الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال:(لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان)(1).
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد (2).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض الفقهاء.
ومن نقل الإجماع فيه ذلك لعله لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[250/ 4] حد شارب الخمر ثمانون جلدة إن كان حرًا
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت حد الشرب على شخص، فإن مقدار جلده إن كان حرًا ثمانون جلدة.
• من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "فثبت بهذا كله أن التوقيف في حد الخمر على ثمانين إنما كان في زمن عمر وانعقاد إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك"(3). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "انعقد إجماع الصحابة رضوان اللَّه عليهم في زمن عمر رضي الله عنه على الثمانين في حد الخمر، ولا مخالف لهم منهم، وعلى ذلك جماعة التابعين، وجمهور فقهاء المسلمين، والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بالجمهور"(4). وقال الباجي (474 هـ): "وقع الاجتهاد في ذلك في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يوجد عند أحد منهم نص على تحديد. . . ثم أجمعوا واتفقوا أن الحد ثمانون، وحكم بذلك على ملأ منهم، ولم يعلم لأحد فيه مخالفة فثبت أنه إجماع"(5).
(1) أخرجه البخاري رقم (6395).
(2)
انظر: المحلى (12/ 356).
(3)
شرح صحيح البخاري (8/ 396).
(4)
الاستذكار (8/ 12).
(5)
المنتقى شرح الموطأ (3/ 144).
وقال السرخسي (483 هـ): "فلما كان زمان عمر رضي الله عنه جعل ذلك ثمانين سوطًا، والخبر وإن كان من أخبار الآحاد فهو مشهور، وقد تأكد باتفاق الصحابة رضي الله عنهم"(1). وقال الكاساني (587 هـ): "حد شرب الخمر وحد السكر مقدر بثمانين جلدة في الأحرار؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(2).
وقال المرغيناني (593 هـ): "وحدُّ الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطًا؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "في قدر الحد وفيه روايتان، إحداهما: أنه ثمانون، وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ومن تبعهم؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(4).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "حدُّه ثمانون؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(5). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وحدُّه ثمانون في إحدى الروايتين، وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ومن تبعهم؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(6).
وقال ابن مودود الموصلي (683 هـ): "وعدده ثمانون سوطًا في الحر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(7). وقال الزيلعي (743 هـ): "حد السكر والخمر ولو شرِب قطرة ثمانون سوطًا. . . وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم"(8).
وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "الحد ثمانون جلدة؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(9). وقال ابن نجيم (907 هـ): "وحد السكر والخمر ولو شرِب قطرة ثمانون سوطًا؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(10).
(1) المبسوط (24/ 30).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 113).
(3)
الهداية شرح البداية (2/ 111).
(4)
المغني (9/ 137).
(5)
العدة شرح العمدة (548).
(6)
الشرح الكبير (10/ 331).
(7)
الاختيار لتعليل المختار (4/ 103).
(8)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 198).
(9)
المبدع (9/ 103)، باختصار يسير.
(10)
البحر الرائق (5/ 31).
وقال البهوتي (1051 هـ): "وإذا شربه -أي المسكر- فعليه الحد ثمانون جلدة؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(1). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "وإذا شربه -أي المسكر- فعليه الحد ثمانون جلدة مع الحرية؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(2).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس، فقال عبد الرحمن رضي الله عنه: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر رضي الله عنه"(3).
الدليل الثاني: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى"(4).
(1) كشاف القناع (6/ 117)، باختصار يسير.
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 341)، باختصار يسير.
(3)
أخرجه مسلم رقم (1706).
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ"(5/ 1234)، وعبد الرزاق في "المصنف"(7/ 378)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 458).
وأخرجه بنحوه النسائي فى "السنن الكبرى"، كتاب: الحدود في الخمر، باب: حد الخمر، رقم (5288)، والدارقطني في "السنن"(3/ 157)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 417)، والبيهقي في "السنن الصغرى"(3/ 342)، وفي "السنن الكبرى"(8/ 320).
والحديث ضعَّفه ابن حزم فقال: "روي عن علي، وعبد الرحمن بحضرة الصحابة، إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وإذا افترى جُلد ثمانين.
قال أبو محمد: وهذا خبر مكذوب قد نزه اللَّه تعالى عليًا، وعبد الرحمن عنه؛ لأنه لا يصح إسناده، ثم عظيم ما فيه من المناقضة، لأن فيه إيجاب الحد على من هذى، والهاذي لا حد عليه".
وأشار الطحاوي إلى ضعف حديث علي رضي الله عنه، فى "شرح معاني الآثار"(3/ 154).
