الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أن الضرب مروي عن عثمان وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وأبو ذر، وعبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنهم (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[107/ 2] النفي مجمع عليه كعقوبة للزنا
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف النفي لغة واصطلاحًا: النفي لغة: النفي هو الطرد والإبعاد، قال الزبيدي:"نفاه، ينفيه، نفيًا: نحَّاه وطرده وأبعده"(2).
ويطلق عليه التغريب، وهما بمعنى واحد.
النفي اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في المراد بالنفي أو التغريب في حق الزاني غير المحصن ذكرًا كان أو أنثى على أقوال، أذكرها على سبيل الإجمال:
(1) أما أثر عثمان رضي الله عنه فأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 556)، قال ابن الملقن في البدر المنير (8/ 636):"هذا غريب، لا يحضرني من خرجه عنه"، وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (4/ 113):"لم أجده".
وأثر علي رضي الله عنه فأخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحدود، باب: رجم المحصن، رقم (6427).
وأما أثر أبي بن كعب رضي الله عنه فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 555)، وعبد الرزاق في المصنف (5/ 541)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 331).
وأما أثر أبي ذر رضي الله عنه فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 555).
وأما أثر ابن مسعود فأخرجه عبد الرزاق (7/ 312)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 339).
وذكر ابن حزم أن هذا القول لم يخالفه أحد من الصحابة حيث قال في المحلى (12/ 171): "صح أن عمر بن الخطاب جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عامًا"، وروي أيضًا مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك" وإنما وقع الخلاف في التغريب.
(2)
تاج العروس، مادة:(نفى)، (40/ 116).
القول الأول: النفي هو حبس الزاني في السجن، ذكرًا كان أو أنثى.
وهو قول الحنفية (1)، ورواية عند الحنابلة (2).
القول الثاني: إخراجه إلى بلد آخر غير البلد الذي زنى بها مسافة قصر، ويُحبس في تلك البلد، وهو خاص بالذكر، أما الأنثى فلا تغريب عليها.
وهو قول المالكية (3).
القول الثالث: هو إخراجه من بلده التي زنى فيها، إلى بلد آخر مسافة قصر، دون حبسه في ذلك البلد، وهو عام في الذكر والأنثى، إلا أن المرأة يكون معها محْرَم لها. وهو قول الشافعية (4)، والحنابلة (5).
القول الرابع: هو إخراجه من بلده إلى مسافة القصر في حق الرجل، أما المرأة فتغريبها يكون على دون مسافة القصر. وهو رواية عند الحنابلة (6).
(1) انظر: تبيين الحقائق (3/ 174)، رد المحتار (4/ 14).
(2)
انظر: المبدع (9/ 64)، الإنصاف (10/ 174).
(3)
انظر: حاشية الدسوقي (4/ 322)، منح الجليل (9/ 263)، الفواكه الدواني (2/ 205).
(4)
انظر: أسنى المطالب (4/ 129)، مغني المحتاج (9/ 449 - 450)، نهاية المحتاج (7/ 428).
(5)
انظر: الإنصاف (10/ 174)، كشاف القناع (6/ 91 - 92)، مطالب أولي النهى (6/ 179).
(6)
انظر: الإنصاف (10/ 174)، وبعض فقهاء الحنابلة جعل هذه الرواية خاصة بالأنثى التي ليس معها محرم، أما إن كان معها محرم فإنها كالرجل تُنفى إلى مسافة قصر، وقد بيَّن ذلك الزركشي في شرحه لمختصر الخرقي (3/ 103): "أما على المذهب فالرجل ينفى إلى مسافة القصر بلا ريب، وكذلك المرأة إذا كان معها محرمها.
ومع تعذره: هل تنفى إلى مسافة القصر أو إلى ما دونها؟ على روايتين، هذه طريقة القاضي في الروايتين، وأبي محمد في المغني، وجعل أبو الخطاب في الهداية الروايتين فيها مطلقًا، سواء نفيت مع محرمها أو بدونه، وتبعه على ذلك أبو محمد في الكافي والمقنع.
وعكس أبو البركات طريقة المغني، فجعل الروايتين فيها فيما إذا نفيت مع محرمها، أما بدونه فإلى ما دونها قولًا واحدًا".
القول الخامس: النفي هو إخراجه من بلده إلى مكان آخر، ولو دون مسافة القصر. وهو قول أبي ثور، وابن المنذر، وإسحاق بن راهويه، وذكره ابن قدامة احتمالًا عن الإمام أحمد (1).
