الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث مسائل الإجماع في عقوبة المسكر
[248/ 4] ثبوت حد الخمر
.
• المراد بالمسألة: مما تقرر في الشريعة الإسلامية إقامة الحد على شارب الخمر، وقد قام الإجماع على ثبوت هذا الحد، وأنه داخل ضمن الأحكام الخاصة بالحدود، من تحريم تعطيلها أو الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام، ونحو ذلك، وتعطيل هذا الحد هو تعطيل لحدٍ ثابت.
• من نقل الإجماع: قال أبو منصور البغدادي (429 هـ): "وقد أجمع فقهاء الأمة على تكفير من أنكر حد الخمر"(1). قال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر"(2).
وقال ابن دقيق العيد (702 هـ): "لا خلاف في الحد على شرب الخمر"(3). وقال ابن تيمية (728 هـ): "أما حد الشرب، فإنه ثابت بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين"(4).
وقال ابن حجر (852 هـ): "وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر"(5).
ويضاف إليها النقولات التي سبقت في مسألة: "من شرب من خمر العنب ما لا يحصل به الإسكار، ولو قطرة واحدة، أقيم عليه الحد"(6).
(1) الفرق بين الفرق (153).
(2)
إكمال المعلم (5/ 281).
(3)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 249).
(4)
مجموع الفتاوى (28/ 336)، وقال أيضًا (34/ 216):"شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت ذلك عليه".
(5)
فتح الباري (12/ 75).
(6)
انظر: المسألة رقم 228.
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (1)، والظاهرية (2).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه)(3).
• وجه الدلالة: الحديث صريح في الأمر بجلد شارب الخمر، وهذا إنما يكون من باب الحد.
الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر رضي الله عنه، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (4): أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر رضي الله عنه" (5).
الدليل الثالث: عن حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدتُ عثمان بن عفان رضي الله عنه وأُتي بالوليد بن عقبة رضي الله عنه قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أن رآه يتقيأ، فقال عثمان:"إنه لم يتقيأ حتى شربها"، فقال يا علي قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن:"ولِّ حارَّها من تولى قارَّها"، -فكأنه
(1) انظر: المبسوط (24/ 30)، بدائع الصنائع (5/ 113).
(2)
انظر: المحلى (12/ 356)، سبل السلام (2/ 444).
(3)
أخرجه أحمد (13/ 183)، وأبو داود رقم (4484)، والنسائي، رقم (5662)، وأخرجه الترمذي رقم (1444)، من حديث معاوية رضي الله عنه.
(4)
هو أبو محمد، عبد الرحمن بن عوف القرشي، أحد الثمانية الأُوَل الذين دخلوا في الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أصحاب الشورى الستة الذي توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، شهد المشاهد كلها، كان اسمه عبد الكعبة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، مات سنة (32 هـ). انظر: الاستيعاب 2/ 844، سير أعلام النبلاء 1/ 68، الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 346.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1706).
وجد عليه-، فقال يا عبد اللَّه بن جعفر، قم فاجلده، فجلده وعليٌّ يعُد، حتى بلغ أربعين، فقال: أمسِك، ثم قال:"جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحبُّ إلي"(1).
• وجه الدلالة: الأحاديث السابقة صريحة في ثبوت جلد شارب الخمر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم.
• المخالفون للإجماع: ذهب طائفة من أهل العلم إلى أن جلد شارب الخمر هو من باب التعزير. وهو قول طائفة من أهل العلم (2)، واختاره ابن عثيمين (3).
• دليل المخالف: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب في الرابعة فاقتلوه)(4).
• وجه الدلالة: الحديث دليل على أن عقوبة شارب الخمر تتدرج حتى تصل إلى القتل، ولو كان حدًا محدودًا لكان الحد فيه لا يتغيَّر (5).
الدليل الثاني: عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: "جيء بالنعيمان أو ابن النعيمان شاربًا فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من كان بالبيت أن يضربوه، قال فكنت أنا
(1) أخرجه مسلم رقم (1707).
(2)
انظر: المحلى (12/ 356)، وقال ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 72):"الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير"، وكذا حكاه الشوكاني في "نيل الأوطار" (7/ 169) فقال:"وحكى ابن المنذر والطبري وغيرهما عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها، وإنما فيها التعزير".
(3)
الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/ 295)، إلا أنه يرى وجوب جلد شارب الخمر بأربعين جلدة فما فوق، لكن جلده هو من باب التعزير، وليس من باب الحد، واللَّه تعالى أعلم.
(4)
أحمد (13/ 183)، وأبو داود رقم (4484)، والنسائي رقم (5662)، وأخرجه الترمذي رقم (1444)، من حديث معاوية رضي الله عنه.
(5)
انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (14/ 295).
فيمن ضربه، فضربناه بالنعال والجريد" (1).
الدليل الثالث: عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإمرة أبي بكر رضي الله عنه، وصدرًا من خلافة عمر رضي الله عنه، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين"(2).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال:(اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه، قال:(لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان)(3).
• وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: ظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد لشارب الخمر عددًا معينًا في الجلد (4).
الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدًا"(5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف.
• ومن نقل الإجماع في المسألة لعله لم يعتبر قول المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
(1) أخرجه البخاري رقم (2191).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6397).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6395).
(4)
انظر: المحلى (12/ 356).
(5)
أخرجه أحمد (5/ 116)، وأبو داود رقم (4476)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (5290). قال الحاكم في "المستدرك" (4/ 415):"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في تعليقه:"صحيح"، وقال الحافظ ابن حجر (12/ 72):"بسند قوي".