الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين ضرورة كالخمر كفر بلا خلاف" (1). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "ومن زعم أن الخمر حلال فهو كافر بلا نزاع بين العلماء" (2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الشافعية (3).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع في المسألة إلى الأدلة السابقة في تحريم الخمر، ونقل الإجماع على ذلك، فمن استحل الخمر فقد استحل ما حرمه نص الكتاب والسنة وأجمع أهل العلم على تحريمه، قال ابن حجر:"قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام. . . ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر"(4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[222/ 4] الخمر نجس
• المراد بالمسألة: الخمر الذي أجمع أهل العلم على تحريمه نجس يجب اجتنابه، وإزالته.
ومما سبق يظهر أن ما وقع الخلاف فيه هل هو خمرٌ يحرم شربه أو لا، فليس مرادًا في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال الماوردي (450 هـ): "فأما الخمر فنجس بالاستحالة، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم"(5).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين في كل عصر وبكل مصر فيما بلغنا وصح عندنا أن عصير العنب إذا رمى بالزبد وهدأ وأسكر الكثير منه أو القليل أنه خمر، وأنه ما دام على حاله تلك حرام، كالميتة،
(1) عمدة القاري (1/ 204).
(2)
أضواء البيان (1/ 521).
(3)
انظر: نهاية المحتاج (8/ 11)، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (5/ 158).
(4)
فتح الباري (10/ 66).
(5)
الحاوي الكبير (2/ 259).
والدم، ولحم الخنزير، رجس نجس، كالبول، إلا ما رُوي عن ربيعة في نقط من الخمر شيء لم أر لذكره وجهًا" (1).
وقال ابن العربي (543 هـ) بعد أن ذكر القول بنجاسة الخمر: "ولا خلاف في ذلك بين الناس، إلا ما يؤثر عن ربيعة أنه قال: إنها محرمة، وهي طاهرة"(2). وقال القاضي عياض (544 هـ): "كافة السلف والخلف على نجاسة الخمر، والدليل على نجاستها مع إجماع الكافة عليها قديمًا وحديثًا، إلا من شذ تحريم بيعها"(3).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي الخمر، وأنها نجسة، إلا خلافًا شاذًا في الخمر أعني في كونها نجسة"(4) ونقله عنه ابن قاسم (5). وقال ابن قدامة (620 هـ): "والخمر نجسة في قول عامة أهل العلم"(6).
وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "الخمر يخمر العقل أي يغطيه ويستره وهي نجسة إجماعًا"(7) ونقله عنه ابن قاسم (8). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "قليل عصير العنب أو الرطب إذا اشتد وغلا من غير عمل النار فيه، فهو حرام ونجس، إجماعًا"(9).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (10)، والظاهرية (11).
(1) التمهيد (1/ 245).
(2)
أحكام القرآن (2/ 164).
(3)
إكمال المعلم (5/ 133).
(4)
بداية المجتهد (2/ 103).
(5)
انظر: حاشية الروض المربع (1/ 351).
(6)
المغني (9/ 144).
(7)
المبدع (1/ 241).
(8)
حاشية الروض المربع (1/ 351).
(9)
الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 245).
(10)
انظر: المبسوط (24/ 3)، بدائع الصنائع (5/ 113)، العناية شرح الهداية (10/ 95).
(11)
المحلى (1/ 133).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (1).
• وجه الدلالة: دلت الآية على نجاسة الخمر من أوجه منها: الأول: أن اللَّه تعالى نص على أن الخمر رجس. الثاني: أمْره تعالى باجتنابه، وهذا عام يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع به بوجه من الوجوه (2).
الدليل الثاني: قوله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)} (3).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف شراب الجنة بأنه طهور، وهذا إشارة بمفهوم المخالفة إلى نجاسة خمر الدنيا (4).
الدليل الثالث: عن أنس رضي الله عنه قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي:"ألا إن الخمر قد حُرمت"، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة. . . " الحديث متفق عليه (5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة الخمر، وهو يدل على نجاسته، إذ لو كان طاهرًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالانتفاع به، وعدم إلقائه في الطرق (6).
(1) سورة المائدة، آية (90 - 91).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 113)، أضواء البيان (1/ 428).
(3)
سورة الإنسان، آية (21).
(4)
انظر: أضواء البيان (1/ 426)، الشرح الممتع (1/ 426).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2332)، ومسلم رقم (1980).
(6)
انظر: الحاوي الكبير (2/ 259).
الدليل الرابع: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له"(1).
الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هل علمت أن اللَّه قد حومها)، قال: لا، فسارّ إنسانًا، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(بم ساررته)؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال:(إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (2).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديث صريح في تحريم بيع الخمر، وتحريم بيعها يدل على نجاستها؛ لأن تحريمه لا يخلو أن يكون سببه من أحد أمرين: إما أن يكون لحرمة عينه كالكلب، وإما أن يكون لنجاسته، والخمر ليس محرَّم العين، فبقي أن يكون نجسًا (3).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى طهارة الخمر.
وهو قول ربيعة الرأي، والليث بن سعد، والمزني (4)، والحسن، وبعض المتأخرين من البغداديين (5)، . . .
(1) أخرجه الترمذي رقم (1295)، وابن ماجه رقم (3381).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1579).
(3)
انظر: إكمال المعلم (5/ 133).
(4)
هو أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، صاحب الأمام الشافعي، فقيه، شافعي، من أهل مصر، عالم، زاهد، كان إمام الشافعية، وأعرفهم بمذهبه، وأنقلهم لأقواله، قال الشافعي:"المزني ناصر مذهبي"، وكان قوي الحجة حتى قال الشافعي:"لو ناظر الشيطان لغلبه"، من كتبه:"الجامع الكبير"، و"الترغيب في العلم"، ولد سنة (175 هـ)، وتوفي سنة (264 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 492، السلوك في طبقات العلماء والملوك 1/ 221، العبر في خبر من غبر 2/ 34.
(5)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 288)، الحاوي الكبير (2/ 259)، المبدع (1/ 241)، أضواء البيان (1/ 427).
وبه قال الصنعاني (1)، وابن عثيمين (2)(3).
• دليل المخالف: استدل من قال بطهارة الخمر بما يلي: الدليل الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (4).
• وجه الدلالة: أن المذكورات مع الخمر في الآية هي مال الميسر، ومال القمار، والأنصاب، والأزلام، وهذه الأشياء ليست نجسة العين، فدل على أن اللَّه تعالى لم يُرد بالنجاسة هنا النجاسة العينية، وإنما هي كغيرها من المذكورات لها نجاسة حكمية فقط من حيث تحريم الاستعمال (5).
الدليل الثاني: قوله تعالى في صفة شراب الجنة: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الخمر من شراب أهل الجنة، وهو يدل عل طهارتها في الدنيا (7).
الدليل الثالث: حديث أنس رضي الله عنه أن الخمر لما حرمت خرج الناس،
(1) انظر: سبل السلام (1/ 49).
(2)
هو محمد بن صالح آل عثيمين، الحنبلي، العلامة، الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، اشتغل بالتدريس، والتأليف، والإفتاء، كان عضوًا في هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية إلى وفاته، وعضوًا في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم، وقد مُنح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1414 هـ، له مؤلفات كثيرة منها:"الشرح الممتع على زاد المستقنع"، و"شرح العقيدة الواسطية"، ولد في عنيزة عام (1347 هـ)، وتوفي سنة (1421 هـ). انظر: اللآليء الحسان بذكر محاسن الدعاة والأعلام 98.
(3)
الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 429).
(4)
انظر: سورة المائدة، آية (90).
(5)
انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 426).
(6)
سورة محمد، آية (15).
(7)
انظر: الحاوي الكبير (2/ 259).
وأراقوها في السكك (1).
• وجه الدلالة: دل الحديث على طهارة الخمر من وجهين: الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم أراقوا الخمر في طرق المدينة، ولو كانت نجسة لنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما نهاهم عن التخلي في الطرق (2). الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة رضي الله عنهم بغسل الأواني بعد إراقة الخمر منها، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
الدليل الرابع: عبن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هل علمت أن اللَّه قد حرمها)، قال: لا، فسار إنسانًا، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(بم ساررته)؟ فقال: أمرته ببيعها، فقال:(إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (3).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بغسل الراوية مع أن الظاهر عن حال الرجل الجهل بالأحكام المتعلقة بالخمر (4).
الدليل الخامس: أن الأصل في المائعات الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة، وليس ثمة دليل على النجاسة (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن بعض السلف.
وأما عن نقل الإجماع فلعله لم يعتبر قول المخالف كما نص على ذلك ابن رشد وجعل القول بطهارة الخمر شاذًا، أو أنه أراد عامة أهل العلم بالأغلبية
(1) أخرجه البخاري رقم (2332)، ومسلم رقم (1980).
(2)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 288)، أضواء البيان (1/ 428)، الشرح الممتع (1/ 430).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1579).
(4)
انظر: الشرح الممتع (1/ 431).
(5)
انظر: سبل السلام (1/ 49)، الشرح الممتع (1/ 431).