الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقصد الإجماع (1)، وابن قدامة لم يجزم بنفي الخلاف، والمرداوي أراد نفي النزاع في المذهب، واللَّه تعالى أعلم.
[144/ 2] لا يجمع بين الجلد والرجم على الزاني المحصن
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، ذكرًا كان أو أنثى، وكان الزاني محصنًا، فإن الواجب عليه الرجم، ولا يُجلد قبل الرجم.
ويتبيَّن مما سبق أن المراد في المسألة الزاني المحصن، أما إن زنى وهو بكر، ثم زنى أخرى وهو محصن، فمسألة أخرى غير مرادة.
• من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "فقهاء الأمصار متفقون على أن المحصن يرجم ولا يجلد"(2). قال ابن بطال (449 هـ): "رجم الثيب بلا جلد وعلى هذا فقهاء الأمصار"(3).
وقال علاء الدين السمرقندي (539 هـ): "ولا يجمع بين الجلد والرجم بالاتفاق"(4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "أما جلد علي رضي الله عنه شراحة ثم رجمها؛ فإما لأنه لم يثبت عنده إحصانها إلا بعد جلدها، أو هو رأي لا يقاوم إجماع الصحابة رضي الله عنهم"(5). وقال الزيلعي (743 هـ): "لا يجمع بين الجلد والرجم على المحصن بالإجماع"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (7)، والحنابلة (8).
(1) وقد قرر ذلك حيث قال: "وليعلم القارئ لكلامنا أن بين قولنا: "لم يجمعوا" وبين قولنا: "لم يتفقوا" فرقًا عظيمًا"، مراتب الإجماع (274).
(2)
أحكام القرآن (3/ 380).
(3)
شرح صحيح البخاري (8/ 440).
(4)
تحفة الفقهاء (3/ 140)
(5)
فتح القدير (5/ 241).
(6)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 174).
(7)
انظر: إعانة الطالبين (4/ 147)، تحفة المحتاج (9/ 108)، مغني المحتاج (5/ 446).
(8)
انظر: المغني (9/ 40)، الإنصاف (10/ 170)، الفروع (6/ 67).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي زنت مع الأجير: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم المرأة إذا اعترفت ولم يذكر الجلد، ولم يُنقل أنه صلى الله عليه وسلم جلدها قبل الرجم (2).
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية (3)، ولم يُنقل أنه جلدهما قبل الرجم، قال ابن حجر:"قصة ماعز جاءت من طرق متنوعة بأسانيد مختلفة، لم يذكر في شيء منها أنه جلد، وكذلك الغامدية، والجهنية، وغيرهما، وقال في ماعز: (اذهبوا فارجموه) وكذا في حق غيره، ولم يذكر الجلد، فدل ترك ذكره على عدم وقوعه، ودل عدم وقوعه على عدم وجوبه"(4).
الدليل الثالث: أنه المروي عن الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، من القول والفعل، فمن الفعل أن أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما فرجما ولم يجلدا (5).
وأما من القول فمن ذلك:
أ - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه
(1) أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(2)
انظر: فتح القدير (5/ 241)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 138)، المغني (9/ 40).
(3)
البخاري (رقم 2502)، ومسلم رقم (1695).
(4)
فتح الباري (12/ 120).
(5)
ذكر هذه الآثار عنهم ابن حزم في "المحلى"(12/ 173).
حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (1).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه ذكر أن الفريضة التي أنزلها تعالى في المحصن هي الرجم، ولم يذكر الجلد، وهو يدل على أن حد الزاني المحصن الرجم دون الجلد (2).
ب - قول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كانت حدود فيها قتل إلا أحاط القتل بذلك كله"(3).
الدليل الرابع: أن المقصود من الجلد هو الردع والانزجار، وهذا حاصل بالقتل (4).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المحصن الذي وجب عليه حد الزنا فإنه يُجلد ثم يُرجم.
وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي بن كعب، وأبو ذر رضي الله عنهم، وبه قال الحسن بن حي، وإسحاق، وداود، وابن المنذر (5)، وهو قول الظاهرية (6)، ورواية عند الحنابلة (7).
القول الثاني: وهو أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخًا ثيبًا، فإن
(1) أخرجه البخاري رقم (6441)، ومسلم رقم (1691).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (3/ 380).
(3)
انظر: المغني (9/ 40)، وقد سبق ذكر الأثر.
(4)
فتح القدير (5/ 241).
(5)
انظر: المغني (9/ 40)، المحلى (12/ 174)، أضواء البيان (5/ 393).
(6)
انظر: المحلى (12/ 174).
(7)
انظر: المغني (9/ 40)، الإنصاف (10/ 170).
كان شابًا ثيبًا اقتصر على الرجم.
وهو قول طائفة من أهل الحديث (1).
• أدلة المخالفين:
أما من قال بالجمع بين الجلد والرجم فاستدل بما يلي:
الدليل الأول: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه (2)، قال: فأُنزل عليه ذات يوم، فلقي كذلك، فلما سُري عنه قال:(خذوا عني فقد جعل اللَّه لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة)(3).
• وجه الدلالة: الحديث صريح أن حد الثيب هو الجمع بين الجلد والرجم.
الدليل الثاني: أن عليًا رضي الله عنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال:"جلدتها بكتاب اللَّه، ورجمتها بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"(4).
الدليل الثالث: أن في الرجم والجلد إعمالًا للأدلة، فالجلد ثابت بكتاب اللَّه، والرجم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فوجب الجمع بينهما عملًا بدلالة الكتاب والسنة معًا (5).
الدليل الرابع: أن اللَّه تعالى شرع في كل من المحصن والثيب عقوبتان: أما عقوبتا الثيب فهما الجلد والرجم، وأما عقوبتا البكر فهما الجلد والتغريب (6).
وأما من قال بالتفريق بين الشيخ وغيره فاستدل بالآية المنسوخة في قوله تعالى: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)(7).
(1) انظر: أضواء البيان (5/ 394).
(2)
أي تغيَّر لون وجهه، وصار كلون الرماد. انظر: مقاييس اللغة (2/ 425)، تاج العروس (8/ 83)، غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 373).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1690).
(4)
انظر: المغني (9/ 40)، المحلى (12/ 174).
(5)
انظر: أضواء البيان (5/ 395).
(6)
انظر: أضواء البيان (5/ 395).
(7)
انظر: تفسير القرطبي (5/ 89).