الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث: أن القول بتداخل الحد يفضي إلى فتح باب فساد بارتكاب الزنا، والتجرؤ عليه أكثر من مرة قبل إقامة الحد عليه (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لخلاف الظاهرية، في جميع الحدود، ورواية عند الحنابلة في حد السرقة.
ويوجه كلام من حكى الإجماع أن ابن المنذر أراد الإجماع في عصره من حيث العموم، وخلاف ابن حزم جاء متأخرًا عنه، وأما كلام ابن قدامة ومن تبعه أنه لا يعلم فيه خلافًا فهو اتباع لابن المنذر في ذلك، ولعلهم لم يعتبروا خلاف ابن حزم، واللَّه تعالى أعلم.
[31/ 1] من ارتكب ما يوجب الحد وأقيم عليه، ثم ارتكبه مرة أخرى فعليه الحد ثانية
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب الحد كزنى أو سرقة، وأقيم عليه الحد، ثم ارتكب نفس الموجب لذلك الحد كزنى آخر، أو سرقة أخرى، فعليه حد آخر.
• من نقل الإجماع: وقال ابن قدامة (620 هـ): "وإن أقيم عليه الحد، ثم حدثت منه جناية أخرى، ففيها حدها، لا نعلم فيه خلافًا"(2)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والظاهرية (7).
(1) انظر: المغني (9/ 107)، المحلى (12/ 26 - 28).
(2)
المغني (9/ 56).
(3)
الشرح الكبير (10/ 141).
(4)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 255)، العناية شرح الهداية (5/ 395).
(5)
انظر: الاستذكار (7/ 549)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 167).
(6)
انظر: الأحكام السلطانية (272)، أسنى المطالب (4/ 141).
(7)
انظر: المحلى (12/ 26).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد، ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه (1).
الدليل الثاني: عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: (جيء بسارق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه) فقطع، ثم جيء به الثانية فقال:(اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فقطع فأتي به الثالثة فقال:(اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، ثم أتي به الرابعة فقال:(اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فأتي به الخامسة قال:(اقتلوه)(2).
الدليل الثالث: عن عمر بن الخطاب أن رجلًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان النبي
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2045)، ومسلم رقم (1703).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4410)، النسائي رقم (4978).
والحديث في سنده مصعب بن ثابت قال عنه الإمام أحمد: "أراه ضعيف الحديث لم أر الناس يحمدون حديثه"، وقال ابن معين "ضعيف"، وقال أبو حاتم:"صدوق كثير الغلط ليس بالقوي"، إلا أن للحديث شواهد لا تخلو من مقال، فمن أهل العلم من صحح الحديث بمجموع طرقه، كما هو قول الألباني في الإرواء (8/ 87).
وذهب آخرون إلى ضعفه كما هو قول النسائي في سننه (4892) وابن عبد البر في الاستذكار (7/ 549)، قال النسائي بعد إخراجه للحديث:"هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث".
ومن اعتبر الحديث من أهل العلم اختلفوا في تأويله فقال بعضهم هو منسوخ، وإليه ذهب الشافعي، وقيل: إنما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سرق في المرة الخامسة من باب السياسة لكثرة فساده في الأرض، وعليه حمل ابن تيمية وابن القيم الحديث على فرض ثبوته.
-صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تلعنوه؛ فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله)(1).
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: في الأحاديث السابقة دلالة على إقامة الحد ثانية على من أتى به، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد الأمة إن زنت ثانية أو ثالثة، وبقطع السارق إن تكررت سرقته، وجلَد حمارًا أكثر من مرة بسبب شربه للخمر.
• المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن من سرق وأقيم عليه الحد، ثم سرق ثانيةً نفس العين، ولم تتغير العين بأن كانت خشبًا فصارت بابًا، أو خيطًا فصارت ثوبًا، فإنه لا يُحد مرة أخرى.
أما إن كانت العين قد تغيَّرت، أو كانت عينًا أخرى فيجب الحد ثانية.
وهو قول الحنفية (2).
وذكر ابن حزم خلافًا فيمن سرق ثانية هل يُقام عليه الحد أو لا فقال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا"(3).
(1) أخرجه البخاري رقم (6398).
(2)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 219).
(3)
مراتب الإجماع (221)، ولم يذكر ابن حزم من هو المخالف، ولعله أشار بذلك إلى قول عطاء بن أبي رباح، حيث أخرج عنه ابن حزم أثرًا حاصله أن الواجب على السارق قطع يده في السرقة الأولى فقط، ثم لا يقطع منه شيء، قال ابن حزم المحلى (12/ 350):"عن ابن جريج قلت لعطاء: سرَق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه، قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال اللَّه تعالى: فَاقْطَعُوا أيْدِيَهُمَا (سورة المائدة، آية 38) ولو شاء أمر بالرجل، ولم يكن اللَّه تعالى نسيًا".
إلا أن هذا النقل عن عطاء لا يُجزم به، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ما يدل على أنه موافق للجمهور في أن من سرق ثانية قطع ثانية، فقال في مصنفه (6/ 485): "عن عبد الملك عن =