الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة، يظهر صحة الإجماع على سقوط الحد عن المرأة؛ لعدم المخالف.
الثاني: في حق الرجل، فالمسألة فيه ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة.
وعلى هذا فما سبق من نقل ابن هبيرة وابن قدامة وغيرهما صواب؛ لأن ابن هبيرة حكى الاتفاق على سقوط الحد في حق الرجل والمرأة وأراد اتفاق المذاهب الأربعة، وأما ابن قدامة فحكى الإجماع على سقوط الحد عن المرأة فقط، واللَّه تعالى أعلم.
[95/ 2] ثبوت حد الزنا بالإقرار
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الإقرار: الإقرار لغة: الإقرار مشتق من أقرَّ يقرُّ إقرارًا، وأصله في اللغة يطلق على معنيين: الأول: القَر، وهو البرد. الثاني: الثبات، والاستقرار، والتمكن.
قال ابن فارس: "القاف والراء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على بَرْد، والآخر على تمكُّن"(1).
ولفظ الإقرار في هذا الفصل هو من الأصل الثاني الذي يدل على التمكن والثبوت، ومن ذلك: يقال: تقرر الأمر على كذا: أي ثبت، ومنه قوله تعالى:{وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (2).
ويقال: أقَرّ اللَّه عينَك: أي بَلّغَك أُمْنيَّتك حتى تَرْضى نفْسُك وتَسْكُن عيْنُك فلا تستشرف إلى غيره.
ويطلق الإقرار على الاعتراف والإذعان، وهو ضد الجحود، يُقال: أقر
(1) مقاييس اللغة (5/ 5).
(2)
سورة الحج، آية (5).
بالحق: أي اعترف به، وهو من مادة التمكن، أي تمكن الأمر وثبت عليه، وذلك أنه إذا أقَرَّ بحقٍّ فقد أقرَّهُ قرارَهُ، وثبّته.
ويطلق أيضًا على البيان والتوضيح، يُقال: أقر الكلام له: أي بيّنه له حتى عرفه، وهو من معنى الثبوت أيضًا، والمراد أن المعنى ثبت عنده مبينًا موضحًا (1).
الإقرار اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في حد الإقرار بالمعنى الشرعي، وإن كانت تؤدي لمعنى واحد، وحاصل تلك التعاريف أن يقال: هي: الإخبار عن حق ثابت على المُخبِر (2).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، ثم أقر على نفسه بارتكاب ذلك الفعل، فإنه يثبت عليه حد الزنا، إذا توفرت سائر الشروط.
والمراد هنا تقرير الإجماع على أن الإقرار يثبت به حد الزنا في الجملة، أما ما يتعلق بمسائل الإقرار من العدد المشترط فيه، ونحو ذلك فكل ذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ) في أن من أقر على نفسه مرة أقيم عليه الحد: "لأنه قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا مخالف لهما في الصحابة رضي الله عنهم، فكان إجماعًا"(3). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من
(1) انظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/ 266)، العين، باب: القاف مع الراء، (5/ 22)، المحيط في اللغة (5/ 207)، تهذيب اللغة (8/ 277).
(2)
انظر: فتح القدير (8/ 317)، العناية شرح الهداية (7/ 249)، أنوار البروق في أنواع الفروق (4/ 99)، تبصرة الحكام (2/ 51)، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (3/ 268)، أسنى المطالب (2/ 287)، الإنصاف (12/ 125)، المبدع (10/ 294).
(3)
الحاوي الكبير (13/ 207).
أقر بالزنا، وهو حر، بالغ، غير سكران، ولا مكره، في أربع مجالس متفرقة، وثبت على إقراره حتى أقيم عليه جميع الحد، فإنه قد أقيم عليه الحد الواجب" (1) ونقله عنه المطيعي (2) (3). وقال ابن رشد (595 هـ):"أجمع العلماء على أن الزنا يثبت بالإقرار وبالشهادة"(4).
وقال الزيلعي (743 هـ): "أما الإجماع فلأن الأمة أجمعت على أن الإقرار حجة في حق نفسه، حتى أوجبوا عليه الحدود والقصاص بإقراره"(5).
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "والإقرار كالشهادة إجماعًا"(6)، أي في ثبوت الحد به. وقال عليش (1299):"ثبت الزنا على المكلف بإقرار منه به على نفسه، رجلًا كان أو امرأة، مرة واحدة، اتفاقًا"(7).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنابلة (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن
(1) مراتب الإجماع (56).
(2)
هو محمد نجيب المطيعي، الشافعي، المصري، حفظ صحيح البخاري وهو ابن أربعة عشرة سنة، سُجن في مصر مرتين بعد الثورة الملكية، فذهب للسودان ودرَّس في جامعة أم درمان، ثم رحل للسعودية، وسكن جدة، وتولى إمامة مسجد فيها، حتى توفي سنة (1404 هـ).
ويُقال أن اسمه الحقيقي هو محمود إبراهيم الطوبي، وسبب تغيير اسمه هو أنه كان مطلوبًا لدى السلطات المصرية في عهد جمال عبد الناصر فغير اسمه ليأخذ جوازًا آخر، ويسافر به من مصر. هذه الترجمة مأخوذة من: حفيده مسيرة عاطف المطيعي نقلًا من ملتقى أهل التأويل: www.attaweel.com
ومشاركة عبيد اللَّه المنصوري في موقع ملتقى أهل الحديث: www.ahlalhadeeth.com
(3)
المجموع (20/ 304).
(4)
بداية المجتهد (2/ 359).
(5)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (5/ 3).
(6)
البحر الزخار (6/ 152).
(7)
منح الجليل شرح مختصر خليل (9/ 255).
(8)
انظر: المغني (9/ 60)، الإنصاف (10/ 188)، دقائق أولي النهى (3/ 350).
مالك الأسلمي رضي الله عنه أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده الثانية، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال:(أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيّ العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على ماعز والغامدية الحد بموجب إقرارهما.
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة،
(1) أخرجه مسلم رقم (1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز رقم (2502).