• من نقل الإجماع: قال الترمذي (279 هـ): "وقد صحّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم النّفي. . . والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"(2). وقال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن على البكر النفي، وانفرد النعمان وابن الحسن (3) فقالا: لا يغربان"(4).
وقال ابن حزم الظاهري (456 هـ) بعد أن ذكر بعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في الجلد والتغريب ثم قال: "ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك"(5).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "التغريب فعله الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفًا، فكان إجماعًا"(6)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(7).
وقال ابن القطان (628 هـ): "اتفقوا. . . إن غرب غير المحصن عن بلده وسجن حيث يغرب عامًا أنه قد أقيم عليه الحد كله"(8).
وقال البهوتي (1051 هـ): "وإذا زنى الحر غير المحصن من رجل أو امرأة جلد مائة وغُرِّب عامًا. . .؛ لأن الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير
(1) انظر: المغني (9/ 46) حيث قال: "يحتمل كلام أحمد أن لا يشترط في التغريب مسافة القصر؛ فإنه قال في رواية الأثرم: ينفى من عمله إلى عمل غيره".
(2)
سنن الترمذي (4/ 44).
(3)
أي أبو حنيفة النعمان، ومحمد بن الحسن الشيباني.
(4)
الإجماع (112)، وانظر: فتح الباري (12/ 157)، الروضة الندية (2/ 265).
(5)
المحلى (12/ 171).
(6)
المغني (9/ 45).
(7)
الشرح الكبير (10/ 167).
(8)
الإقناع (2/ 256).
المحصن وانتشر، ولم يعرف لهم مخالف، فكان كالإجماع" (1).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)(2).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (3).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (4).
الدليل الرابع: أنه مروي عن جملة من الصحابة رضي الله عنهم فعن ابن عمر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرَّب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر
(1) كشاف القناع (6/ 91 - 92)، باختصار يسير.
(2)
مسلم رقم (1690).
(3)
البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(4)
أخرجه البخاري رقم (6444).
ضرب وغرب" (1).
كما أنه مروي عن عثمان وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وأبو ذر، وعبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنهم (2).
• المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى أن النفي ليس عقوبة على الزاني غير المحصن، وإنما هو من باب السياسة الشرعية للإمام أن ينفيه وله ألا ينفيه (3).
• دليل المخالف: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (4).
• وجه الدلالة: دلت الآية على أن النفي ليس بحد من وجهين:
الأول: أن اللَّه تعالى ذكر الجلد، ولم يذكر النفي في موجب عقوبة الزنا، وإيجاب الجلد في حد الزنا يفضي إلى نسخ الآية، وهذا باطل، فهو يدل على أن النفي ليس من الحد، وإنما هو أمر موكل للإمام.
الثاني: لو كان النفي من الحد لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلاوته للآية، حتى لا يعتقد الصحابة رضي الله عنهم أن الحد قد كمل بالجلد (5).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (6).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر النفي في بيان الحد، فدل على أنه ليس
(1) أخرجه الترمذي رقم (1438)، والنسائي في السنن الكبرى رقم (16754).
(2)
وقد سبق تخريج هذه الآثار.
(3)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 174)، فتح القدير (5/ 241)، العناية شرح الهداية (5/ 241).
(4)
سورة النور، آية (2).
(5)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 378).
(6)
أخرجه البخاري رقم (2045)، ومسلم رقم (1703).
بأصل في حد الزنا (1).
الدليل الثالث: عموم الأحاديث الدالة على النهي عن سفر المرأة بدون محرم، ومنها:
أ - عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) متفق عليه (2).
ب - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم) متفق عليه (3).
ج - عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) متفق عليه (4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سفر المرأة بغير محرم، والنفي يلزم منه الوقوع في ذلك النهي، فإذا انتفى التغريب في حق المرأة، فإنه ينتفي أيضًا في حق الرجل (5).
الدليل الرابع: أنه مروي عن علي رضي الله عنه حيث قال: "حسبهما من الفتنة أن يُنفيا"(6).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية.
(1) انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 378)، شرح معاني الآثار (3/ 137).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1036)، ومسلم رقم (1338).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1139)، ومسلم رقم (827).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1763)، ومسلم رقم (1341).
(5)
انظر: شرح معاني الآثار (3/ 137)، تبيين الحقائق (3/ 174).
(6)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7/ 312).