الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنه ليس لآحاد الرعية إقامة الحدود على الأحرار الجناة إلا الإمام" (1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (2).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: أنه لم يقم حد على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء من بعده إلا بإذنهم (3).
الدليل الثاني: لأن الحد حق للَّه تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فلم يجز بغير إذن الإمام (4).
الدليل الثالث: أن إقامة الحدود تحتاج إلى قوة وسلطة، فلو تولاها غير الإمام لوقع من النزاع ما لا يحصى، إذ لا يرضى أحد بإقامة الحد عليه (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[57/ 1] ليس للسيد إقامة الحد على الرقيق
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص مملوك ما يوجب الحد، فإنه ليس لسيده أن يقيم عليه الحد دون إذن الإمام.
ويتبيَّن مما سبق أن الإمام لو أمر بإقامة الحد، وأوكل ذلك للسيد، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال الطحاوي (321 هـ) في تقرير أنه ليس للسيد إقامة الحد على مملوكه: "عن مسلم بن يسار عن أبي عبد اللَّه -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة، إلى السلطان"،
(1) اللباب في علوم الكتاب (7/ 332).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 84)، تبيين الحقائق (3/ 171)، فتح القدير (5/ 235).
(3)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 415 - 416).
(4)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 146).
(5)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 84).
ولا نعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافه" (1) ونقله عنه ابن حجر (2).
وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ) بعد أن ذكر أقوالًا للسلف في أن إقامة الحدود للسلطان وليست للسيد على مملوكه، ثم قال:"فهؤلاء قد روي عنهم ذلك، ولا نعلم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلافه"(3).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن ابن محيريز قال: "الجمعة، والحدود، والزكاة، والفيء إلى السلطان"(4).
وأخرج ابن حزم نحوه عن مسلم بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (5).
الدليل الثاني: عموم الأدلة الدالة على أن إقامة الحدود للإمام، وهي لم تفرِّق بين الأحرار والعبيد (6).
الدليل الثالث: أن السيد متهم في إقامة الحد على مملوكه، لأن إقامة الحد على المملوك ينقص من قيمته، فقد لا يقيم السيد الحد على مملوكه خوفًا من نقصان قيمته، وذلك يفضي إلى تعطيل الحد عن المملوك (7).
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن للسيد إقامة جميع الحدود على مملوكه. وهو قول الشافعية (8)، ورواية عند الحنابلة (9)،
(1) مختصر اختلاف العلماء (2/ 376).
(2)
فتح الباري (12/ 163)، وانظر: سبل السلام (2/ 416)، تحفة الأحوذي (4/ 596).
(3)
أحكام القرآن (3/ 416).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 508).
(5)
المحلى (12/ 76).
(6)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 416).
(7)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 57 - 58).
(8)
انظر: أسنى المطالب (4/ 134)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 116)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 183).
(9)
انظر: المغني (9/ 51)، الإنصاف (10/ 150)، دقائق أولي النهى (3/ 336).
وبه قال ابن حزم (1).
وذهب آخرون إلى أن للإمام أن يقيم حد الجلد على رقيقه، دون غيره من الحدود، فللسيد إقامة حد الزنا على غير المحصن، وحد القذف، وحد شرب الخمر، أما القطع، والقتل بالردة فلا.
وهو مذهب المالكية (2)، والحنابلة (3)، وبه قال الليث (4)(5).
إلا أن الحنابلة استثنوا في ذلك الأمة المزوجة، فليس للسيد إقامة الحد عليها (6).
وقد ذكر ابن بطال أن القول بجواز إقامة السيد الحد على رقيقه لا مخالف فيه من الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال:"وروي عن ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، وغيرهم، أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم"(7).
وكذا قال ابن عبد البر: "وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم منهم ابن عمر، وابن مسعود، وأنس، ولا مخالف لهم من الصحابة رضي الله عنهم"(8).
وقال ابن رشد الحفيد: "ولأنه أيضًا مروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم"(9).
(1) انظر: المحلى (12/ 74 - 79).
(2)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 145)، الاستذكار (7/ 508).
