الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم، لوجود الخلاف في المسألة عن المالكية، والأوزاعي، والحسن بن حي، وقد أشار إلى الخلاف في ذلك ابن عبد البر فقال: "قال مالك: فالأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الذي يجلد الحد، ثم تاب وأصلح، تجوز شهادته، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال أبو عمر: هذا يدل على أنه قد سمع الاختلاف في هذه المسألة" (1).
ويوجه كلام من نقل الإجماع على أنهم لم يعتبروا خلاف الأوزاعي والحسن بن حي في القول بعدم القبول مطلقًا، أما خلاف المالكية فإنه خلاف في صورة واحدة، والإجماع لعل من حكاه أراد العموم في الجملة، واللَّه تعالى أعلم.
[25/ 1] مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة
.
• المراد بالمسألة: المسلم إذا ارتكب حد من زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، أو بغي، أو حرابة، غير مستحل لذلك، فإنه لا يكفر بمجرد ارتكابه المعصية، سواء تاب منها أو لم يتب، وإنما يستثنى منه حد الردة.
ويتحصل مما سبق أن مرتكب الحد إن كان مستحلًا لما فعله، فذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال الترمذي (279 هـ): "لا نعلم أحدًا كفَّر أحدًا بالزنا، أو السرقة، وشرب الخمر"(2) ونقله عنه ابن حجر (3).
وقال أبو الحسن الأشعري (324 هـ)(4): "أجمعوا على أن المؤمن باللَّه تعالى وسائر ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من
(1) الاستذكار (7/ 105).
(2)
سنن الترمذي (5/ 16).
(3)
انظر: فتح الباري (12/ 115).
(4)
هو أبو الحسن، علي بن إسماعيل بن علي بن أبي بشر الأشعري، البصري، من ولد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال الذهبي: "لأبي الحسن ذكاء مفرط، وتبحر في العلم، وله أشياء حسنة، =
المعاصي، ولا يحبط إيمانه إلا الكفر، وأن العصاة من أهل القبلة مأمورين بسائر الشرائع، غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم" (1).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم، وإن كانوا أصحاب كبائر"(2).
وقال النووي (676 هـ): "إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك، بل هم المؤمنون ناقصوا الإيمان، إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء اللَّه تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولًا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة"(3) ونقله عنه العراقي (4)، المباركفوري (5).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم مع جميع الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب"(6).
= وتصانيف جمة تقضي له بسعة العلم"، أخذ علم الكلام عن أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة، فكان معتزليًا قرابة الأربعين سنة، ثم رجع عن الاعتزال لمذهب أهل السنة، لكنه مع ذلك غلط في أصول كثيرة، من كتبه: "الرد على المجسمة"، و"مقالات الإسلاميين"، وغيرها، ولد بالبصرة سنة (260 هـ)، وتوفي ببغداد سنة (324 هـ). انظر: تاريخ بغداد 11/ 346، سير أعلام النبلاء 15/ 85، اللباب في تهذيب الأنساب 1/ 64.
(1)
رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري (274).
(2)
الاستذكار (3/ 29)، وانظر: التمهيد (17/ 22).
(3)
شرح النووي (2/ 41).
(4)
انظر: طرح التثريب (7/ 260).
(5)
انظر: تحفة الأحوذي للمباركفوري (7/ 313 - 314).
(6)
مجموع الفتاوى (6/ 479)، وانظر: مجموع الفتاوى (4/ 307)، الاستقامة لابن تيمية (2/ 185)، منهاج السنة النبوية لابن تيمية (3/ 396).
وقال ابن أبي العز (792 هـ)(1): "أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفرًا ينقل عن الملة بالكلية"(2). وقال ابن حجر (852 هـ): "إجماع أهل السنة على أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك"(3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول قول اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} (4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن ما دون الشرك من المعاصي فإنه تحت مشيئته سبحانه، إن شاء غفر، وإن شاء عاقب، فلو كانت الكبائر كفرًا وصاحبها كافرًا ما كان أهلًا للمغفرة؛ لأنه قد تقرر أن الكفر لا يغفره اللَّه تعالى، ولا يصح حمل الآية على التائب؛ لأن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وما دونه من المعاصي (5).
