الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيُقتصر عليه، ولا يُقاس عليه غيره من الألفاظ إلا بدليل (1).
الدليل الثاني: المقصود بالحد في القذف بالزنا إزالة العار، وهذا غير موجود في القذف بابن الكافر، لأن من كان إسلامه معروف ومعلوم عند الناس فلا يضره مثل ذلك (2).
الدليل الثالث: أن القذف إنما ورد في الزنا، فلا يُقاس عليه غيره، وقول يا ابن الكافر ليس صريحًا في الزنا، ولا يلزم منه القذف، فقد يريد أي: يا من أفعاله كأفعال ابن الكافر، وقد يريد أنه ابن شخص كافر حقيقة لكنه وُلد بطريقة شرعية ثم كان لقيطًا، إلى غير ذلك من الاحتمالات، وهي شبهات تدرأ بها الحدود (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والحنابلة، والظاهرية، وبعض المالكية.
ونقل ابن المنذر للإجماع لعله وهم، واللَّه تعالى أعلم.
[162/ 3] إذا قذف الرجل زوجته بلا بيِّنة فله لعانها، سواء دخل بها أو لم يدخل
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف اللعان: اللعان لغة: اللعن لغة مصدر لاعن يلاعن ملاعنةً ولعانًا، بمعنى الطرد والإبعاد، كما قال ابن فارس:"اللام والعين والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على إبعادٍ وإطرادٍ"(4)، يقال: لَعَنه يَلْعَنه لَعْنًا: أي طَرَدَه وأَبعده (5).
اللعان شرعًا: اللعان والملاعنة والتلاعن بمعنى واحد، وهو ملاعنة الرجل امرأته إذا قذفها بالزنا أو أراد نفي الولد عنه، وهي مشروعة إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، ولم يكن له بينة، فأراد إسقاط الحد عن نفسه، فإنه يلاعن
(1) انظر: المحلى (12/ 222).
(2)
انظر: المبسوط (9/ 126).
(3)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 208 - 209)، المحلى (12/ 222).
(4)
مقاييس اللغة (5/ 252)، وانظر: غريب القرآن لابن قتيبة (26).
(5)
انظر: الصحاح (7/ 46)، المحيط في اللغة (2/ 50)، الصحاح (3/ 354).
زوجته بألفاظ مخصوصة، ثم يفرَّق بينهما، فلا تحل له أبدًا.
وقد عرَّف الفقهاء اللعان بأنه: شهادات مؤكدة باليمين، المقرونة باللعن والغضب، قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، ومقام حد الزنا في حق الزوجة (1).
قال النووي: "وسمي لعانًا لما فيه من قول الرجل وعليَّ لعنة اللَّه إن كنت من الكاذبين.
وقيل: يجوز أن يكون سمي لعانًا لما فيه من الطرد والإبعاد لكل واحد منهما عن صاحبه، ووقوع الحرمة المؤبدة" (2).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا قذف رجل امرأته بالزنا، ولم يكن له بينة على قذفه، وطالبت المرأة بالحد، فإن له إسقاط الحد عنه باللعان، وهذا عام سواء
(1) انظر: البحر الرائق (4/ 122)، تبصرة الحكام بأصول الأقضية ومناهج الأحكام (1/ 395)، مغني المحتاج (5/ 52)، معجم لغة الفقهاء (392)، المبدع (8/ 73)، التعريفات (246)، أنيس الفقهاء (163).
(2)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/ 304)، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/ 85):"فصل: حكمة شرع اللعان في حق الزوجة دون غيرها: وأما قوله: "وجعل للقاذف إسقاط الحد باللعان في الزوجة دون الأجنبية، وكلاهما قد ألحق بهما العار" فهذا من أعظم محاسن الشريعة؛ فإن قاذف الأجنبية مستغن عن قذفها، لا حاجة له إليه ألبتة؛ فإنَّ زناها لا يضره شيئًا، ولا يفسد عليه فراشه، ولا يعلق عليه أولادًا من غيره، وقذفها عدوان محض، وأذى لمحصنة غافلة مؤمنة، فترتب عليه الحد زجرًا له وعقوبة، وأما الزوج فإنه يلحقه بزناها من العار والمسبة وإفساد الفراش وإلحاق ولد غيره به، وانصراف قلبها عنه إلى غيره؛ فهو محتاج إلى قذفها، ونفي النسب الفاسد عنه، وتخلصه من المسبة والعار؛ لكونه زوج بغي فاجرة، ولا يمكن إقامة البينة على زناها في الغالب، وهي لا تقر به، وقول الزوج عليها غير مقبول؛ فلم يبق سوى تحالفها بأغلظ الأيمان، وتأكيدها بدعائه على نفسه باللعنة ودعائها على نفسها بالغضب إن كانا كاذبين، ثم يفسخ النكاح بينهما؛ إذ لا يمكن أحدهما أن يصفو للآخر أبدًا؛ فهذا أحسن حكم يفصل به بينهما في الدنيا، وليس بعده أعدل منه، ولا أحكم، ولا أصلح، ولو جمعت عقول العالمين لم يهتدوا إليه، فتبارك من أبان ربوبيته ووحدانيته وحكمته وعلمه في شرعه وخلقه".
كان قد دخل بزوجته، أو لم يدخل بها.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الرجل إذا قذف زوجته قبل أن يدخل بها أنه يلاعنها"، ونقله عنه ابن قدامة (1) وشمس الدين ابن قدامة (2) وابن حجر (3). وقال ابن حزم (456 هـ):"اتفقوا على أن الزوج، الصحيح عقد الزواج، الحر، المسلم، العاقل، البالغ، الذي ليس بسكران، ولا محدود في قذف، ولا أخرس، ولا أعمى، إذا قذف بصريح الزنا زوجته، العاقلة، البالغة، المسلمة، الحرة، التي ليست محدودة في زنا ولا قذف، ولا خرسى، وقذفها وهي في عصمته، بزنا، ذكر أنه رآه منها بعد نكاحه لها، مختارة للزنا، غير سكرى، وكان الزوج قد دخل بها ووطئها، أو لم يدخل بها ثم لم يطأها، بعد ما ذكر من اطلاعه على ما اطلع، ولم يطلقها بعد قذفه لها، ولا ماتت، ولا ولدت، ولا اتضح نكاحها، فإن اللعان بينهما واجب"(4).
وقال ابن هبيرة (560 هـ): "وأجمعوا على أن من قذف امرأته بالزنا ولا شاهد له عليها سوى نفسه، أنه يكرر اليمين أربع مرات باللَّه أنه لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة: ولعنة اللَّه عليه إن كان من الكاذبين، فحينئذ يلزمها الحد. والذي يدرؤه عنها أن تشهد أربع شهادات باللَّه إنه لمن الكاذبين،
(1) المغني (8/ 41).
(2)
الشرح الكبير (9/ 16).
(3)
انظر: فتح الباري (9/ 463).
(4)
مراتب الإجماع (80 - 81)، وثمة جماعة كثيرة من أهل العلم نقلوا الإجماع على إثبات حكم اللعان، كقول ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" (2/ 93):"اللعان حكم ثابت بالكتاب والسنة والقياس والإجماع، إذ لا خلاف في ذلك أعلمه"، لكن أمثال هذا النقل ليس مقصودًا في المسألة؛ إذ المقصود هو نقل الإجماع على أن اللعان مشروع إذا قذف الرجل زوجته، وأن هذا عام في المدخول بها وغير المدخول بها، وليس المراد نقل الإجماع على مشروعية اللعان من حيث أصل ثبوته.