الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) متفق عليه (1).
• وجه الدلالة من النصوص السابقة: النصوص دلت على أن العبد غير مؤاخذ بما يفعله عن طريق الخطأ، وأن اللَّه قد عفى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذلك، ومن زُفَّت إليه امرأة يظنها زوجته، فوقع عليها، غير عالم بأنها لا تحل له، فإنه مخطئ داخل في عموم النصوص السابقة.
الدليل الثاني: عموم الأحاديث الدالة على درء الحدود بالشبهات ومنها:
أولًا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)(2).
ثانيًا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا)(3).
• وجه الدلالة: أن وطء الرجل للمرأة التي زُفت إليه وقيل له بأنها امرأته فيه شبهة تدرأ عنه الحد، لكونه يظنها حلالًا له عند وطئها، والحدود تدرأ بالشبهات (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[65/ 2] من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الحشفة: الحشفة في اللغة: الحَشَفة -بفتح الحاء والشين- تطلق في اللغة على عدة معان منها:
(1) أخرجه البخاري رقم (5949)، ومسلم رقم (2747).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (1424).
(3)
أخرجه ابن ماجه رقم (2545).
(4)
انظر: المنثور في القواعد الفقهية (2/ 227)، مطالب أولي النهى (6/ 184).
1 -
أردأ التمر، ومنه قولهم في المثل: أحشفًا وسوء كيلة"، وهو مثل للرجل الذي يجمع بين أمرين رديئين (1).
2 -
اليابس: ومنه يقال للضرع الذي تقلَّص وارتفع عنه اللبن: قد أحشف الضرع. وكذا يطلق على الخميرة اليابسة، والمرأة العجوز، والأذن اليابسة، وأصول الزرع التي تبقى بعد الحصاد.
3 -
الثوب الخلِق، ومنه يقال: تحفَّش الرجل إذا لبس الثوب حفيش، أي البالي.
4 -
الصخرة الرخوة في سهل من الأرض.
5 -
جزيرة في البحر لا يعلوها الماء.
6 -
رأس الذكر (2).
وقد جمع ابن فارس هذه المعاني فقال: "الحاء والشين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَخَاوة، وضعف، وخلوقة"(3).
الحشفة في الاصطلاح: الحشفة في اصطلاح الفقهاء هي رأس الذكر، وحدُّها هو القسم المكشوف من رأس الذكر بعد الختان (4).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا وطئ رجل امرأة لا تحل له، وكان قد غيَّب حشفته في قُبل المرأة، فإنه يكون قد ارتكب الزنا، ووجب عليه الحد إذا اكتملت باقي الشروط.
(1) انظر: مقاييس اللغة (2/ 62).
(2)
انظر: المحيط في اللغة (2/ 429)، العين (3/ 96)، المصباح المنير (75)، تاج العروس من جواهر القاموس (23/ 142).
(3)
انظر: مقاييس اللغة (2/ 62).
(4)
انظر: معجم لغة الفقهاء (180)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية على كتب الحنفية (335)، وقد ذكر السيوطي في الأشباه والنظائر (270) أن الحشفة يتعلق بها مائة وخمسون حكمًا شرعيًا.
• من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "لم تختلف العامة أن الزنا الذي يجب به الحد الجماع دون الإنزال، وأن من غابت حشفته في فرج امرأة وجب عليه الحد"(1).
وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن بإيلاج مرة للحشفة وحده يجب الحد"(2).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وقع الإجماع على أن مجاورة الختانين توجب الحد"(3). وقال النووي (676 هـ): "والاعتبار في الجماع بتغييب الحشفة من صحيح الذكر بالاتفاق"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الحنفية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الأسلمي إلى نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأةً حرامًا أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل في الخامسة، فقال:(أنكتها؟ ) قال: نعم، قال:(حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم، قال:(كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر؟ ) قال: نعم، قال:(فهل تدري ما الزنا؟ ) قال: نعم، أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من امرأته حلالًا" (7).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استفسر من ماعز عن الزنا الذي أقر به، وأنه غيَّب ذكره في فرج من وقع عليها، مما يدل على أن هذا هو المعتبر في الحد، وإلا لم يكن لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم فائدة.
(1) اختلاف الحديث (496).
(2)
مراتب الإجماع (133).
(3)
بداية المجتهد (1/ 42).
(4)
شرح النووي (4/ 41).
(5)
شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 61)، المبسوط (9/ 139).
(6)
انظر: الفروع (6/ 73)، الإنصاف (15/ 181)، دقائق أولى النهى (3/ 346).
(7)
أخرجه أبو داود رقم (4428)، والنسائي في السنن الكبرى رقم (7164).
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة رفاعة (1) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزَّبِير (2)، وإنَّ ما معه مثل هُدبة الثوب (3)، فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:(أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) متفق عليه (4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتبر في إحلال المرأة المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول إلا بحصول العسيلة، وذلك لا يتم إلا بإيلاج الذكر في فرج المرأة، وأقل ذلك إيلاج الحشفة (5).
الدليل الثالث: أن الحشفة هي القدر الذي يثبت به حكم وجوب الغسل،
(1) هي تميمة بنت وهب، بفتح التاء وضمها، وقيل: اسمها سهيمة، وليس لها ذِكر غير الحديث المذكور، قال ابن عبد البر:"تميمة بنت وهب: لا أعلم لها غير قصتها مع رفاعة من سموأل حديث العسيلة". انظر: الاستيعاب 4/ 1798، الإصابة 7/ 545، تهذيب الأسماء واللغات 2/ 631.
(2)
هو عبد الرحمن بن الزبير بن باطا القرشي اليهودي، قال النووي:"والزبير بفتح الزاي وكسر الباء بلا خلاف"، وهذا هو الذي رجَّحه ابن عبد البر والنووي، وقيل: المراد هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد الأوسي، وجمع ابن حجر بأنه يحتمل أن يكون نسب إلى زيد بالتبني لصنيع الجاهلية. انظر: الاستيعاب 2/ 833، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 276، الإصابة 4/ 305.
(3)
الهدبة بسكون الدال وضمها، وهدبة الثوب هو طرفه، تشبيها بهدبة العين وهو شعر الجفن، وشبهت ذكره بذلك إما لصغره، أو لاسترخائه وعدم انتشاره، وهو الظاهر، كما اختاره الخطابي وابن الجوزي وابن حجر، وغيرهم؛ لأنه يبعد أن يبلغ من الصغر إلى حد لا تغيب منه الحشفة أو مقدارها الذي يحصل به التحليل. انظر: شرح النووي (10/ 2)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 492)، فتح الباري (9/ 465).
(4)
البخاري، كتاب: الشهادات، باب: شهادة المختبي، رقم (2496)، ومسلم، كتاب: النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها، رقم (1433).
(5)
انظر: الاستذكار (5/ 447).