(3)
انظر: المغني (9/ 51)، الإنصاف (10/ 150).
(4)
هو أبو الحارث، الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، بالولاء، المحدث، الفقيه، كان كريمًا، جوادًا، قال الشافعي:"الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به"، مات سنة (175 هـ). انظر: وفيات الأعيان 4/ 127، التعديل والتجريح 2/ 615، طبقات الفقهاء 1/ 78.
(5)
انظر: الاستذكار (7/ 508).
(6)
المغني (9/ 52).
(7)
شرح صحيح البخاري (8/ 473).
(8)
التمهيد (9/ 105).
(9)
بداية المجتهد (2/ 365).
ونسب ابن قدامة القول بجواز أن يقيم السيد حد الجلد على مملوكه لأكثر أهل العلم، فقال:"للسيد إقامة الحد بالجلد على رقيقه القن، في قول أكثر العلماء"(1).
• دليل المخالف: استدل القائلون بأن للإمام أن يقيم الحد على مملوكه بما يلي: الدليل الأول: عن أبي عبد الرحمن (2) قال: خطب علي رضي الله عنه فقال: "يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(أحسنت، اتركها حتى تماثل)(3)(4).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: (إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير) متفق عليه (5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه الخطاب لمالكي الأرقاء بأن يجلد كل أمته إن زنت، وهو يدل على أن للسيد إقامة ذلك على مملوكه (6).
(1) المغني (9/ 51).
(2)
هو أبو عبد الرحمن، عبد اللَّه بن حبيب بن ربيعة السلمي، الكوفي المقرئ، مشهور بكنيته، من قراء القرآن، وأهل الورع، لأبيه صحبة، ثقة، ثبت، توفي سنة (74 هـ). انظر: الكاشف 2/ 79، سير الأعلام 4/ 267، تهذيب التهذيب 5/ 183.
(3)
قال ابن منظر في لسان العرب (11/ 610): "تَماثَل العَليلُ قارَب البُرْءَ فصار أَشْبَهَ بالصحيح من العليل المَنْهوك وقيل إِن قولَهم تَماثَل المريضُ من المُثولِ والانتصابِ كأَنه هَمَّ بالنُّهوض والانتصاب".
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1705).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2046)، ومسلم رقم (1704).
(6)
انظر: الاستذكار (7/ 508).
الدليل الثالث: أنه فعل الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك:
أن ابن عمر قطع يد غلام له سرق (1)، وجلد أمة له (2).
عن فاطمة رضي الله عنها أنها حدت جارية لها (3).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قطعت يد غلام لها سرق (4).
وعن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم.
وإن كان الطحاوي والجصاص إنما نفيا الخلاف عن الصحابة رضي الله عنهم، وهذا غير صواب أيضًا، فإنها ليست محل إجماع بين الصحابة رضوان اللَّه تعالى
(1) أخرجه مالك (5/ 1218)، والشافعي في "المسند"(230)، وعبد الرزاق في "المصنف"(10/ 239 - 240)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 407)، وفي "السنن الصغرى"(3/ 312)، "السنن الكبرى"(8/ 268).
والحديث صحيح، فإن رواية مالك جاءت من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه، وهذا من أصح الأسانيد.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 486)، وعبد الرزاق في "المصنف"(10/ 239)، والطبري في تفسيره (19/ 91)، وابن حزم في "المحلى"(10/ 73 - 74)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 245).
(3)
أخرجه الشافعي في "المسند"(362)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 486)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(12/ 342)، و"السنن الكبرى"(8/ 245)، وفي "السنن الصغرى"(3/ 303)، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل"(7/ 359) لأنه من رواية الحسن بن محمد بن علي عن جدته فاطمة رضي الله عنها، والحسن لم يدرك فاطمة، فهو منقطع.
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ"(5/ 1217)، والشافعي في "المسند"(335)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 418)، وفي "السنن الكبرى"(8/ 278).
(5)
أخرجه مالك في "الموطأ"(3247)، وصححه ابن حزم في المحلى (12/ 415)، وابن القيم في زاد المعاد (5/ 57).