الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو قول الحنابلة (1)، والظاهرية (2).
• دليل المخالف: استدل من أوجب الحد على من قذف من ليس معه آلة الزنا بعموم قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (3).
• وجه الدلالة: عموم الآية تدل على وجوب الحد على من قذف المحصنة، والإحصان في اللغة هو بمعنى المنع، فكل من منعت نفسها من الحرام فتشملها هذه الآية (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنابلة، والظاهرية.
ونقل ابن رشد للاتفاق في المسألة لعلَّه وهْم، واللَّه تعالى أعلم.
[186/ 3] لا حد على قاذف العبد، ولا على قاذف الأمة
.
• المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، فإن من شرط إقامة حد القذف على القاذف أن يكون المقذوف حرًا، فأما إن قذف مملوكًا فإنه لا حد عليه في الدنيا، سواء قذف مملوكه، أو مملوك غيره، وسواء كان المملوك مُسلمًا أو كافرًا، ذكرًا أو أنثى.
ويتبيَّن أن المراد نفي الحد عنه في الدنيا، أما إقامة الحد عليه يوم القيامة فغير مراد.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه إذا افترى أحد على عبد فلا حد عليه"(5). وقال المهلب بن أبي صفرة (435 هـ): "أجمعوا
(1) انظر: كشاف القناع (6/ 101)، دقائق أولى النهى (3/ 352)، مطالب أولي النهي (6/ 194).
(2)
انظر: المحلى (12/ 234).
(3)
سورة النور، آية (4).
(4)
انظر: المحلى (12/ 234).
(5)
الإجماع (113).
على أن الحُر إذا قذف عبدًا لم يجب عليه الحد"، نقله عنه ابن حجر (1).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "إجماعهم أنه ليس على من قذف ذمية أو مملوكة حد"(2). وقال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن من قذف عبدًا فإنه لا حد عليه سواء كان المقذوف للقاذف أو لغيره"(3).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف وهي: البلوغ، والحرية، والعفاف، والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف، لم يجب الحد"(4) ونقله عنه ابن قاسم (5).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وشرائط الإحصان الذي يجب الحد بقذف صاحبه، خمسة: العقل، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنا، وأن يكون كبيرًا يجامع مثله. وبه يقول جماعة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود، أنه أوجب الحد على قاذف العبد"(6).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "والمحصن من وجدت فيه خمس شرائط: أن يكون حرًا، مسلمًا، عاقلًا، بالغًا، عفيفًا، وهذا إجماع وبه يقول جملة العلماء قديمًا وحديثًا، سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد"(7). وقال ابن القطان (628 هـ): "ولم يختلفوا أن من قذف مملوكة أو كافرة أنه لا يُحد للقذف"(8).
وقال القرطبي (671 هـ): "وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا
(1) فتح الباري (12/ 185).
(2)
الاستذكار (6/ 106)، وقال أيضًا (7/ 520):"ولم يختلفوا أن من قذف مملوكةً مسلمة أو كافرة أنه لا حد عليه للقذف".
(3)
الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 197).
(4)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 362).
(5)
حاشية الروض المربع (7/ 333).
(6)
المغني (9/ 76).
(7)
العدة شرح العمدة (599).
(8)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 248).
افترى عليه، لتباين مرتبتهما" (1). وقال النووي (676 هـ):"لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه"(2).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والمحصن هو الحر، المسلم، العاقل، العفيف، الذي يجامع مثله. . . فهذه الخمسة شروط الإحصان وبه يقول جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا سوى ما روي عن داود أنه أوجب الحد على قاذف العبد"(3). وقال العيني (855 هـ): " (أن يكون المقذوف حرًا، عاقلًا، بالغًا، مسلمًا، عفيفا عن فعل الزنا) هذا باتفاق العلماء"(4).
وقال ابن الهمام (861 هـ): " (قوله: ومن قذف عبدًا أو أمة أو أم ولد أو كافرًا بالزنا عزر) بالإجماع"(5). وقال الصنعاني (1182 هـ): "إذا قذف غير مالكه فإنه أيضًا أجمع العلماء على أنه لا يحد قاذفه"(6).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (من قذف مملوكه، وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال) متفق عليه (7).
• وجه الدلالة: دل الحديث بمفهومه أن من قذف مملوكه فلا حد عليه في الدنيا، وكذا يُلحق به كل عبد (8).
الدليل الثاني: أن فعل الزنا أغلظ من القذف، فإذا كان نقص الرق يمنع
(1) تفسير القرطبي (12/ 174).
(2)
شرح النووي (11/ 132).
(3)
الشرح الكبير على متن المقنع (10/ 211).
(4)
البناية شرح الهداية (6/ 364)، وقال أيضًا في نفس الموضع:"وعليه أجمع الفقهاء".
(5)
فتح القدير (5/ 346).
(6)
سبل السلام (2/ 426).
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6466)، ومسلم بنحوه رقم (1660).
(8)
فتح الباري (12/ 185).
كمال الحد، فمن باب أولى أن يمنع وجوب الحد على قاذفه (1).
الدليل الثالث: أن الحر لا تؤخذ نفسه بنفس العبد، فكذا لا يؤخذ عرضه بعرضه.
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الحرية ليست شرطًا في الإحصان، فمن قذف العبد وجب عليه الحد. وبه قال الظاهرية (2).
• دليل المخالف: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (3).
• وجه الدلالة: عموم الآية يدل على وجوب الحد على كل من رمى المحصن، ولا يوجد دليل يُخرج العبد عن كونه من المحصنين (4).
الدليل الثاني: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} (5).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بيَّن استواء المسلمين، وأنه ليس بينهم فرق بالرق والحرية، وإنما يتفاضل الناس بأخلاقهم وأديانهم، لا بأعراقهم، ولا بأبدانهم (6).
الدليل الثالث: عموم الأحاديث الدالة على تحريم عرض المسلم، ومن ذلك:
أ - عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) متفق عليه (7).
ب - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل المسلم على المسلم حرام:
(1) انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي (3/ 346)، الحاوي في فقه الشافعي (13/ 255).
(2)
المحلى (12/ 232).
(3)
سورة النور، آية (4).
(4)
انظر: المحلى (12/ 232).
(5)
سورة الحجرات، آية (13).
(6)
انظر: المحلى (12/ 232).
(7)
صحيح البخاري رقم (67)، صحيح مسلم رقم (1679).