الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• المخالفون للإجماع: خالف في مضمون هذه القاعدة الظاهرية حيث لا يرون درء الحدود بالشبهات (1).
أدلة المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2).
• وجه الدلالة: في الآية النهي عن تعدي أوامر اللَّه ونواهيه التي منع الشرع من مجاوزتها، ودرء الحد بلا دليل شرعي فيه تعدٍ، وقد نُهي عنه (3).
الدليل الثاني: أن في درء الحدود بالشبهات طريق إلى إبطال الحدود جملة، وذلك أن كل من أراد إسقاط الحد ادَّعى أن ثمة شبهة دارئة للحد (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية.
ومن نقل الإجماع لعله لم يعتبر خلاف الظاهرية، واللَّه تعالى أعلم.
[34/ 1] البلوغ شرط لوجوب الحدود
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف البلوغ: البلوغ في اللغة: هو الوصول إلى الشيء المراد، أو مقاربته ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} (5)، أي ما هم بنائلين وواصلين إلى ما يطمعون إليه من دفع الآيات وغلبة محمد صلى الله عليه وسلم (6).
ويُطلق أيضًا على مقاربة الوصول إلى الشيء كما في قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (7)، أي إذا
(1) المحلى (12/ 57 - 58).
(2)
سورة البقرة، آية:(229).
(3)
المحلى (12/ 57 - 58).
(4)
المحلى (12/ 57 - 58).
(5)
سورة غافر، آية (56).
(6)
انظر: تفسير ابن جرير (21/ 404)، تفسير البغوي (4/ 115).
(7)
سورة الطلاق، آية (2).
قاربن انقضاء العدة فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (1).
البلوغ في الاصطلاح: هو انتهاء حد الصغر ليحكم عليه الشارع بالتكاليف الشرعية (2)، وقيل: هو نضج الأعضاء التناسلية (3).
ويتوافق التعريف اللغوي والاصطلاحي بأن الاصطلاحي هو الوصول إلى حد السن الذي ينتهي به الصغر (4).
(1) انظر: تفسير البغوي (5/ 109)، تفسير ابن كثير (1/ 514).
(2)
انظر: القاموس الفقهي (41 - 4)، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون لعبد الرب النبي الأحمدي (1/ 172).
(3)
انظر: المجمع الوسيط (1/ 70).
(4)
وإثبات البلوغ يكون بعدة أمور، بعضها محل خلاف بين أهل العلم، أذكرها على سبيل الاختصار: أولاها: إنزال المني، ولو على سبيل الاحتلام، واعتبارها محل إجماع بين أهل العلم كما حكاه ابن حزم في "المحلى"(1/ 103)، وقال ابن حجر في "فتح الباري" (5277):"أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غيره، سواء كان في اليقظة أو المنام، وأجمعوا على أن لا أثر للجماع فى المنام إلا مع الإنزال".
ثانيها: السن، وهو محل اتفاق في الجملة، حيث أجمع أهل العلم على أن البلوغ يحصل بتمام تسع عشرة سنة كما حكاه ابن حزم في "المحلى"(1/ 103)، واختلفوا فيما دون ذلك، فذهب الحنفية إلى أن البلوغ في الغلام يعتبر بسن ثماني عشرة سنة، وفي الجارية سبعة عشرة سنة، وعند المالكية المعتبر ثماني عشرة سنة، الذكر والأنثى في ذلك سواء، وعند الشافعية والحنابلة ببلوغ خمس عشرة سنة، وعند ابن حزم يكون بتمام تسع عشرة سنة. انظر: العناية شرح الهداية (9/ 270)، مواهب الجليل (5/ 59)، تحفة المحتاج (5/ 163)، الإنصاف (5/ 320)، المحلى (1/ 102).
ثالثها: الإنبات، وهو ظهور شعر العانة الخشن، وقد صرح بعض المالكية والحنابلة أن الإنبات إذا جُلب واستعمل بوسائل صناعية من الأدوية ونحوها فإنه لا يكون مثبتًا للبلوغ؛ وعللوا ذلك بأنه قد يستعجل الإنبات بالدواء ونحوه لتحصيل الولايات والحقوق التي للبالغين.
