الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: مسائل الإجماع العامة في مسقطات الحدود وما لا يجب به إقامة الحد
[33/ 1] درء الحدود بالشبهات
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الدرء: الدَّرء: بمعنى الدفع، يقال: دَرَأت فلانًا عنّي: أي دَفَعْته، ودفعت الحد: أي أسقطته (1)، ومنه قوله تعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} (2)، أي يدفع عنها الحدّ (3).
• ثانيًا: تعريف الشبهات: الشبهات في اللغة: جمع شبهة، وهي: الالتباس والاختلاط (4).
الشبهة في اصطلاح الفقهاء: تعددت عبارات الفقهاء في تعريف الشبهة فمنهم من عرفها بأنها: التعارض بين أدلة التحريم والتحليل (5).
ومنهم من قال إن الشبهة هي: ما يشبه الثابت، وليس بثابت (6).
ومنهم من قال بأنها: ما التبس أمره حتى لا يمكن القطع فيه أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل (7).
(1) انظر: الصحاح (2/ 52)، المحيط في اللغة (9/ 344)، تهذيب اللغة (14/ 112)، التوقيف على مهمات التعاريف (335).
(2)
سورة النور، آية (8).
(3)
تفسير البحر المحيط (1/ 211).
(4)
المصباح المنير، كتاب: الشين (159)، تاج العروس، مادة:(شبه)(36/ 413)، المعجم الوسيط (10/ 471).
(5)
انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 161)، التعريفات (165)، أنيس الفقهاء (281)، الحدود الأنيقة (77).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 36)، العناية شرح الهداية (5/ 249)، فتح القدير (5/ 260).
(7)
انظر: معجم لغة الفقهاء (257).
والحاصل أن المعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فالشبهة في الشرع شامل لكل أمر حصل فيه التباس وشك، وهي على أنواع منها:
الأول: شبهة العقد: وهو ما وجد فيه العقد صورة لا حقيقة، كالزواج بغير شهود، ونكاح المحلل.
الثاني: شبهة الفعل: ويطلق عليها شبهة الاشتباه، وهي أن يظن الحرام حلالًا فيأتيه، كمن وطئ المعتدة من طلاق الثلاث ظانًا أنها تحل له.
الثالث: شبهة في المحل: وتسمى الشبهة الحكمية، وهي أن يظن المحل محلًا مباحًا، فإذا هو ليس كذلك، كما إذا وطئ امرأة في فراشه ظانًا أنها امرأته، فإذا هي أجنبية.
الرابع: شبهة الملك: أن يملك من الشيء جزءًا يظن أن له الأخذ منه أو من أكثر منه، كسرقة الشريك من مال الشركة، أو من مال ابنه، أو كوطء الأمة المشتركة (1).
• ثالثًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد، وثبت ذلك عند الإمام، وكان لصاحب الحد شبهة يمكن أن يُدفع عنه الحد بموجبها، فكان الحد يدرأُ بتلك الشبهة.
وهنا ينبَّه إلى أن المراد هو تقرير الإجماع على عموم قاعدة "درء الحدود بالشبهات"، أما الصور التي تندرج تحت هذه القاعدة فهي محل خلاف، فثمة صور يراها بعض الفقهاء شبهة دارئة للحد، لا يراها آخرون من الشبه التي تدرأ الحدود مع اتفاق الطرفين على أن الحدود تدرأ بالشبهات، وإنما وقع اختلافهم في الصور المندرجة تحتها.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن درء الحد
(1) انظر: معجم لغة الفقهاء (257).
بالشبهات" (1) ونقله عنه ابن قدامة (2). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولا شك أن هذا الحكم، وهو درء الحد، مجمع عليه" (3).
وقال البابرتي (786 هـ)(4): "الحدود تندرئ بالشبهات بالاتفاق"(5).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الاتفاق المالكية (6).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)(7).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا)(8).
الدليل الثالث: أن الحد عقوبة كاملة فتستدعي جناية كاملة ووجود الشبهة ينفي تكامل الجناية (9).
(1) الإجماع (113).
(2)
انظر: المغني (9/ 55).
(3)
فتح القدير (5/ 217)، وقال أيضًا (5/ 249):"وفي إجماع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات كفاية"، وقال أيضًا (5/ 341):"الحدود تدرأ بالشبهات بالإجماع".
(4)
هو محمد بن محمود بن كمال الدين أحمد الرومي البابرتي، ويقال: محمد بن محمد بن محمود، الحنفي، نسبته إلى بابرتي - قرية من أعمال دجيل ببغداد -، اشتغل بالعلم ورحل إلى حلب، ثم مصر، كان قوي النفس عظيم الهمة، مهابًا، متواضعًا، وعرض عليه القضاء مرارًا فامتنع، وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول، من مصنفاته:"شرح مشارق الأنوار"، و"العناية شرح الهداية"، ولد سنة (714)، مات بمصر سنة (786) هـ انظر: الفوائد البهية 195، الدرر الكامنة 4/ 250، معجم المؤلفين 11/ 298.
(5)
العناية شرح الهداية (7/ 504)، ونقل الإجماع أيضًا الشنقيطي في "أضواء البيان"(5/ 392).
(6)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 450).
(7)
أخرجه الترمذي رقم (1424).
(8)
أخرجه ابن ماجه رقم (2545).
(9)
انظر: الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي (6/ 30).