الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصغر، وذلك في مناظرته لابن المرحل (1)، حين قال ابن المرحل:"الحسن البصري يُسمي الفاسق منافقًا، وأصحابك لا يسمونه منافقًا"، فقال ابن تيمية:"بل يسمى منافقًا النفاق الأصغر، لا النفاق الأكبر"(2).
ومما سبق يتبيَّن أن الحسن البصري موافق لمذهب أهل السنة في أن مرتكب الكبيرة لا يكفر، وأن ما حكاه عنه ابن حزم وغيره بأنه خالف أهل السنة، فيه نظر، وغير دقيق، واللَّه تعالى أعلم.
[26/ 1] يصلى على كل من مات بسبب الحد، إلا المرتد
.
• المراد بالمسألة: إذا مات شخص بسبب حد من الحدود، كزان محصن مات بسبب رجمه، أو محارب قتل بسبب حرابته، أو سارق قُطعت يده فمات بسبب القطع، ونحو ذلك فإنه يصلى على كل من مات بموجب الحد، كغيره من المسلمين، ولا يستثنى من ذلك إلا من مات بموجب حد الردة.
ومما سبق ينبه إلى أمرين:
الأول: من مات بسبب حد الردة، فذلك لا يُصلى عليه لكفره، وغير داخل في المسألة.
الثاني: أن الإمام أو أهل الفضل إن تركوا الصلاة على أحد ممن مات بسبب الحد من باب التغليظ، فإن ذلك غير داخل في مسألة الباب وإنما المراد ترك الصلاة عليه مطلقًا.
(1) هو أبو عبد اللَّه، محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد، ابن المرحل، المصري، الشافعي، ويعرف في الشام بابن وكيل بيت المال، أحد الأئمة، الأعلام، أصحاب الفنون، كانت له ذاكرة عجيبة وفريدة، توفي بالقاهرة سنة (716 هـ)، ولما بلغت وفاته شيخ الإسلام ابن تيمية قال:"أحسن اللَّه عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين". انظر: شذرات الذهب 6/ 40، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 5/ 373، طبقات الشافعية الكبرى 9/ 254.
(2)
مجموع الفتاوى (11/ 140).
• من نقل الإجماع: قال ابن سيرين (110 هـ)(1): "ما أعلم أن أحدًا من أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثمًا"(2). وقال قتادة (117 هـ): "لا أعلم أحدًا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال لا إله إلا اللَّه"(3).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر"(4).
وقال القاضي عياض (544 هـ): "لم يختلف العلماء في الصلاة على أهل الفسوق والمعاصي المقتولين في الحدود"(5) ونقله عنه ابن حجر (6).
ويمكن أن يضاف إليها نقولات أهل العلم في أن مرتكب الحدود مسلم لا يَكفر بمجرد المعصية الموجبة للحد، كما سبق بيانه في مسألة:"مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة".
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنابلة (7)، والظاهرية (8).
(1) هو أبو بكر، محمد بن سيرين، البصري، التابعي، إمام في التفسير والحديث والفقه وتعبير الرؤيا، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وأدرك ثلاثين من الصحابة، وكان يحدث بالحديث على حروفه، وكان ثقة مأمونًا، كثير العلم، له اليد الطولى في تعبير الرؤيا، وكان من أورع التابعين وعبادهم، توفي بالبصرة سنة (110 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 606، طبقات الفقهاء 1/ 88، وفيات الأعيان 4/ 181.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 537)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 230)، وابن حزم في "المحلى"(3/ 401).
(3)
مصنف عبد الرزاق (3/ 536).
(4)
الاستذكار (3/ 29).
(5)
إكمال المعلم (5/ 272)، وقال أيضًا (3/ 242):"مذهب كافة العلماء الصلاة على كل مسلم ومرجوم"، ونقله عنه النووي في شرح مسلم (7/ 47).
(6)
انظر: فتح الباري (12/ 131).
(7)
انظر: المغني (9/ 44)، الفروع (2/ 253)، الإنصاف (2/ 535).
(8)
انظر: المحلى (3/ 400).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن جابر رضي الله عنه: "أن رجلًا من أسلم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى شهد على نفسه أربع مرات، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أبك جنون؟ )، قال: لا، قال: (آحصنت؟ ) قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك، فرُجم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا، وصلى عليه"(1).
الدليل الثاني: ما جاء في قصة الغامدية التي رُجمت وفيه: "فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: (مهلًا يا خالد؛ فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ثم أمر بها، فصلى عليها، ودفنت"(2).