وحصول البلوغ بالإنبات هو مذهب المالكية، والحنابلة، والظاهرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكَّم =
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عليه سواء ببينة أو إقرار، وكان ذلك الشخص ارتكب معصيته حال كونه غير بالغ، فإنه لا يُقام عليه الحد؛ لأن من شرط ثبوت الحد أن يكون حين ارتكابه
= سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذرية"، كما أخرج الخمسة من حديث عطية القرظي رضي الله عنه قال: "كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت"، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، كما نقله عنهم ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 95).
وذهب الحنفية وهو رواية عن مالك إلى أن الإنبات ليس علامة للبلوغ مطلقًا، سواء كان في حق اللَّه تعالى أو في حق العباد.
وذهب الشافعية إلى أن الإنبات علامة للبلوغ فى ولد الكافر، ومن جهل إسلامه، دون المسلم والمسلمة.
وذهب بعض المالكية كابن رشد الحفيد إلى أن الإنبات علامة فيما يتعلق بحقوق الآدميين من قذف وقطع وقتل، وأما فيما يتعلق بحقوق اللَّه تعالى، كحد الزنا والسرقة فلا.
ويتحصل من هذا الخلاف في كون الإنبات علامة للبلوغ أن ما ذكره الصنعاني في "سبل السلام"(2/ 82) حيث قال: "يحصل بالإنبات البلوغ، فتجري على من أنبت أحكام المكلفين، ولعله إجماع"، ليس بمتحقق على عمومه. انظر: تبيين الحقائق (5/ 202)، التاج والإكليل (6/ 633 - 634)، تحفة المحتاج (5/ 164)، الإنصاف (5/ 3209)، المحلى (1/ 102).
رابعها: الحيض، وهذه العلامة خاصة بالمرأة دون الرجل، ولا خلاف في اعتبارها، كما حكاه القرطبي في تفسيره (5/ 35).
فهذه أشهر علامات البلوغ وثمة صفات أخرى اعتبرها المالكية كنتن الإبط، وفرق الأرنبة، وغلظ الصوت، كما في "تفسير القرطبي"(5/ 35)، واعتبر الشافعية من علامات البلوغ نبات الشعر الخشن للشارب، ونتوء طرف الحلقوم، كما في "الأم"(6/ 195 - 196)، وكل هذه الاعتبارات محل خلاف بين أهل العلم، وذكر بعض أهل العلم أن من العلامات الحمل في حق المرأة، والإحبال فى حق الرجل، وهذه العلامة وإن كانت معتبرة شرعا بلا خلاف كما حكاه القرطبي لكن يمكن أن تدخل في علامة الإنزال، أو الاحتلام، إذ لا حمل ولا إحبال بلا إنزال، واللَّه تعالى أعلم.
لموجِب الحد بالغًا (1).
• من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): ". . . "أن عليًا رضي الله عنه أُتي بصبي قد سرق بيضة (2)، فشك في احتلامه، فأمر به، فقطعت بطون أنامله" (3)، وليسوا (4)، ولا أحدًا علمته يقول بهذا، يقولون: ليس على الصبي حد حتى
(1) الشرط في اللغة: العلامة، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]، أي علامات الساعة، وفي اصطلاح الفقهاء:"هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته". فاحترز بقوله: "ما يلزم من عدمه العدم" من المانع، فإنه لا يلزم من عدمه شيء.
واحترز بقوله: "ولا يلزم من وجوده وجود" من السبب، فإنه يلزم من وجوده الوجود.
واحتزر بقوله: "ولا عدم لذاته" مقارنة الشرط وجود السبب فيلزم الوجود، أو وجود المانع فيلزم العدم، لكن ليس ذلك لذاته، بل لوجود السبب، فهو احتراز مما لو قارن السبب فقدان الشرط، أو وجود المانع، وذلك كالنصاب قبل تمام الحول، أو مع وجود الدين، فإنه لا يلزم من وجوده الوجود، لكن لا لذاته، بل لأمر خارج عنه، وهو انتفاء الشرط ووجود المانع، فالتقييد بكون ذلك لذاته للاستظهار على ما لو تخلف وجود المسبب مع وجدان السبب لفقد شرط أو وجود مانع، كمن به سبب الإرث، ولكنه قاتل، أو رقيق أو نحوهما، وعلى ما لو وجد المسبب مع فقدان السبب، لكن لوجود سبب آخر، كالردة المقتضية للقتل إذا فقدت ووجد قتل يوجب القصاص، أو زنا محصن، فتخلف هذا الترتيب عن السبب لا لذاته، بل لمعنى خارج.