لكن ذهب أهل التحقيق إلى صحة الحديث عن عبد الرحمن بن عوف وهو مخرَّج في صحيح مسلم، وكذا ذهب المحقَّقون إلى صحة حديث علي رضي الله عنه، قال الحاكم في المستدرك (4/ 417):"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في تعليقه:"صحيح"، وصححه البيهقي في =
• وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن عمر رضي الله عنه استشار الصحابة رضي الله عنهم في جلد شارب الخمر بعد أن كان يجلد أربعين، فاشار عليه عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما بثمانين جلدة، وفعله عمر رضي الله عنه بمحضر الصحابة رضي الله عنهم فكان منهم كالاتفاق عليه (1).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الواجب في حد الخمر هو أربعون جلدة، وهو قول الشافعية (2)، ورواية عند الحنابلة (3) وبه قال الظاهرية (4).
القول الثاني: أن جلد شارب الخمر ليس له عدد معيَّن، مع خلافهم في
= "معرفة السنن والآثار"(6/ 460).
وممن صححه البخاري، وابن حجر، وغيرهم، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 75): "وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة لمخالفتها الآثار المذكورة، ولأن راويها عبد اللَّه بن فيروز المعروف بالداناج بنون وجيم ضعيف.
وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن، وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه، وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول، وقال بن عبد البر:"أنه أثبت شيء في هذا الباب"، قال البيهقي:"وصحة الحديث انما تعرف بثقة رجاله وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم"، وتضعيفه الداناج لا يقبل؛ لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرًا، ومخالفة الراوي غبره في بعض ألفاظ الحديث لا تقنضي تضعيفه، ولا سيما مع ظهور الجمع، قلت: وثَّق الداناج المذكور أبو زرعة والنسائي".
(1)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 144)، المغني (9/ 137).
(2)
انظر: أسنى المطالب (4/ 160)، تحفة المحتاج (9/ 171).
(3)
انظر: المغني (9/ 137)، الفروع (6/ 101).
وإنما وقع الخلاف في الزيادة على الأربعين، فذهب الشافعية، والحنابلة في رواية، والظاهرية إلى أن الجلد أربعون جلدة، وذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه ثمانون جلدة. انظر بالإضافة للمصادر السابقة: أسنى المطالب (4/ 160)، تحفة المحتاج (9/ 171)، المحلى (12/ 367).
(4)
انظر: المحلى (12/ 367).
موجب الجلد في شرب الخمر، على قولين: فقيل: أن جلد شارب الخمر ليس من باب الحد، وإنما هو من باب التعازير. وقيل: أن جلد شارب الخمر من باب الحد، لكن جلده ليس له عدد معيَّن (1).
• دليل المخالف: أما الذين حدُّوا الجلد بأربعين، فاستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: عن حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي بالوليد رضي الله عنه قد صلّى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان:"إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي رضي الله عنه: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن رضي الله عنه:"ولِّ حارَّها من تولى قارَّها"، -فكأنه وجد عليه-، فقال يا عبد اللَّه بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعليٌّ رضي الله عنه يعُدّ، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال:"جلد النبي رضي الله عنه أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحبُّ إلي"(2).
الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس، فقال عبد الرحمن رضي الله عنه أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر رضي الله عنه" (3).
• وجه الدلالة: الأحاديث صريحة أن جلد شارب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان أربعين جلدة، وكذا فعله أبو بكر رضي الله عنه، وإنما زاده عمر رضي الله عنه حين زاد الناس في شرب الخمر، فتكون زيادة عمر رضي الله عنه من باب التعزير (4).
(1) انظر: المحلى (12/ 356)، سبل السلام (2/ 444).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1707).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1706).
(4)
انظر: المغني (9/ 137)، المحلى (12/ 367).
وأما الذين قالوا بأنه ليس لشارب الخمر حدٌّ معيَّن فاستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسنَّه" متفق عليه (1).
وفي رواية للبيهقي بلفظ: "ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئًا؛ الحقُّ قَتَله"(2).
• وجه الدلالة: الحديث صريح في أن من جلد صاحب الخمر ثم مات من الجلد أن الجلاد يضمن التلف، وهو يدل على أن هذا الجلد غير مأذون به شرعًا.
الدليل الثاني: عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من كان بالبيت أن يضربوه، قال فكنت أنا فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد"(3).
الدليل الثالث: عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإمرة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر رضي الله عنه، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين"(4).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال:(اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال: (لا تقولوا
(1) أخرجه البخاري رقم (6396)، ومسلم رقم (1707).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 123).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2191).
(4)
أخرجه البخاري رقم (6397).