الدليل الثالث: عن عمران بن حصين: أن امرأة من جهينة أتت نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت يا نبي اللَّه أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وليها فقال (أحسن إليها فإذا وضعت فائتني بها)، ففعل، فأمر بها نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم، فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي اللَّه وقد زنت؟ فقال: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها للَّه تعالى)(3).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع الصلاة على الذين رُجموا بسبب حد الزنا، وفي روايات لا خلاف فيها، إلا في الصلاة على ماعز فقد اختلفت الروايات هل صُلَّي عليه أو لا، ولذا قال ابن حزم بعد ذكره لهذه الأحاديث: "في هذه الآثار صلاة رسول اللَّه على الجهينية بنفسه بلا خلاف، وأمره بالصلاة
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4634).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1695).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1696).
على الغامدية بلا خلاف، وصلاته على ماعز رضي الله عنه باختلاف" (1).
الدليل الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر)(2).
الدليل الخامس: أن هؤلاء وإن كانوا أصحاب كبائر لكنهم من جملة المسلمين فهم داخلون في عموم الأحاديث الدالة على الصلاة على المسلم، وليس ثمة دليل يمنع من الصلاة عليهم، فنبقى على الأصل حتى يرد الدليل المانع من ذلك (3).
الدليل السادس: لأن من أقيم عليه الحد مسلم، لو مات قبل الحد صلي عليه فيصلى عليه بعده كذلك (4).
(1) المحلى (12/ 190).
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 57)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 19)، من طريق مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد حكم عليه الدارقطني والبيهقي بالانقطاع بين مكحول وأبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال البيهقي في سننه الكبرى (4/ 19) حيث قال:"مكحول لم يسمع من أبي هريرة ومن دونه ثقات، قال الشيخ: قد روي في "الصلاة على كل بر وفاجر والصلاة على من قال لا اله إلا اللَّه" أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما روي في هذا الباب حديث مكحول عن أبي هريرة، وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنن إلا أن فيه إرسالًا كما ذكره الدارقطني".
وكذا قال السخاوي في المقاصد الحسنة (429) أن جميع الأحاديث التي جاءت في الصلاة على كل بر وفاجر واهية لا تصح حيث قال بعد أن ذكره بعض طرقها: "وكلها واهية كما صرح به غير واحد، وبعضها في العلل لابن الجوزي، وأصح ما فيه حديث مكحول، عن أبي هريرة على إرساله".
وفي الباب أحاديث تحث على الصلاة على كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى كل من قال لا إله إلا اللَّه، لكن كلها لا تخلو من مقال، بل صرح بعض الأئمة أنه لا يثبت في هذا الباب شيء، منهم الدارقطني في سننه (2/ 57).
(3)
انظر المسألة رقم 25 بعنوان: "مرتكب الحدود لا يكفر، إلا بالردة".
(4)
المغني (9/ 44).
• المخالفون للإجماع: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يصلى على البغاة وقطاع الطريق إذا قُتِلوا حال المحاربة والبغي. وهو قول الحنفية (1).
القول الثاني: ذهب الزهري (2) إلى أنه لا يُصلى على المرجوم (3).
تنبيه: حكى ابن قدامة عن مالك القول بترك الصلاة على من قُتل في حد حيث قال: "قال مالك: لا يصلى على من قتل في حد"(4)، وهذا النقل فيه توسع في العبارة، فإن مذهب المالكية الصلاة على من قتل في حد أو قصاص، أو مظهر لكبيرة، لكن لا يصلي عليه الإمام وأهل الفضل من باب الردع، أما عموم الناس فيصلون عليهم (5).
وجاء في المدونة: "فهل يُصلَّى على المرجوم ويغسل ويكفن ويدفن؟ قال: قال مالك: نعم، إلا إن الإمام لا يصلي عليه"(6).
ولذا كان الخطابي أدقَّ في العبارة حيث قال: "وقال مالك: من قتله الإمام في حد من الحدود فلا يصلي عليه الإمام، ويصلي عليه أهله إن شاؤوا أو غيرهم"(7).
• دليل المخالف: استدل الحنفية على ترك الصلاة على البغاة وقطاع الطريق
(1) بدائع الصنائع (1/ 312) الفتاوى الهندية (1/ 159).
(2)
هو أبو بكر، محمد بن مسلم بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن شهاب الزهري القرشي، المدني، عالم الحجاز والشام، كان من أكابر الحفاظ والفقهاء، ومن أعلم الناس بالحلال والحرام، قال الشافعي:"لولا الزهري لذهبت السنن من المدينة"، ومناقبه كثيرة، حيث أجمع أهل العلم على إمامته في السنة والحديث، توفي سنة (124 هـ). انظر: شذرات الذهب 5/ 221، طبقات الشافعية 84، معجم المؤلفين 6/ 257.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 535)، وانظر: معالم السنن (1/ 309)، المجموع شرح المهذب (5/ 229 - 230).
(4)
المغني (2/ 220).
(5)
انظر: منح الجليل في شرح مختصل خليل (1/ 513 - 514).
(6)
المدونة (4/ 508).
(7)
معالم السنن (1/ 309).