الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث: أن الصبي إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي؛ فلأن يسقط عنه الحد الذي مبناه على الدرء والإسقاط من باب أولى (1).
الدليل الرابع: أن الحد عقوبة محضة، فتستدعي جناية محضة، وفعل الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (2).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[169/ 3] من قذف محصنًا فهو كمن قذف محصنة في وجوب الحد
.
• المراد بالمسألة: من المعلوم أن وجوب جلد القاذف في القرآن الكريم جاء في حق قذف المحصنات من النساء، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (3).
والمراد هنا تقرير أن هذا التخصيص غير مراد، فالآية عامة في وجوب الحد على من قذف المحصنات من النساء، أو المحصنين من الرجال.
فمن قذف رجلًا بالزنا ولم يأت بالبيَّنة وجب عليه الحد، كمن قذف المرأة المحصنة.
• من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "ولا خلاف بين المسلمين أن الحد واجب على قاذف الرجل المحصن كوجوبه على قاذف المحصنة"(4).
وقال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن الحر العاقل البالغ المسلم غير
(1) انظر: الشرح الكبير (10/ 119).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 34).
(3)
سورة النور، آية (4).
(4)
أحكام القرآن (3/ 394).
المكره إذا قذف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفًا، لم يُحد قط في زنا، أو حرة بالغة، عاقلة، مسلمة، عفيفة، غير ملاعنة، لم تُحد في زنا قط، بصريح الزنا. . . أنه يلزمه ثمانون جلدة" (1). وقال ابن عبد البر (463 هـ):"والمحصنون في حكم المحصنات بإجماع"(2).
وقال ابن رشد الجد (520 هـ): "ويدخل تحت قَوْله تَعَالَى: {الْمُحْصَنَاتِ} (3) الرجال والنساء، لأنه لما كانت لا تزني امرأة إلا برجل اكتفى اللَّه عز وجل بذكر المحصنات عن المحصنين، وهو أمر متفق عليه، لا اختلاف عند أحد من المسلمين أن قذف المحصن كقذف المحصنة في وجوب الحد ولحوق الإثم"(4).
وقال الرازي (606 هـ): " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (5). . . الإجماع دل على أنه لا فرق في هذا الباب بين المحصنين والمحصنات"(6). وقال ابن القطان (628 هـ): "من قذف حرًا مسلمًا عفيفًا كمن قذف حرة مسلمة عفيفة بإجماع"(7).
وقال القرطبي (671 هـ): "ذكر اللَّه تعالى في الآية النساء من حيث هن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع، وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى، وإجماع الأمة على ذلك"(8). وقال الزيلعي (743 هـ): "والنص وإن ورد في المحصنات لكن الحكم يثبت في المحصنين أيضًا؛ لأن المعنى
(1) مراتب الإجماع (134).
(2)
الاستذكار (7/ 110)، وقال أيضًا في الاستذكار (7/ 514):"أجمع علماء المسلمون أن المحصنين في ذلك كلهم حكمهم في ذلك حكم المحصنات قياسًا، وأن من قذف حرًا عفيفًا مسلمًا كمن قذف حرة عفيفة مسلمة، هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من علماء هذه الأمة".
(3)
سورة النور، آية (4).
(4)
المقدمات الممهدات (3/ 264).
(5)
سورة النور، آية (4).
(6)
مفاتيح الغيب (23/ 137).
(7)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 247 - 248).
(8)
تفسير القرطبي (12/ 172).
وهو دفع العار يشملهما فكان متناولًا لهم دلالة، وعليه الإجماع" (1).
وقال أبو حيان الأندلسي (745 هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (2): "فائدةُ قولِه: {مِنَ النِّسَاءِ} أنّ المحصنات تقع على الأنفس فقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (3) لو أريد به النساء خاصة، لما حدّ مَن قذف رجلًا بنص القرآن، وأجمعوا على أن حده بهذا النص"(4).
وقال ابن كثير (774 هـ): " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (5). . . هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلًا فكذلك يجلد قاذفه أيضًا، ليس في هذا نزاع بين العلماء"(6).
وقال ابن حجر (852): "وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء"(7). وقال ابن عادل (880 هـ): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (8). . . المراد بهن النساء والرجال للإجماع على أن حكمهم حكمهن" (9). وقال الشوكاني (1250 هـ): "{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (10) قد مر تفسير المحصنات وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حد القذف" (11).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: أن المقصود من حد القذف هو دفع العار
(1) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 200).
(2)
سورة النساء، آية (24).
(3)
سورة النور، آية (4).
(4)
تفسير البحر المحيط (3/ 192).
(5)
سورة النور، آية (4).
(6)
تفسير ابن كثير (6/ 13).
(7)
فتح الباري لابن حجر (12/ 181).
(8)
سورة النور، آية (4).
(9)
اللباب في علوم الكتاب (14/ 286)، باختصار يسير.
(10)
سورة النور، آية (23).
(11)
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير (4/ 26)، وقال في نيل الأوطار (6/ 337):"لا فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حد القذف عليه، ولا يعرف في ذلك خلاف بين أهل العلم".