الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الدليل الثاني: أن حد القذف كغيره من الحدود التي لا يشترط فيها مطالبة المجني عليه فيها، فالسرقة لا يشترط فيها مطالبة المسروق منه بالحد، والزنا لا يشترط مطالبة المزني بها بالحد، وكذا سائر الحدود التي من جملتها حد القذف (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن ابن أبي ليلى، والظاهرية.
ولعل من نقل الإجماع جعل الخلاف من قبيل الشاذ، واللَّه تعالى أعلم.
[214/ 3] من قذف جماعة بكلام مفترق أو بكلام واحد فعليه حد واحد للجميع
.
• المراد بالمسألة: إذا قذف شخص جماعة من الناس، فعليه حد واحد فقط لجميع ذلك القذف، وهذا على حالين:
الحال الأولى: أن يقذفهم بكلام واحد، كان يقول لأشخاص مجتمعين: كلكم زناة، أو يا زناة، ونحو ذلك.
الحال الثانية: أن يقذفهم بكلام متفرق، كان يقول لكل شخص منهم أنت زان، أو يا زان.
ففي كلا الحالتين لا يلزم القاذف إلا حد واحد، بشرط ألا يكون القذف لبلد معيَّن، أو لجماعة لا يتصور زناهم عادة، أو لزوجاته، وأن لا يكون تكرار القذف بعد إقامة الحد عليه.
فلو قذف جماعة يتصور زناهم غير أهل بلد وغير زوجاته، ثم طالب أحدُ المقذوفين بحقه، وأقيم على القاذف الحد بموجب ذلك، ثم جاء مقذوفٌ آخر وطالب بحقِّه فلا يُقام الحد مرة ثانية على القاذف.
ويتبين مما سبق استثناء أربع مسائل: الأولى: أنه لو قذف شخصًا ثم أقيم عليه الحد، ثم قذف شخصًا آخر فالمسألة غير مرادة. الثانية: لو قذف شخصًا
(1) انظر: المرجع السابق.
واحدًا أكثر من مرة، سواء قذفه بزنا واحد أو بأكثر من زنا، فهي مسألة غير مرادة (1). الثالثة: لو قذف أهل بلد، أو قذف جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عادة، فالمسألة غير مرادة (2). الرابعة: لو قذف نساءه اللاتي في عصمته بكلام واحد أو متفرق، فطالبوا بالحد، فالمسألة غير مرادة (3).
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من قذف جماعة بكلام متفرق أو بكلام واحد أن حدًا واحدًا قد لزمه"(4). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أن من قذف جماعة بكلام مفترق أو كلام واحد أن حدًا واحدًا يلزمه"(5).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (6)، والمالكية (7)، والحنابلة في رواية (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (9).
• وجه الدلالة: عموم الآية حيث دلت على أن القاذف عليه ثمانين جلدة على فعله للقذف، ولم تُفرق بين أن يكون المقذوف واحدًا أو جماعة (10).
الدليل الثاني: أن من قذف المحصنة فإنه في الحقيقة قاذف لها ولمن زنى بها، ومع ذلك لم يوجب اللَّه تعالى عليه إلا حدًا واحدًا (11).
(1) انظر: المغني (9/ 89).
(2)
انظر: كشاف القناع (6/ 112).
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (4/ 279).
(4)
مراتب الإجماع (134).
(5)
الاقناع في مسائل الإجماع (2/ 248).
(6)
انظر: المبسوط (9/ 111)، فتح القدير (5/ 340)، الفتاوى الهندية (2/ 165).
(7)
انظر: شرح مختصر خليل (8/ 88)، حاشة الدسوقي (4/ 327)، الفواكه الدواني (2/ 211).
(8)
انظر: الإنصاف (10/ 223).
(9)
سورة النور، آية (4).
(10)
انظر: المغني (9/ 87).
(11)
انظر: المقدمات الممهدات (3/ 264).
الدليل الثالث: أن الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قذفوه بامرأة، ولم يحدهم عمر رضي الله عنه إلا حدًا واحدًا (1).
الدليل الرابع: أن الحد إنما وجب على فعل القذف، والقذف إن كان بكلام واحد فهو فعل واحد، فلم يجب به إلا حد واحد (2).
الدليل الخامس: أن المقصود من الحد هو دفع المعرَّة عن المقذوف وبيان كذب القاذف، وهذا يمكن تحصيله بعد واحد على القاذف (3).
الدليل السادس: القياس على من زنى مرارًا بأكثر من امرأة، أو سرق مرارًا من أكثر من شخص قبل أن يقام عليه الحد، فكما أنه لا يقام عليه إلا حد واحد، فكذا من قذف أكثر من شخص قبل أن يقام عليه الحد (4).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف جماعة فيجب لكل واحد منهم حد، سواء قذفهم بكلمة واحدة أو بكلام متفرق. وهو قول الشافعية (5)، ورواية عند الحنابلة (6)، وبه قال عثمان البتي، وأبو ثور، وابن المنذر (7).
القول الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف جماعة بكلام متفرق فعليه لكل واحد منهم حد، أما إن قذفهم بكلام واحد فيلزمه حد واحد فقط.
وهو قول الحنابلة (8)، وبه قال عطاء، والشعبي، وقتادة، وابن أبي ليلى (9).
(1) انظر: المغني (9/ 87).
(2)
انظر: المرجع السابق.
(3)
انظر: المرجع السابق.
(4)
انظر: المغني (9/ 89)، المحلى (12/ 271).
(5)
انظر: أسنى المطالب (3/ 379)، تحفة المحتاج (8/ 223)، الغرر البهية شرح البهجة الوردية (4/ 328).
(6)
انظر: المغني (9/ 87)، الفروع (6/ 96)، الإنصاف (10/ 223).
(7)
انظر: الاستذكار (7/ 517)، المغني (9/ 88).
(8)
انظر: المغني (9/ 87)، الفروع (6/ 96)، الإنصاف (10/ 223).
(9)
انظر: الاستذكار (7/ 517)، المغني (9/ 87).