الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو عدمه، فمن تاب توبة ظاهرة، وصلح حاله فقد حقق التوبة المرادة في الآية.
وأما أصحاب القول الثاني القائلين بأن القاذف إن كان كاذبًا: فتوبته تكذيب نفسه، وإن كان صادقًا: فتوبته القول ببطلان القذف وحُرمته وعدم عودته لذلك فاستدلوا عليه بأن القاذف قد يكون صادقًا في قذفه، فتكذيبه لنفسه أمر له بالكذب، وهذا ممنوع شرعًا.
وأما الذين فرَّقوا بين الشهادة بالقذف، والشتم بالقذف فلأن الشتم أشد فكانت توبته تكذيب نفسه (1).
النتيجة:
المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة، ولعل ابن حزم حينما نقل الإجماع اعتبر رأي الأكثر في رأيه لذلك عبر بلفظ:(اتفقوا)، واللَّه تعالى أعلم.
[207/ 3] العبد القاذف للحر يلزمه أربعون جلدة
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت على عبد مملوك ما يوجب حد القذف، فإن الحد الواجب في حقه أربعون جلدة.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أن القاذف غير الحر كما ذكرنا يلزمه أربعون جلدة"(2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "إن كان القاذف عبدًا أو أمةً جلد أربعين. . . للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم"(3).
وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن العبد القاذف للحر يلزمه أربعون جلدة"(4). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وإن كان القاذف عبدًا فحده أربعون جلدة. . . للإجماع المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم"(5).
(1) انظر: المغني (10/ 192).
(2)
مراتب الإجماع (134).
(3)
المغني (9/ 78).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 249)
(5)
الشرح الكبير (10/ 211 - 212).
وقال المرداوي (885 هـ): "ومن قذف محصنًا فعليه جلد ثمانين جلدة، إن كان القاذف حرًا، وأربعين إن كان عبدًا. . . وهو المذهب، ولا أعلم فيه خلافًا"(1).
وقال زكريا الأنصاري (926 هـ): "ويُحد من فيه رق، ولو مبعضًا أو أم ولد، أربعين جلدة، على النصف من الحر؛ لإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(2). وقال ابن حجر الهيتمي (974): "والرقيق ولو مبعضًا، ومكاتبًا، وأم ولده، حدُّه أربعون جلدة إجماعًا"(3). وقال الخطيب الشربيني (977 هـ): "والرقيق القاذف، والمكاتب، والمدبر، وأم الولد، والمبعض، حد كل منهم أربعون جلدة، على النصف من الحر، بالإجماع"(4). وقال الرملي (1004 هـ): "والرقيق ولو مكاتبًا، ومبعضًا، حده أربعون جلدة إجماعًا"(5).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على ذلك الحنفية (6)، والمالكية (7).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (8).
• وجه الدلالة: الآية نص أن عقوبة الأمة نصف الحرة، فيقاس عليها عقوبة العبد (9).
الدليل الثاني: أنه فعل الصحابة رضي الله عنهم، فعن عبد اللَّه بن عامر بن
(1) الإنصاف (10/ 200).
(2)
انظر: أسنى المطالب (4/ 136).
(3)
تحفة المحتاج (9/ 120).
(4)
مغني المحتاج (5/ 462).
(5)
نهاية المحتاج (7/ 436).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 57)، البحر الرائق (5/ 31).
(7)
انظر: التاج والإكليل (8/ 405)، شرح مختصر خليل (8/ 88).
(8)
سورة النساء، آية (25).
(9)
انظر: الاستذكار (7/ 514)، أحكام القرآن لابن العربي (3/ 345).
ربيعة (1) قال: "لقد أدركت أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ومن بعدهم من الخلفاء، فلم أرهم يضربون المملوك في القذف إلا أربعين"(2).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى أن العبد حدّه في القذف ثمانون جلدة.
وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه، وعمر بن عبد العزيز (3)، والليث، والزهري، والأوزاعي (4)، وبه قال الظاهرية في حق العبيد (5)، وإليه يميل الصنعاني (6). دليل المخالف: استدل من أوجب على العبد في القذف ثمانين جلدة
(1) هو أبو محمد، عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة العنزي، المدني، حليف بني عدي، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، روى عن أبيه وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم، ولد سنة مائة، ومات سنة (85 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 3/ 521، العبر في خبر من غبر 1/ 100، تهذيب التهذيب 5/ 237.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (5/ 1209)، وعبد الرزاق في "المصنف"(7/ 437)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(6/ 408)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 251) واللفظ له، وابن كثير في "مسند الفاروق"(2/ 510)، قال ابن الملقن في "البدر المنير" (8/ 644):"هو أثر صحيح".
(3)
هو أبو حفص، عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطَّاب، كان إمامًا، عالمًا، عابدًا، ورعًا، عادلًا، حتى سماه جماعة بخامس الخلفاء الراشدين، كانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، ولد بالمدينة سنة (60 هـ)، وتوفي (101 هـ)، حين سقاه بنو أميَّة السُّمَّ، لما شدَّد عليهم، وانتزع كثيرًا مما في أيديهم. انظر: وفيات الأعيان 2/ 128، تهذيب التهذيب 7/ 475، إسعاف المبطأ 22.
(4)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 345)، نيل الأوطار (6/ 337).
(5)
انظر: المحلى (12/ 68).
فالظاهرية يرون أن الأماء حدَّهن في القذف أربعون جلدة نصف حد الحرائر، أما العبيد فيحدون ثمانون جلدة كالأحرار.
وهنا يُنبَّه إلى أن ابن حزم خالف مذهبه في هذه المسألة، ووافق الجمهور، فذهب إلى أن العبيد والأماء يحدُّون في القذف أربعون جلدة على النصف من حد الأحرار.
(6)
انظر: سبل السلام (2/ 426).