الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
المبحث الأول: تعريف التعزير
• أولًا: تعريف التعزير في اللغة: التعزير في اللغة مصدر عَزرَهُ يَعْزِره عَزْرًا أو تعزيرًا، وهو في اللغة يُطلق على معنيين، كما قال ابن فارس:"العين والزاء والراء كلمتان: إحداهما: التَّعظيم والنَّصر. والكلمة الأخرى جنسٌ من الضَّرب"(1).
وبهذا يظهر أن التعزير في اللغة من أسماء الأضداد حيث يُطلق على النصرة، والإعانة، والتقوية، والتعظيم، ويطلق على الضرب والتأديب، وهما متضادان.
فأما إطلاقه على النصرة، فمنه قوله تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2).
وأما إطلاقه على الضرب والتأديب، فمنه قولهم: أعزر اللَّه به، أي خسف به (4).
وذكر بعض أهل اللغة أن معان التعزير ترجع إلى معنى واحد، وهو الرَّد والمنع، كما قال الجرجاني:"أصله من العَزْر وهو المنع"(5)، فأما النصرة فلأن من نصرته فقد ردَدْت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه، وأما التأديب فلأنها تمنعه
(1) مقاييس اللغة (4/ 311)، وانظر: الصحاح (3/ 308).
(2)
سورة الأعراف، آية (157).
(3)
سورة المائدة، آية (12).
(4)
انظر: العين (1/ 352)، لسان العرب مادة (عزر)(4/ 561).
(5)
التعريفات (85).
من الوقوع في المعصية مرة أخرى (1).
• ثانيًا: تعريف التعزير في الشرع: التعزير في الاصطلاح الشرعي يُطلق على: التأديب غير المقدَّر شرعًا في معصية لا حد فيها ولا كفارة.
وهذا التعريف متفق عليه بين الفقهاء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد أجمع العلماء على أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة"(2).
وهذا يشمل المعصية التي هي فعل محظور كمباشرة المرأة الأجنبية فيما دون الفرج، والشتم بغير القذف، وشهادة الزور، ونحو ذلك، ويشمل المعصية التي هي ترك المأمور، كترك الصلاة تكاسلًا، ومنع الزكاة بُخلًا، وعقوق الوالدين، ونحو ذلك.
والذي يظهر -واللَّه أعلم- أن هذا التعريف يرد عليه إيرادات، منها أن التعزيرات قد تدخل على ما يجب فيه الحد، ومن ذلك أن جلد شارب الخمر ثمانون جلدة، وهي عند جماعة من أهل العلم أربعون منها من باب الحد، وما زاد فهو من باب التعزير، وهو يدل على أن التعزيرات تدخل في الحدود.
وكذا يُقال فيما فيه الكفارة، فإن ابن حزم وجماعة لا يُقيَّدون التعزير بما لا كفارة فيه (3).
ومما سبق يمكن أن يقال في التعريف الاصطلاحي المختار للتعزير:
هو عقوبة غير مقدَّرة شرعًا تجب في معصية اللَّه تعالى.
(1) انظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (253)، لسان العرب مادة (عزر)(4/ 561)، المطلع على أبواب الفقه (374)، أنيس الفقهاء (174).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (30/ 39)، وانظر: تبيين الحقائق (3/ 207)، البحر الرائق (5/ 46)، تبصرة الحكام (2/ 289)، أنوار البروق في أنواع الفروق (4/ 209)، المغني (9/ 148)، الإنصاف (10/ 239)، أسنى المطالب (4/ 161)، مغني المحتاج (5/ 522)، المحلى (12/ 378).
(3)
انظر: المحلى (12/ 378).
• الموافقة بين المعنى اللغوي والشرعي: يتبيَّن مما سبق أن المعنى الشرعي موافق للمعنى اللغوي مع بعض القيود، فيتفقان في معنى التأديب، وخص الشرع التأديب بما لا حد فيه ولا كفارة (1).
(1) ومما يُنبه عليه في هذا المقام ما ذكره بعض أهل اللغة أن التعزير يُطلق على "الضرب الذي لا يبلغ به عدد الحد"، إلا أنهم لا يريدون بذلك أن التعزير يطلق في اللغة على هذا المعنى، وإنما هو معنى شرعي، مأخوذ من المعنى اللغوي الذي بمعنى التأديب؛ فإنه لم يكن ثمة حدود مقدَّرة في الجاهلية، وإنما جاء التحديد في الإسلام.
وقد نبَّه على هذا الزبيدي في "تاج العروس" مادة (عزر)(13/ 21).