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه بين أن الطائفة الباغية على الأخرى مؤمنة مع
(1) هو علي بن علي بن محمد بن أبي العز، وقيل: اسمه محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز، الحنفي، الدمشقي، فقيه، كان قاضي القضاة بدمشق، ثم بالديار المصرية، ثم بدمشق مرة أخرى، هو الذي امتحن بسبب اعتراضه على قصيدة ابن أيبك الدمشقي، من كتبه:"التنبيه على مشكلات الهداية" في الفقه، و"النور اللامع فيما يعمل به في الجامع" أي جامع بني أمية، و"شرح العقيدة الطحاوية"، ولد سنة (731 هـ)، وتوفي سنة (792 هـ). انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر 4/ 103، إنباء الغمر بأنباء العمر 3/ 50، الأعلام 4/ 313.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (301)، وانظر:(315).
(3)
فتح الباري (12/ 60).
(4)
سورة النساء، آية (48).
(5)
انظر: التمهيد (17/ 16)، مجموع الفتاوى (7/ 484).
(6)
سورة الحجرات، آية (9).
بغيها واعتدائها (1).
الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه جعل المعاصي ضروبًا، منها الكفر، ومنها الفسوق، ومنها العصيان، فعلم تغايرها وإلا لم يكن للعطف فائدة (3)، وفي ذلك يقول محمد بن نصر المروزي:"لما كانت المعاصي بعضها كفرًا وبعضها ليس بكفر، فرق بينهما، فجعلها ثلاثة أنواع: نوع منها كفر، ونوع فسق وليس بكفر، ونوع عصيان وليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان وليس شيء منها خارجًا منه لم يفرق بينهما فيقول: حبب الإيمان والفرائض وسائر الطاعات، بل أجمل ذلك فقال: حبب إليكم الإيمان"(4).
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه أمر من يرمي زوجته بالزنا باللعان، مما يدل على أن الرمي والزنا ليس كفرًا، إذ لو كان كفرًا لبانت منه عند رميه؛ لأنه إما أن تكون زانية أو بريئة، فإن كانت زانية كفرت، وتبين منه، وإن كانت بريئة كفر هو
(1) مجموع الفتاوى (3/ 151)، وانظر:(7/ 483).
(2)
سورة الحجرات، آية (7).
(3)
انظر: الإيمان الكبير لابن تيمية (2/ 46).
(4)
تعظيم قدر الصلاة للمروزي (1/ 362).
(5)
سورة النور، آية (6 - 9).
برميها وبانت منه لكفره (1).
الدليل الخامس: قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى خاطب المؤمنين في الآية وبين سبحانه أن القاتل عمدًا، وولي المقتول أخوان، والأخوة ليست إلا لمن معه إيمان، كما قال سبحانه:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3)(4).
الدليل السادس: إيجاب حد القطع على السارق في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (5).
وكذا حد الجلد في الزاني غير المحصن، كما في قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} (6).
وحد القذف على القاذف في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (7).
• وجه الدلالة: أن كل واحد من السارق، والزاني، والقاذف قد أتى بكبيرة، ولو كانت السرقة، أو الزنا، أو القذف كفرًا، لأمَر تعالى بقتل أصحابها ردة، ولم يكتف فيه بالجلد أو القطع (8).
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3/ 134).
(2)
سورة البقرة، آية (178).
(3)
سورة الحجرات، آية (10).
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (3/ 151)، لوامع الأنوار للسفاريني (1/ 368).
(5)
سورة المائدة، آية (38).
(6)
سورة النور، آية (2).
(7)
سورة النور، آية (4).
(8)
انظر: التمهيد (17/ 19)، مجموع الفتاوى (4/ 307)(7/ 482).
الدليل السابع: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا باللَّه شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على اللَّه، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره اللَّه عليه فأمره إلى اللَّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه) متفق عليه (1).
• وجه الدلالة: بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من أصاب معصية وستره اللَّه فأمره إليه، وهو تحت المشيئة، فقد يعفو اللَّه عنه، وقد يعاقبه عليه، وقد تقرر أنه سبحانه لا يعفو عن الكفر (2).
