الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[6/ 6] من صور القتل العمد: من قصد ضرب إنسان بآلة تقتل غالبًا كالسيف ونحوه وجرحه جرحًا كبيرًا فمات منه
• المراد من المسألة: قد تقدم أن من شروط القتل العمد القصد إلى الجناية، والقصد إلى القتل، ومن المعلوم عادة أن الإحاطة بالقصد الثاني متعذرة، ولهذا السبب جعل من أماراتها نوع الآلة التي تتم بها الجناية، فكان الاتفاق على أن الآلة إذا كانت محددة أو جارحة فالقتل بها عمد.
• من نقل الإجماع: قال الإمام الطبري (310 هـ): واختلف أهل التأويل في صفة القتل الذي يستحق صاحبه أن يسمى متعمدًا، بعد إجماع جميعهم على أنه إذا ضرب رجل رجلًا بحدّ حديد يجرح بحدّه أو يبضع ويقطع، فلم يُقلِع عنه ضربًا به حتى أتلف نفسه، وهو في حال ضربه إياه قاصد ضربه، أنه عامد قتله (1).
وقال الإمام ابن المنذر (2)(318 هـ): وأجمعوا على أن من ضرب رجلًا بسيف أو سكين أو سنان رمح أن عليه القود (3).
وقال الإمام الطحاوي (4)(321 هـ): الأصل المجمع عليه أن من قتل رجلا بحديدة عمدا فعليه القَود وهو آثم في ذلك (5).
(1) جامع البيان للطبري، (9/ 57).
(2)
محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري، محدث فقيه، من آثاره: اختلاف العلماء، والإشراف، والإجماع، توفي سنة 318 هـ. انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي، (1/ 108)، تهذيب الأسماء، (1/ 769).
(3)
الإجماع لابن المنذر ص (164).
(4)
هو أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الأزدي الطحاوي نسبة إلى طحا من صعيد مصر، محدث، وفقيه حنفي، من آثاره: أحكام القرآن، وشرح معاني الآثار، توفي سنة 321 هـ. انظر: الجواهر المضية، (1/ 102)، وتاج التراجم (1/ 3).
(5)
شرح معاني الآثار للطحاوي، (3/ 188).
وقال الإمام الجَصّاص (370 هـ): أصل أبي حنيفة أن العمد ما كان بسلاح أو ما يجري مجراه، . . .، فهذا كله عنده عمد محض فيه القصاص ولا نعلم في هذه الجملة خلافًا بين الفقهاء (1).
وقال الإمام الماوَردي (450 هـ): آلة القتل على ضربين: أحدهما: المثقّل. والثاني: المحدد وهو على ضربين: أحدهما: ما شق بعده. والثاني: ما نفذ بدفنه. فأما ما شق بحدِّه فقطع الجلد ومارَ في اللحم كالسيف. . .، وهذا يجمع نفوذًا وقطعًا فالقود فيه واجب باتفاق (2).
وقال الإمام ابن رشد الحفيد (595 هـ): فمن قصد ضرب آخر بآلة تقتل غالبًا كان حكمه، كحكم الغالب، أعني: حكم من قصد القتل فقتْلٌ بلا خلاف (3).
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة (620 هـ): العمد نوعان: أحدهما: أن يضربه بمحدد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن، كالسيف. . وما في معناه مما يحدّ فيجرح من الحديد. . .، فهذا كله إذا جرح به جرحًا كبيرًا فمات، فهو قتل عمدًا خلاف فيه بين العلماء فيما علمناه (4).
وقال الإمام شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): أن يجرحه بما له مور في البدن من حديد أو غيره مثل أن يجرحه بسكين. . مما يحدد ويجرح. . .، فهذا كله إذا جرح به جرحًا كبيرًا فمات، فهو قتل عمد لا اختلاف فيه بين العلماء فيما علمنا (5).
وقال البرهان ابن مفلح (884 هـ): أن يجرحه بما له مور، أي: نفوذ في البدن من حديد. .، فهذا كله إذا جرحه جرحًا كبيرًا فمات، فهو عمد بغير خلاف نعلمه (6).
(1) أحكام القرآن، (3/ 199 - 200).
(2)
الحاوي الكبير للماوردي، (12/ 34).
(3)
بداية المجتهد لابن رشد، (4/ 180).
(4)
المغني لابن قدامة، (8/ 261).
(5)
الشرح الكبير لابن قدامة، (9/ 320).
(6)
المبدع لابن مفلح، (7/ 191).
وقال الإمام زكريا الأنصاري (1)(926 هـ): لو جرحه بمحدد مؤثر من حديد. . . أو نحوها، فمات بذلك الجرح ولو بعد مدة وجب القود بالإجماع (2).
• من وافق الإجماع: وافق هذا الإجماع المنقول ابن حزم الظاهري (3).
• مستند الإجماع: عموم الأدلة التي تبين القصاص في القتل العمد ومنها:
1 -
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178]، وقوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء: 33].
• وجه الدلالة: أن الآيتين أوجبتا القصاص عاما في كل قتيل، ومن ذلك من قُتل بمحدّد (4).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: "العمد قود، والخطأ لا قود فيه"(5).
• وجه الدلالة: أن قوله صلى الله عليه وسلم (العمد) عام في عمد، ومنه القتل بالمحدد.
3 -
أن العمد قصد من أعمال القلوب، لا يمكن الوقوف عليه، فأقيم دليله مقام المدلول، لأن الدلائل تقوم مقام مدلولاتها في المعارف الظنية الشرعية، والضرب بآلة جارحة قاطعة دليل على القتل، فيقام مقام العمد (6).
(1) هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي المصري الشافعي، أبو يحيي، قاض مفسر، محدث، فقيه، من تصانيفه: فتح الرحمن بكشف ملتبس القرآن، توفي سنة 926 هـ. انظر: طبقات المفسرين (1/ 362)، شذرات الذهب (8/ 134).
(2)
أسنى المطالب لزكريا الأنصاري (4/ 3).
(3)
المحلى، لابن حزم (8/ 11).
(4)
ينظر: أضواء البيان (3/ 90).
(5)
تقدم تخريجه (ص: 90)، وقد صححه ابن الملقن، والألباني.
(6)
ينظر: البحر الرائق (8/ 327)، مجمع الأنهر، (2/ 615)، رد المحتار، لابن عابدين، (6/ 527).