الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[272/ 5] شاهد الزور يُعزَّر بالضرب
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص أنه شهد زورًا، فإن للإمام أن يُعزِّره جلدًا.
وهنا يُنبه إلى أنه يستثنى من ذلك شهادة الزور على الزنا، فإن شهد ثلاثة فأقل على شخص بالزنا، فهنا يكونون قذَفَة (1)، أما عدا هذه المسألة فشاهد الزور يستحق التعزير.
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "وجوب التعزير في عموم الشهادات سوى الشهادة على الزنا، بأن تعمد شهادة الزور، وظهر عند القاضي بإقراره؛ لأن قول الزور جناية ليس فيها فيما سوى القذف حد مقدر، فتوجب التعزير بلا خلاف بين أصحابنا. . . أما إذا لم يتُب وأصرَّ على ذلك بأن قال: "إني شهدت بالزور وأنا على ذلك قائم" فإنه يعزر بالضرب بالإجماع"(2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "متى ثبت عند الحاكم عن رجل أنه شهد بزور عمدًا عزَّره وشهَّره في قول أكثر أهل العلم. . . لأنه قول عمر رضي الله عنه ولم نعرف له في الصحابة رضي الله عنهم مخالفًا"(3)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (5)، والشافعية (6).
(1) وقد سبق بيان هذه المسألة وتحقيق الإجماع فيها في المسألة رقم 179 بعنوان: "لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلًا بالزنا مجتمعين أو متفرقين فالحد عليهم كلهم إن لم يأتوا بأربعة شهداء".
(2)
بدائع الصنائع (6/ 289).
(3)
المغني (10/ 233).
(4)
الشرح الكبير (12/ 331).
(5)
انظر: المدونة (4/ 10)، المنتقى شرح الموطأ (5/ 190).
(6)
انظر: أسنى المطالب (4/ 302)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 206).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأدلة الدالة على تحريم شهادة الزور، ومنها:
أ- قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (1).
ب- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بكبر الكبائر-ثلاثًا-)، قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال:(الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، -وجلس وكان متكئًا فقال: - ألا وقول الزور)، قال:"فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت" متفق عليه (2).
• وجه الدلالة: دلت النصوص على تحريم شهادة الزور، وأنها من أكبر الكبائر، والشرع لم يجعل لها حدًا مقدَّرًا، فكان فيها التعزير، لكونها معصية لا حد فيها ولا كفارة (3).
الدليل الثاني: أنه فعل عمر رضي الله عنه، حيث أُتي بشاهد زور فجلده (4).
الدليل الثالث: عن شريح القاضي: "أنه كان إذا أُتي بشاهد الزور خفقه خفقات (5). . .
(1) سورة الحج، آية (30).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2511)، ومسلم رقم (87).
(3)
انظر: المغني (10/ 233)، دقائق أولي النهى (3/ 610 - 611).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 366)، وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 325)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 141)، من طريق عاصم بن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه ابن عامر بن ربيعة ولفظه عند البيهقي:"أتي عمر رضي الله عنه بشاهد زور، فوقفه للناس يومًا إلى الليل، يقول: هذا فلان يشهد بزور فأعرفوه، ثم حبسه"، ورواه أبو الربيع عن شريك عن عاصم وزاد فيه:"فجلده وأقامه للناس".
قال البوصيري في "إتحاف الخيرة الخيرة بزوائد المسانيد العشرة"(5/ 157): "هذا حديث ضعيف؛ لضعف عاصم بن عبيد اللَّه".
(5)
أي ضربه ضربات، والمِخْفقة: ما يضرب به من سوط أو نحوه. انظر: تاج العروس (25/ 242)، المعجم الوسيط (1/ 247).
ونزع عمامته" (1).
• المخالف للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن شاهد الزور يُشهَّر فقط، ولا يُعزَّر بالجلد.
وهو قول أبي حنيفة، وعليه الفتوى عند الحنفية. وذكر الكاساني وغيره من الحنفية أن قول أبي حنيفة هذا هو فيمن تاب من شهادته، أما إن كان مُصرًا على شهادة الزور فإنه يُجلد حتى عند أبي حنيفة (2).
• دليل المخالف:
استدل أبو حنيفة بتشهير شاهد الزور دون الجلد بما يلي:
الدليل الأول: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بشاهد زور فبعث به إلى عشيرته فقال: "إن هذا شاهد زور فاعرفوه" ثم خلّى سبيله ولم يجلده (3).
الدليل الثاني أنه فعل القاضي شُريح، حيث أُتي بشاهد زور فشهَّر به، ولم يجلده (4).
• وجه الدلالة: أن شُريحًا كان قاضيًا في زمن عمر وعلي رضي الله عنهما، وقد قضى بذلك في زمنهما، ولا تخفى قضاياه عنهما، ولم يُنكر عليه أحد منهم (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن أبي حنيفة.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 367)، وعبد الرزاق في "المصنف"(8/ 326)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 142).
(2)
انظر: البحر الرائق (7/ 125)، رد المحتار على الدر المختار (5/ 503)، الفتاوى الهندية (3/ 534).
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 142)، من رواية علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ضعَّفه البيهقي بعلَّة الانقطاع.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(5/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 142).
(5)
انظر: المبسوط (16/ 145)، بدائع الصنائع (6/ 289).