الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فألقى اللَّه الإيمان في قلوبهم، فأنزل اللَّه تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1)، قال:"قد فعلت"، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (2)، قال:"قد فعلت"، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (3)، قال:"قد فعلت"(4).
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن اللَّه تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)(5).
• وجه الدلالة مما سبق: أن من تلفظ بالقذف وهو لا يدري معناه، فهو داخل في جملة الخطأ المعفو عنه.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم
[194/ 3] يشترط لعدم إقامة الحد على نفي العبد عن أبيه وأمه ألا يكون أبواه حرين مسلمين
.
• المراد بالمسألة: إذا قذف شخص عبدًا بنفي النسب، وكان أبواه قد ماتا وهما محصنين، فهنا لا يسقط الحد عن القاذف.
فما سبق من أنه لا حد على من قذف عبدًا ليس على إطلاقه، فإنه يشترط لسقوط الحد على قاذف العبد بنفي النسب ألا يكون أبوي العبد محصنين، فإن كانا كذلك لم يسقط الحد، ووجب الحد لهما.
ويتبين مما سبق أمران: الأول: أن المسألة خاصة بالقذف بنفي النسب
(1) سورة البقرة، آية (286).
(2)
سورة البقرة، آية (286).
(3)
سورة البقرة، آية (286).
(4)
أخرجه مسلم رقم (126).
(5)
أخرجه ابن ماجه رقم (2045).
نحو "لست لأبيك"، أو "يا ابن الزانية"، أو يا ولد الزاني، ونحو ذلك، أما إن قذفه بغير نفي النسب، بأن قال له يا زان، فهذا غير داخل في المسألة.
الثاني: أنه إن كان أحد أبويه مسلمًا والآخر كافرًا، أو أحدهما حر والآخر أمة فذلك غير مراد.
الثالث: أن المسألة هي فيما إذا كان الأبوان ميتين، أما إن كانا أحياء فمسألة أخرى.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "لا خلاف بين السلف والخلف من العلماء فيمن نفى رجلًا عن أبيه وكانت أمه حرة مسلمة عفيفة أن عليه الحد ثمانين جلدة إن كان حرًا"(1).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أما القذف الذي يجب به الحد فاتفقوا على وجهين: أحدهما: أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا، والثاني: أن ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة"(2).
وقال الدسوقي (1230 هـ): " (لا حد على قاذف عبد) أي بزنا أو بنفي نسبه، إلا أن يكون أبواه حرين مسلمين، فيحد لهما اتفاقًا"(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (4) والشافعية (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: أن من نفى نسب العبد إلى أمه أو أبيه فهو في الحقيقة قاذف للأم أو الأب، فإذا كانا محصنين بالحرية والإسلام فكأنه قذف شخصًا محصنًا، ووجب عليه حد القذف (6).
(1) الاستذكار (7/ 520).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 224).
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 325).
(4)
انظر: المبسوط (9/ 122)، فتح القدير (5/ 320).
(5)
انظر: مختصر المزني (8/ 369)، الحاوي في فقه الشافعي (13/ 259).
(6)
انظر: حاشية الدسوقي (4/ 325)، المغني (9/ 87).
الدليل الثاني: أن العبرة هي بإحصان المقذوف، والمقذوف هنا محصن، فوجب الحد (1).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن قاذف العبد بنفي نسبه لا حد عليه ولو كان أبواه محصنين. وهو قول الحنابلة (2).
• دليل المخالف: الدليل الأول: أن القاذف لو قذف العبد نفسه لم يكن للعبد أن يطالب بالحد، فمن باب أولى ألا يطالب بالحد لغيره.
الدليل الثاني: أن القاذف أراد قذف العبد، فالعبرة بإحصانه دون إحصان والديه (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة، وكذا سبق أن ابن حزم في الأصل لا يرى الحد على نفي النسب (4).
فلعل من حكى الإجماع أو الاتفاق في المسألة إما أنه أراد الاتفاق المذهبي وهو الظاهر في كلام الدسوقي، أو أنه وهِم في ذلك وهو الظاهر من كلام ابن عبد البر وابن رشد، واللَّه تعالى أعلم.
(1) انظر: المبسوط (9/ 112).
(2)
انظر: المغني (9/ 87)، الشرح الكبير (10/ 230)، الإنصاف (10/ 221).
(3)
انظر: المغني (9/ 87)، الشرح الكبير (10/ 230).
(4)
انظر: المسألة رقم 156 بعنوان: "من نفى رجلًا عن أبيه وكانت أمه حرة مسلمة عفيفة فعليه الحد".