ومثال الشرط: أن الطهارة شرط لصحة الصلاة، فيلزم من عدمها عدم صحة الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة، فإن الإنسان قد يتطهر ولا يصلي، كما أنه لا يلزم عدم لذاته؛ إذ ذات الطهارة باقية لا تنتف بعدم الصلاة. انظر: أنوار البروق في أنواع الفروق (1/ 62)، البحر المحيط (2/ 466)، شرح الكوكب المنير (1/ 452).
(2)
المراد بالبيضة هي الحديدة التي توضع على الرأس في الحرب، والتي تعرف بالخوذة. انظر: شرخ النووي (11/ 183).
(3)
أخرجه الشافعي في "الأم"(7/ 191)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6/ 403)، والأثر ضعفه البخاري كما في "الضعفاء" للعقيلي (3/ 307)، وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 403):"وفي إسناده نظر".
(4)
هذا اللفظ يذكره الشافعي كثيرًا في كتابه "الأم" ويريد به: ليس أهل العلم على هذا القول.
يحتلم، أو يبلغ خمس عشرة" (1).
وقال ابن بطال (449 هـ): "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام"(2).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد"(3)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(4).
وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل، ولا خلاف في اعتبارهما"(5). وقال ابن حجر (852 هـ): "أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (7)، والظاهرية (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل)(9).
(1) الأم (7/ 191).
(2)
شرح صحيح البخاري (7/ 640).
(3)
المغني (9/ 61).
(4)
الشرح الكبير (10/ 119).
(5)
المبدع (9/ 43).
(6)
فتح الباري (5/ 277).
(7)
انظر: المبسوط (9/ 228)، العناية شرح الهداية (5/ 269).
(8)
انظر: المحلى (10/ 216).
(9)
أخرجه أحمد (2/ 245)، والترمذي رقم (1423)، وأبو داود رقم (4403)، وأحمد (41/ 224)، وأبو داود رقم (4398)، والنسائي (رقم 3432)، وابن ماجه رقم (2041).
والحديث روي أيضًا من طرق مرسلة عن علي رضي الله عنه، وثمة طريق متصل من رواية الأعمش عن أبي ضبيان عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه، لكن اختلف أهل العلم في رفعها ووقفها، فصوب ابن حجر الوقف كما في التلخيص (1/ 328 - 331)، بينما اختار الألباني أن له حكم الرفع، فقال في الإرواء إرواء الغليل (2/ 5): "وأما حديث علي فله عنه طرق: =
وفي رواية عند أحمد بلفظ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ. . .) الحديث (1)، وعند أبي داود بلفظ:(وعن الصبي حتى يبلغ)(2).
• وجه الدلالة: دلالة الحديث ظاهرة على أن البلوغ شرط للتكليف، وأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يؤاخذ بالعقوبات الشرعية المتعلقة بحق اللَّه تعالى.
الدليل الثاني: أنه إذا سقط عنه التكليف في العبادات والمآثم في المعاصي فلأن يسقط الحد ومبناه على الدرء والإسقاط أولى (3).
الدليل الثالث: لأن الحد عقوبة محضة فتستدعي جناية محضة، وفعل الصبي لا يوصف بالجناية فلا حد عليه لعدم الجناية منه (4).
= عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: "أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسًا فأمر بها عمر أن ترجم فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان اللَّه عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم قال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين: أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقض وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى قال: فما بال هذه ترجم؟ قال لا شيء قال: فأرسلها قال: فجعل عمر يكبر)، وفي رواية: قال: أوما تذكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت قال: فخلى عنها"، رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه، وعنه ابن حبان والحاكم كلاهما بالروايتين والدارقطني بالرواية الثانية من طرق عن الأعمش عن أبي ظبيان به، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا ولا يضره إيقاف من أوقفه لأمرين: الأول: أن من رفعه ثقة والرفع زيادة فيه يجب قبولها، الثاني: أن رواية الوقف في حكم الرفع لقول علي لعمر: أما علمت، وقول عمر: بلى، فذلك دليل على أن الحديث معروف عندهم".
(1)
أخرجه أحمد (2/ 254).
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب: الحدود، باب: في المجنون يسرق أو يصيب حدًا، (4402).
(3)
انظر: الشرح الكبير (10/ 119).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 34).