الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو الرجم، وهذا القول اختاره ابن العربي (1)، ونسب ابن حجر الهيتمي هذا القول للمحققين من المتأخرين حيث قال:"فلا نسخ في الآية عند المحققين من المتأخرين؛ لأنها على حد {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فيه يرتفع حكم الصيام لانتهاء غايته لا نسخه، وأيضا فشرط النسخ تعذر الجمع، وهنا الجمع ممكن بين الحبس والتغريب والجلد أو الرجم، فإطلاق المتقدمين النسخ هنا تجوز"(2)، واللَّه تعالى أعلم.
[109/ 2] حد الزاني البكر الجلد مائة جلدة
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف البكر: البكر في اللغة: الباء والكاف والراء يطلق في اللغة على معان:
الأول: يطلق على أول الشيء وابتداؤه، ومنه: البُكر والتبكير والبُكور والابتكار: المُضِيُّ في ذلك الوقت، والبُكرة: أول النهار، والبِكر: هو أوّل ولد الرّجل غلامًا كان أو جاريةً.
الثاني: البَكَراتُ، وهي الحَلَق التي في حِلية السيف، كأنها فُتُوخ النِّساء.
الثالث: البَكر -بفتح الباء- الولد من الإبل، فالذكر منه يسمى بَكرًا،
(1) انظر: أحكام القرآن (1/ 461).
(2)
الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 217)، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (6/ 99)، ومن هذا الباب ما حكاه الشوكاني في فتح القدير (1/ 659) بقوله:"وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور، وكذلك الأذى، باقيان مع الجلد؛ لأنه لا تعارض بينها بل الجمع ممكن".
وهنا يُنبَّه إلى أن بعض من ذكر المسألة نقل خلاف أبي مسلم الأصفهاني في الآية، وأنه لا يرى نسخ الآية، حيث حمل الآية في الحبس على السحاق - إتيان المرأة المرأة - إلا أني لم أذكره من المخالفين للإجماع، لأن أبا مسلم معتزلي وهو ممن أنكر النسخ في القرآن، وقد التزمتُ عدم الاعتداد بخلاف أهل البدع، واللَّه تعالى أعلم.
الأنثى بَكرة.
الثالث: البِكر -بكسر الباء- المرأة العذراء التي لم يمسها رجل بجماع، ولم تفتض بكارتها.
الرابع: البِكْرُ -بكسر الباء- خلاف الثيب رجلًا كان أو امرأة، وهو الذي لم يتزوج، وجمعه أبكار (1).
البِكر شرعًا: المراد بالبكر عند الفقهاء في حد الزنا: هو من لم يحصل له دخول في نكاح صحيح، أو في عقد فاسد جارٍ مجرى الصحيح، رجلًا كان أو امرأة (2).
ويتبين من هذا التعريف الاصطلاحي أنه موافق للمعنى اللغوي الرابع وهو: من لم يتزوج رجلًا كان أو امرأة.
أما المعنى الثالث الذي هو بمعنى المرأة العذراء التي لم تفتض بكارتها فليس موافقًا للمعنى الشرعي، ولذا قال الكاساني:"لا خلاف في أن كل من زالت عذرتها بوثبة، أو طفرة، أو حيضة، أو طول التعنيس، أنها في حكم الأبكار، تزوج كما تزوج الأبكار"(3).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب البكر وهو من لم يحصل له وطء في نكاح صحيح ما يوجب حد الزنا؛ فإنه يجلد مائة جلدة.
ويتبيَّن مما سبق أن الزاني إن كان ثيبًا فذلك غير مراد، وكذا إن كان زِناه
(1) انظر: العين (5/ 364)، مقاييس اللغة (1/ 287)، المصباح المنير (ب ك ر)(36)، لسان العرب، مادة:(بكر)(4/ 76).
(2)
انظر: المبسوط (5/ 7)، القاموس الفقهي (41)، وإنما قيدته في الاصطلاح الشرعي بحد الزنا، لأن ثمة مسائل أخرى في ضابط البكر عند الفقهاء منها إجبار البكر على النكاح، فحد البكر في مثل هذه المسائل غير مراد. انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 273).
(3)
بدائع الصنائع (2/ 244)، وانظر: الفتاوى الكبرى (3/ 88).
بامرأة من محارمه فذلك غير مراد أيضًا (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء أن قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2)، في زنا الأبكار خاصة"(3). وقال ابن حزم (456 هـ): "الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة"(4).
وقال ابن عبد البر (463 هـ) في شرحه لحديث العسيف (5): "فلا خلاف بين علماء المسلمين أن ابنه كان بكرًا، وأن الجلد حد البكر مائة جلدة"(6). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "أجمعوا على أن حد البكر في الزنا جلد مائة"(7).
وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة"(8). وقال ابن حجر (852 هـ): "الجلد ثابت بكتاب اللَّه، وقام الإجماع ممن يعتد به على اختصاصه بالبكر، وهو غير المحصن"(9).
وقال العيني (855 هـ): "أجمعوا على أن الزاني الذي ليس بمحصن حده جلد مائة"(10). وقال الرحيباني (1243 هـ): "إن زنى غير محصن حر جلد مائة
(1) وسبب استثناء زنا المحارم ما روي عن بعض السلف من أن من زنى بامرأة من محارمه فإنه يُقتل، سواء كان محصنا أو غير محصن، وهو مروي عن سعيد بن المسيب، ورواية عند الحنابلة، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: المحلى (12/ 201)، المغني (9/ 54)، الفروع (6/ 72)، الفتاوى الكبرى (3/ 201 - 202).
(2)
سورة النور، آية (2).
(3)
شرح صحيح البخارى (8/ 467).
(4)
المحلى (12/ 169).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
الاستذكار (7/ 480)، وقال أيضًا في الاستذكار (7/ 485):"وأما الاعتراف فهو الإقرار من البالغ العاقل بالزنا صراحًا، لا كناية، فإذا ثبت على إقراره، ولم ينزع عنه، وكان محصنًا وجب عليه الرجم، وإن كان بكرًا جلد مائة، وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء".
(7)
بداية المجتهد (2/ 367).
(8)
شرح النووي (11/ 189).
(9)
فتح الباري (12/ 157).
(10)
عمدة القاري (24/ 41).
بلا خلاف" (1).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (2).
الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)(3).
الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (4).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (5).
(1) مطالب أولي النهى (6/ 179).
(2)
سورة النور، آية (2).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1690).
(4)
أخرجه البخاري رقم (6444).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).