الدليل الثامن: عن عمر بن الخطاب أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد اللَّه (3)، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله)(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن شارب الخمر، مع أنه قد أُتي به في ذلك أكثر من مرة، وهو يدل على أن شربه للخمر لا يُخرجه عن دائرة الإسلام.
الدليل التاسع: أحاديث الشفاعة وهي من الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال: بخطاياهم - فأماتهم إماتة، حتى إذا
(1) أخرجه البخاري رقم (18)، ومسلم رقم (1709).
(2)
التمهيد (17/ 26).
(3)
لم يذكر أهل السير والتراجم له ترجمة إلا أن اسمه عبد اللَّه، ولقبه حمار.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6398).
كانوا فحمًا أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر (1)، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) (2).
• وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن اللَّه تعالى يخرج من النار قومًا قد استوجبوا النار بذنوبهم، لكنهم لا يُخلدون فيها، وهو يدل على أن الكبائر لا توجب تكفير صاحبها والحكم عليه بالخلود في النار.
الدليل العاشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) متفق عليه (3).
• وجه الدلالة: دل الحديث على أن السارق منفي عنه كمال الإيمان، فهو فاسق بكبيرته مؤمن بإيمانه.
قال ابن عبد البر في تعليقه على الحديث: "يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك، بدليل الإجماع على توريث الزاني، والسارق، وشارب الخمر، إذا صلوا للقبلة"(4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم (5).
(1) الضَّبائر - بفتح الضاد وكسرها -: أي جماعات، وهو جمع، ومفرده ضباره. انظر: تهذيب اللغة (12/ 23)، غريب الحديث لابن سلام (1/ 72)، المعجم الوسيط (1/ 533).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (185).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2343)، ومسلم رقم (57).
(4)
التمهيد (9/ 243).
(5)
وإنما خالف في ذلك الوعيدية من الخوارج، القائلين بكفر مرتكب الكبيرة، والمعتزلة، القائلين بأنه منزلة بين المنزلتين، وفي الآخرة هو في النار، وحقيقة هذا القول يؤول إلى قول الخوارج، واللَّه تعالى أعلم. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 37)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 45).
لكن ينبَّه هنا إلى مسألة قد يُظن أنها مخالفة للإجماع في المسألة، وهي أن الحسن البصري وقتادة (1) ذكرا أن مرتكب الكبيرة يسمى منافقًا، وقد ظن بعض من نقل هذا عنهما كابن حزم وغيره أنهما خرجا عن قول أهل السنة والجماعة، وأن الحسن يرى أن مرتكب الكبيرة خارج عن الإسلام (2)، وقد تعقَّب ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وبيَّن أن الحسن لم يخرج عن قول أهل السنة، وذلك حين تكلَّم على مسألة أن الإنسان قد يجتمع فيه إيمان ونفاق قال:"ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعًا واحدًا، بل فيهم المنافق المحض، وفيهم من فيه إيمان ونفاق، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق. . . . ومن هذا الباب ما يروى عن الحسن البصري ونحوه من السلف أنهم سموا الفساق منافقين، فجعل أهل المقالات هذا قولًا مخالفًا للجمهور، إذا حكوا تنازع الناس في الفاسق الملي، هل هو كافر؟ أو فاسق ليس معه إيمان؟ أو مؤمن كامل الإيمان؟ أو مؤمن بما معه من الإيمان فاسق بما معه من الفسق؟ أو منافق؟ والحسن رحمه الله لم يقل ما خرج به عن الجماعة"(3).
وبيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحسن البصري أراد بالنفاق هنا: النفاق
(1) هو أبو الخطاب، قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن سدوس ابن وائل السدوسى، تابعي بصري، ولد أعمى، سمع من أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن سرجس، وأبي الطفيل، وابن المسيب، وجماعة، قال قتادة:"كنتُ عند ابن المسيب ثلاثة أيام، فقال: ارتحل عني فقد انزفتني"، قال النووي:"أجمعوا على جلالته، وتوثيقه، وحفظه، وإتقانه، وفضله"، مات سنة (117 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 5/ 296، التاريخ الكبير للبخاري 7/ 185، جامع التحصيل في أحكام المراسيل لأبي سعيد العلائي 255.
(2)
انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 128)(3/ 273 - 275).
(3)
مجموع الفتاوى (7/ 523 - 524).