الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا محدود في الإسلام، ولا محدودة، ولا ذي غمر على أخيه)(1).
واستدل المالكية على عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب بما يلي:
الدليل الأول: أنها استرابة تقتضي الدفع عن الشهادة؛ لقوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} (2)(3).
الدليل الثاني: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: "ود السارق أن يكون الناس سراقًا، وود الزاني أن يكون الناس زناة"، وإنما كان كذلك لينفي المعرفة عن نفسه بمشاركة غيره (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود خلاف الأوزاعي، والحسن بن حي، والحنفية، والمالكية.
وما نقله ابن قدامة من إجماع الصحابة فهو من قبيل الإجماع السكوتي، واللَّه تعالى أعلم.
[206/ 3] من أقر على نفسه بالكذب فيما قذف به غيره وتاب من ذلك فقد تاب
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبت على شخص ما يوجب حد القذف، فإن توبته من ذلك الحد يكون بأمرين: الأول: أن يتوب من القذف. الثاني: هو أن يُكذِّب نفسه، بأن قذفه كان كذبًا.
(1) أخرجه أحمد (11/ 531)، وأبو داود رقم (3600)، وابن ماجه رقم (2366).
(2)
سورة البقرة، الآية:(282).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (17/ 425).
(4)
انظر: الحاوي الكبير (17/ 425)، ولم أجد تخريجًا لأثر عثمان رضي الله عنه، وإنما كذا ذكره الماوردي في الحاوي.
والمراد هنا بيان طريق التوبة من القذف، أما التوبة التي تُقبل بها الشهادة وهل يشترط معها إصلاح العمل فمسألة أخرى.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه إن أقر على نفسه بالكذب، وتاب من ذلك، أنه قد تاب"(1).
• الموافقون على الإجماع:
وافق على ذلك الحنفية (2)، والشافعية في قول (3)، والحنابلة (4).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)} (5).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سمى القاذف كاذبًا إذا لم يأت بأربعة شهداء، فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم اللَّه، وإن كان في نفس الأمر صادقًا (6).
الدليل الثاني: أن القاذف عرَّض المقذوف إلى تلويث عِرضه، وتعريضه للعار، وتكذيبه لنفسه يزيل ذلك التلويث، فتكون التوبة به (7).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: التوبة هي أن يتوب من القذف بالاستغفار وإصلاح الحال، سواء أكذب نفسه أو لا.
(1) مراتب الإجماع (135).
(2)
انظر: فتح القدير (7/ 401)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 378).
(3)
انظر: الأم (6/ 225)، مغني المحتاج (6/ 363).
(4)
انظر: المغني (10/ 192)، الإنصاف (12/ 59).
(5)
سورة النور، آية (13).
(6)
انظر: المغني (10/ 192).
(7)
انظر: المغني (10/ 192).
وهو قول المالكية (1)، واختاره ابن جرير الطبري (2).
القول الثاني: إن كان كاذبًا في قذفه فتوبته إكذاب نفسه، بأن يقول قذفي باطل، أو أنا كاذب في قذفي، ونحو ذلك، أما إن كان صادقًا فتوبته أن يقول: القذف باطل وحرام، ولن أعود إلى ما قلت، ولا يؤمر بإكذاب نفسه حينئذٍ.
وهو قول الشافعية (3)، وقول للحنابلة اختاره الموفق ابن قدامة، والمرداوي (4).
القول الثالث: أن القذف إن كان سبًا بأن صدر من الشخص قذف لغيره فالتوبة منه إن يُكذِّب نفسه، أما إن كان عن طريق الشهادة فالتوبة منه أن يقول: القذف باطل وحرام ولن أعود إلى ما قلت.
وهو وجه عند الحنابلة قال به أبو يعلى القاضي (5).
• دليل المخالف: أما المالكية القائلين بأن توبته هي إصلاح حالة فاستدلوا بظاهر الآية في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (6).
• وجه الدلالة: الآية عامة في التوبة، ولم تبيَّن طريقة التوبة بتكذيب النفس
(1) انظر: الاستذكار (7/ 107)، الذخيرة (10/ 149)، تفسير القرطبي (12/ 179).
وإن كان ابن هبيرة في "الإفصاح"(2/ 415) نقل الخلاف في المسألة ونسب إلى مالك أن التوبة هي أن يكذب القاذف نفسه، لكن المعتمد هو ما نقلتُه من كتب المالكية فهم أعلم بمذهب إمامهم، واللَّه تعالى أعلم.
(2)
تفسير ابن جرير الطبري (19/ 108).
(3)
انظر: تحفة المحتاج (10/ 241)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 324 - 325).
(4)
انظر: المغني (10/ 192)، الإنصاف (12/ 59).
(5)
انظر: المغني (10/ 192)، الإنصاف (12/ 59).
(6)
سورة النور، آية (4 - 5).