجماع المنقول عن علي رضي الله عنه (3)، والحسن البصري (4)، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وطائفة من أهل الظاهر، فذهبوا إلى أنه لا يرثها عنه إلا عصبته الذين يعقلون عنه (5).
ومما استدلوا به ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول: الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئًا (6).
ججج الذي يظهر لي -والعلم عند اللَّه- أن الخلاف المنقول عن علي رضي الله عنه لم يصح عنه، فإني لم أقف عليه إلا حكاية (7)، ويحتمل أن يكون رجع عنه (8)، وقد أخرج ابن أبي شيبة (9) عنه أنه قال: تُقسَم الدية لمن أحرز الميراث.
(1) تقدم تخريجه، وقال الهيثمي فيه: رجاله ثقات.
(2)
تقدم تخريجه، وفيه رجل مبهم.
(3)
ينظر: التمهيد (12/ 122).
(4)
ينظر: الحاوي (12/ 99)، التمهيد (12/ 122).
(5)
ينظر: المحلى (11/ 117)، الاستذكار (25/ 338)، الحاوي (12/ 99)، المغني (6/ 388).
(6)
الاستذكار (8/ 133).
(7)
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 215): ولا يصح فيه عن علي رضي الله عنه ما رواه أهل الظاهر، والصحيح عنه توريث الإخوة للأم من الدية.
(8)
المنتقى للباجي (7/ 104).
(9)
(9/ 314) رقم (28129).