الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهادتهم تكون مقبولة في ثبوت الإحصان.
ويتبيَّن مما سبق أنهم لو شهدوا بأنه قد دخل بزوجته، ولم يكن له منها ولد، فتلك مسألة أخرى غير مرادة (1). وكذا لو كان له منها ولد، ولم يشهد شهود بأنه دخل بها، فمسألة أخرى غير مرادة (2).
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لو شهدوا على الدخول وكان له منها ولد، هو محصن بالإجماع، وكفى بالولد شاهدًا"(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن وجود الولد من هذه المرأة يدل على أنه قد جامعها في قُبلها، وأن لفظ الدخول أراد به الشهود هو الجماع.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[127/ 2] حد الأمة خمسون جلدة سواء كانت وُطئت في نكاح صحيح أو لا
.
[128/ 2] حد العبد خمسون جلدة، سواء كان وَطئ في نكاح صحيح أو لا
.
[129/ 2] لا رجم على العبد والأمة، سواء حصل منهما وطء في نكاح صحيح أو لا
.
• المراد بالمسائل: إذا زنى العبد أو الأمة فإنه لا رجم على واحد منهما، سواء كانا محصنين أو لا، وسواء حصل منهما وطء في نكاح صحيح أو لا،
(1) انظر: المغني (9/ 44).
(2)
قال البهوتي فى دقائق أولى النهى (3/ 444): "ولا يثبت إحصان بولده منها أي امرأته مع إنكار وطئها؛ لأن الولد يلحق بإمكان الوطء، والإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء".
(3)
بدائع الصنائع (7/ 49).
(4)
انظر: المدونة (4/ 503)، مح الجليل (8/ 506)، التاج والإكليل (8/ 241).
(5)
انظر: روضة الطالبين (8/ 218)، أسنى المطالب (4/ 355)، مغني المحتاج (6/ 361).
(6)
انظر: المغني (9/ 44)، الشرح الكبير (10/ 164).
وحَّدهما الواجب هو نصف حد الأحرار الأبكار، وهو خمسون جلدة.
والمراد بإحصان العبد والأمة محل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المراد به الزواج، فإذا تزوجت الأمة فهي محصنة، وكذا العبد، وإذا لم يحصل الزواج لم يحصل الإحصان.
وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، وسعيد بن جبير.
القول الثاني: المراد به الإسلام.
وهو قول عبد اللَّه بن مسعود، وابن عمر، وأنس، وزر بن حُبَيْش (1)، والأسود بن يزيد (2)، وسعيد بن جُبَير، وعطاء، وإبراهيم النَّخعي (3)، والشعبي.
القول الثالث: إحصان الأمة أن تتزوج بِحُر، وإحصان العبد أن يتزوج بحرة، وهو قول مجاهد (4).
• من نقل الإجماع: قال الشافعي (204 هـ): "ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب"(5). وقال أيضًا: "ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم
(1) هو أبو مريم، زر بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلال بن جعالة بن نصر بن غاضرة الأسدي ثم الغاضري، أدرك الجاهلية ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، من كبار أصحاب ابن مسعود، عاش مائة وعشرين سنة، ومات سنة (83 هـ). انظر: الاستيعاب 2/ 563، الإصابة 2/ 633، تذكرة الحفاظ 1/ 47.
(2)
هو أبو عمرو، الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، من كبار التابعين، فقيه، زاهد، عابد، ثقة، روى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود رضي الله عنهم، وغيرهم، مات سنة (74 هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 1/ 50، صفة الصفوة لابن الجوزي 3/ 23، تهذيب التهذيب 1/ 299.
(3)
هو أبو عمران، إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، الإمام، الحافظ، فقيه العراق، كان واسع الرواية، ومفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما، وكان رجلًا صالحًا، بصيرًا بعلم ابن مسعود رضي الله عنه، قال الإمام أحمد:"كان إبراهيم ذكيًا، حافظًا، صاحب سنة"، توفي سنة (96 هـ). انظر: الطبقات الكبرى 6/ 188 - 199، تذكرة الحفاظ 1/ 70، تهذيب التهذيب 1/ 155.
(4)
انظر: الأم (1/ 308)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 517)، تفسير ابن كثير (2/ 261).
(5)
الأم (5/ 232).
على مملوك في الزنا" (1) ونقله عنه ابن كثير (2).
وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "لم يختلفوا في أن حد العبد في الزنا خمسون على النصف من حد الحر"(3). وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن الأمة المحصنة بالزواج خاصة إذا ثبت زناها كما قدمنا في الحرة وإنه ليس عليها إلا خمسون جلدة"(4).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وأجمع العلماء على أن الأمة إذا تزوجت فزنت أن عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد"(5). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "العلماء أجمعوا على أن الأمة إذا تزوجت وزنت أن حدها خمسون جلدة"(6). وقال أيضًا في كلامه على العبد: "أن المسلمين اتفقوا على تنصيف حده في الزنا، أعني أن حده نصف حد الحر"(7).
وقال الرازي (606 هـ): "اتفقوا على أن الرقيق لا يرجم، واتفقوا على أنه يجلد، وثبت بنص الكتاب أن على الإماء نصف ما على المحصنات من العذاب، فلا جرم: اتفقوا على أن الأمة تجلد خمسين جلدة"(8). وقال ابن قدامة (620 هـ): "حد العبد والأمة خمسون جلدة بكرين كانا أو ثيبين في قول أكثر الفقهاء. . . وقال أبو ثور: إذا لم يحصنا بالتزويج فعليهما نصف الحد، وإن
(1) الرسالة للشافعي (58).
(2)
انظر: تفسير ابن كثير (2/ 265).
(3)
أحكام القرآن (3/ 396).
(4)
مراتب الإجماع (130)، وقال أيضًا في "المحلى" (12/ 68):"وجاء النص وإجماع الأمة كلها على أن حد المملوكة الأنثى في بعض وجوه الجلد وهو الزنا مع الإحصان خاصة نصف حد الحر والحرة في ذلك"، وقال أيضًا في "المحلى" (12/ 170):"وجدنا الأمَّة قد اتفقت بلا خلاف من أحد منهم على أن الأمة إذا أحصنت فعليها خمسون جلدة".
(5)
الاستذكار (7/ 505)، وانظر: التمهيد (9/ 98).
(6)
بداية المجتهد (2/ 358).
(7)
بداية المجتهد (2/ 33).
(8)
مفاتيح الغيب (23/ 230).
أحصنا فعليهما الرجم. . . وجعل داود عليها مائة إذا لم تحصن، وخمسين إذا كانت محصنة. . . أما أبو ثور، فخالف نص قوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (1)، وعمل به فيما لم يتناوله النص، وخرق الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات، كما خرق داود الإجماع في تكميل الجلد على العبيد، وتضعيف حد الأبكار على المحصنات" (2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
وقال ابن القطان (628 هـ): "وأجمع العلماء أن الأمة إذا تزوجت فزنت أن عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد"(4). وقال النووي (676 هـ) في الأمة المزوجة: "وقد أجمعوا على أنها لا ترجم"(5). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة. . . وخرق أبو ثور الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات كما خرق داود الإجماع في تكميل الحد على العبد وتضعيف حد الأبكار على المحصنات"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (7).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (8).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل عقاب الإماء المحصنات نصف عقاب الأحرار، والحرة عقوبتها مائة جلدة، فيكون عقوبة الأمة نصف ذلك خمسون جلدة، وأما الحرة المحصنة فعقوبتها الرجم والرجم لا يتنصف، وذلك يدل
(1) سورة النساء، آية (25).
(2)
المغني (9/ 49 - 50).
(3)
الشرح الكبير (10/ 170 - 172).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 252).
(5)
شرح النووي (11/ 214).
(6)
المبدع (9/ 65).
(7)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 57)، العناية شرح الهداية (5/ 233).
(8)
سورة النساء، آية (25).
على أنه لا رجم على الإماء والعبيد (1).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الأمة الزانية أن تُجلد، ولم يُفرق بين كونها محصنة أو غير محصنة، وهذا إذا ثبت في حق الإماء فكذا في حق العبيد، حتى يرد الدليل على التفريق بين الذكر والأنثى، فإن الأصل في الحدود استواء الرجال والنساء حتى يرد الدليل على التفريق (3).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على أربعة أقوال: القول الأول: أن الأمة لا يُقام عليها حد الرجم وإنما تجلد خمسون جلدة، أما العبد فيُقام عليه الحد كالحر، فإن كان محصنًا رجم، وإن كان غير محصن جُلد مائة.
وبه قال ابن حزم (4).
