الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[35/ 1] العقل شرط لوجوب الحدود
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف العقل: العقل لغةً: العقل مفرد جمعه عقول، وهو الحِجْر والنُهى (1)، قال ابن فارس:"العين والقاف واللام: أصلٌ واحد منقاس مطرد، يدلُّ عُظْمُه على حُبْسة في الشَّيء أو ما يقارب الحُبْسة، من ذلك العَقْل، وهو الحابس عن ذَميم القَول والفِعل"(2).
وقال الخليل: "العَقْل: نقيض الجَهْل"(3).
العقل اصطلاحًا: اختلف أهل العلم من المتكلمة والأصوليين والفقهاء وغيرهم في حد العقل وموضعه على أقوال: فقيل: العقل هو علوم ضرورية (4).
والمراد بذلك أن كل من أدرك العلم الضروري الذي لا يحتاج لنظر وتفكر، ككون النار حامية مُحرقة، فإنه يسمى عاقلًا.
وقد تُعقِّب هذا التعريف من جهة أن الأعمى قد لا يدرك بعض الأمور الضرورية مع أنه يسمى عاقلًا، ولهذا قيّد بعضهم هذا التعريف بقوله:"هو صفة غريزية يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات"(5).
وقيل: العقل هو خالص الروح ولبُّها؛ لأن لب كل شيء خلاصته، وقد سمى اللَّه العقل لُبًّا في قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (6)، يعني أولي العقول.
(1) انظر: لسان العرب، مادة:(عقل)، (11/ 458).
(2)
مقاييس اللغة (4/ 69).
(3)
العين، باب: العين والقاف واللام، (1/ 159).
(4)
انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (198).
(5)
انظر: التقرير والتحبير (3/ 439)، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 309).
(6)
سورة الرعد، آية (19).
وقيل: هو غريزة للتمييز والإدراك بين حسن الأشياء وقبيحها (1).
وقيل: هو نور في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج (2).
وموجب الاختلاف في هذه التعريفات هو اختلافهم في هل العقل غريزة، أو جوهر، وهل هو ضروري، أو مكتسب.
وقد بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "العقل لا يمكن إحاطته برسم واحد، ولكن العقل يقع على أربعة معانٍ:
1 -
ضروري، وهو الذي عنَاه من قال: إنه بعض العلوم الضرورية، قلت: وهذا العقل ما يتعلق به التكليف.
2 -
غريزة تقذف في القلب، وهذا النوع ينمو بنمو الإنسان، وبه يقع الاختلاف بين الناس، فهذا بليد وذاك ذكي.
3 -
ما به ينظر صاحبه في عواقب الأمور، فلا يغتر بلذة عاجلة تعقبها ندامة.
4 -
ما يستفاد من التجارب في حياة الإنسان، وهذا ما عناه من قال:"إن العقل مكتسب"(3).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وكان حال ارتكابه لذلك فاقدًا لعقله بغير اختياره، كمجنون، أو معتوه، أو نائم، أو مغمى عليه، فإنه لا يُحد.
ويظهر مما سبق أنه لو كان ممن يُجن أحيانًا ويفيق أخرى، وكان قد ارتكب موجب الحد حال إفاقته، فذلك غير مراد.
وكذا لو كان فقده لعقله باختياره كأن كان بسكرٍ، فذلك غير مراد أيضًا.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا يقام عليه -أي المجنون-
(1) انظر: تحفة الحبيب على شرح الخطيب (1/ 309).
(2)
انظر: أصول السرخسي (1/ 347).
(3)
المسودة (499 - 450) بتصرف يسير.
في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه، بلا خلاف من الأمة" (1).
وقال ابن عبد البر (643 هـ): "وهذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه والقلم عنه مرفوع"(2).
وقال القاضي عياض (544 هـ): "أن إقرار المجنون في حال جنونه لا يلزم، وأن الحدود عنه حينئذٍ ساقطة، وهو مما أجمع عليه العلماء"(3).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما البلوغ والعقل فلا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد"(4)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(5).
وقال النووي (676 هـ): "إقرار المجنون باطل، وأن الحدود لا تجب عليه، وهذا كله مجمع عليه"(6). وقال إبراهيم ابن مفلح (884 هـ): "لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل ولا خلاف في اعتبارهما"(7).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (8).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن علي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل)(9).
الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: جاء ماعز بن مالك
(1) المحلى (11/ 250)، وقال أيضًا (12/ 264):"إجماعهم على أن من هذى فلا حد عليه ولو كفر، أو قذف".
(2)
التمهيد (23/ 120).
(3)
إكمال المعلم (5/ 265).
(4)
المغني (9/ 61).
(5)
الشرح الكبير (10/ 119)، وانظر: البحر الزخار لابن المرتضى (6/ 142) حيث قال: "ولا يحد صبي ولا مجنون إجماعًا".
(6)
شرح النووي (11/ 193).
(7)
المبدع (9/ 43).
(8)
انظر: المبسوط (9/ 228)، العناية شرح الهداية (5/ 269).
(9)
أخرجه أحمد (2/ 245)، والترمذي رقم (1423)، وأبو داود رقم (4403).