القول الثاني: أن الأمة إذا لم تتزوج فلا حد عليها، وإنما عليها التعزير فقط، فإذا تزوَّجت فعليها نصف ما على الأحرار، خمسون جلدة.
وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبي الدرداء، وطاووس، وعطاء، وأبي عبيد، وقوَّاه ابن القيم (5).
القول الثالث: أن العبد إذا تزوج بامرأة حرة فإنه يكون محصنًا، وكذا المرأة المملوكة إذا تزوجت بِحُر، فإنها تكون محصنة، ويجب عليهما الرجم إذا زنيا.
(1) انظر: المغني (9/ 42).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2045)، ومسلم رقم (1703).
(3)
انظر: شرح النووي (11/ 201).
(4)
انظر: المحلى (12/ 181)
(5)
انظر: بداية المجتهد (2/ 358)، الاستذكار (7/ 505)، المغني (9/ 49)، زاد المعاد (5/ 39).
وهذا قول مجاهد، والأوزاعي، وبه قال الظاهرية (1).
وأخرج ابن حزم في ذلك عن مجاهد قال: "قدمت المدينة وقد أجمعوا على عبد زنى، وقد أحصن بحرة، أنه يرجم، إلا عكرمة فإنه قال: عليه نصف الحد"(2).
القول الرابع: إذا لم يحصنا بالتزوج فعليهما نصف الحد، وإن أحصنا فعليهما الرجم. وبه قال أبو ثور (3).
• دليل المخالف: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (4).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبيَّن زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (5).
• وجه الدلالة من الآية والحديث: أن الآية والحديث نصَّا على الأمة، فبقي العبد على الأصل من إقامة الحد عليه، ولو أراد اللَّه تعالى إلحاق العبد بالأمة لذكره وبيَّنه (6).
أما من قال بأنه لا حد على من لم تتزوج فاستدل بقوله تعالى في حق الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (7).
(1) انظر: المحلى (12/ 181)، المغني (9/ 42).
(2)
انظر: المحلى (12/ 181).
(3)
انظر: المحلى (12/ 181)، المغني (9/ 49 - 50)، وإن كان الطاهر عاشور نقل عن أبي ثور في هذه المسألة أنه توقف فيها حيث قال "التحرير والتنوير" (4/ 94):"وقد دلت الآية على أن حد الأمة الجلد، ولم تذكر الرجم. . . وهو مذهب الجمهور، وتوقف أبو ثور في ذلك".
(4)
سورة النساء، آية (25).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2045)، ومسلم رقم (1703).
(6)
انظر: المحلى (12/ 181).
(7)
سورة النساه، آية (25).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب الحد على الإماء المحصنات، فدل ذلك على أن غير المحصنات لا حد عليهن (1).
أما من قال بجلد المحصنة ورجم غير المحصنة فاستدل بالآية أيضًا، فإن اللَّه تعالى أوجب على المحصنات نصف ما على الحرائر، فبقي حكم غير المحصنات على الأصل وهو الرجم (2).
النتيجة:
مما سبق يتبيَّن أن ثمة ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حد الأمة خمسون جلدة سواء كانت وُطئت في نكاح صحيح أو لا، فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف في ذلك عن مجاهد، والأوزاعي، والظاهرية فيما إذا تزوَّجت بِحُرّ، ولثبوت خلاف من قال بأنه لا حد عليها إذا لم تتزوج.
وقد أشار إلى الخلاف في ذلك ابن حزم فقال: "واختلفوا في الأمة غير المحصنة عليها جلد أم لا"(3).
أما المسألة الثانية: حد العبد خمسون جلدة، سواء كان وَطئ في نكاح صحيح أو لا، فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم لثبوت الخلاف عن مجاهد، والأوزاعي، والظاهرية.
وأشار إلى الخلاف في هذه المسألة جماعة منهم ابن حزم حيث قال: "واختلفوا في العبد غير المحصن بالزواج، وفي المحصن أيضًا، إذا زنى، عليه خمسون جلدة، أم تمام المائة، والتغريب، والرجم، ومقدار التغريب، أم لا حد عليه"(4).
أما المسألة الثالثة: لا رجم على العبد والأمة، سواء حصل منهما وطء في نكاح صحيح أو لا، وسواء كانا محصنين أو غير محصنين، فهذه على قسمين:
(1) انظر: زاد المعاد (5/ 39).
(2)
انظر: زاد المعاد (5/ 39).
(3)
مراتب الإجماع (131).
(4)
مراتب الإجماع (131).