الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: مسائل الإجماع العامة في الحدود
[1/ 1] تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام
• المراد بالمسألة: من أتى حدًا من حدود اللَّه الخالصة له تعالى، ثم بلغ أمره إلى الحاكم فإن على الإمام إقامة الحد، ولا يجوز لأحد أن يشفع في إسقاط الحد عنه.
ويتبيَّن مما سبق أن الحد إن كان فيه حق للمخلوق وهو حد القذف فهذا غير مراد في المسألة (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ)"أجمع العلماء أنه من أصاب ذنبًا فيه حد أنه لا ترفعه التوبة، ولا يجوز للإمام العفو عنه إذا بلغه"(2)، وقال ابن حزم (456 هـ):"عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا عفو عن الحدود، ولا عن شيء منها بعد أن تبلغ الإمام، فإن إقامتها من السنة"، فهذا قول صاحب لا يعرف له مخالف"(3).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "السلطان لا يحل له أن يعطل حدًا من الحدود التي للَّه عز وجل، إقامتها عليه إذا بلغته، كما ليس له أن يتجسس عليها إذا استترت عنه، وبأن الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وإن كانت الحدود
(1) سيأتي في باب القذف مسألة أن حد القذف لا يُقام إلا بطلب المقذوف، حتى لو ثبت عند الحاكم ولم يطالب المقذوف بالحد فإنه لا يُقام، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، وسيأتي بيان المسألة مفصَّلة بأدلتها مع من نقل الإجماع، والمخالفين في المسألة رقم 213 بعنوان:"لا يقام الحد إلا بطلب المقذوف".
(2)
شرح صحيح البخاري (8/ 242).
(3)
المحلى (12/ 266).
فيها واجبة إذا لم تبلغ السلطان، وهذا كله لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء" (1) ونقله عنه أبو الطيب (2)(3).
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وأجمعوا على أنه -يعني الحد- إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه"(4). وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(5) وابن قاسم (1392 هـ)(6).
وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ)(7)"تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، فيَحْرُم على الشافع وعلى المُشَفَّع، وهذا لا يخُتلَف فيه"(8) نقله عنه العراقي (9)(10). وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على تحريم الشفاعة
(1) الاستذكار (7/ 540).
(2)
هو أبو الطيب، محمد بن علي بن مقصود الصديقي، من بلدة عظيم آباد في الهند، ولد بها، وجمع مكتبة حافلة بالمخطوطات من مصنفاته:"عون المعبود في شرح سنن أبي داود"، و "غاية المقصود"، توفي سنة (1329) هـ. انظر: معجم المؤلفين 11/ 64، الأعلام 6/ 301.
(3)
انظر: عون المعبود لأبي الطيب (12/ 22).
(4)
المغني (9/ 220).
(5)
الشرح الكبير (10/ 289 - 290).
(6)
حاشية الروض المربع (7/ 371).
(7)
هو أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي، المالكي، فقيه، محدث، من كتبه:"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"، و"اختصار صحيح البخاري"، ولد بقرطبة سنة (578 هـ)، وتوفي بالاسكندرية سنة (656 هـ). انظر: العبر في خبر من غبر 5/ 278، الأعلام 1/ 186.
(8)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس القرطبي (5/ 78).
(9)
هو أبو الفضل، عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن إبراهيم العراقي الكردي، المعروف بزين الدين العراقي، شافعي المذهب، حافظ عصره، اشتغل بعلم القراءات، والفقه، والحديث، والهيتمي، ولي قضاء المدينة نحو ثلاث سنين ثم عاد للقاهرة، من مصنفاته:"تخريج أحاديث الإحياء"، و"طرح التثريب"، وغيرها، ولد في القاهرة سنة (725) هـ، وتوفي بها سنة (806) هـ انظر: إنباء الغمر بأنباء العمر لابن حجر 5/ 170، شذرات الذهب 7/ 55، معجم المؤلفين 5/ 204.
(10)
انظر: طرح التثريب للعراقي (8/ 34).
في الحد بعد بلوغه إلى الإمام" (1).
وقال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل الحد، مال سحت خبيث"(2). وقال الشوكاني (1250 هـ): "العفو بعد الرفع إلى الإمام لا يسقط به الحد، وهو مجمع عليه"(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (4).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (5) الآية بأن المراد عدم الرأفة بإسقاط الحد (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن الرأفة عند إقامة الحد، ومن الرأفة تعطيل ذلك الحد، كما فسر مجاهد (7)، وسعيد بن جُبَيْر، وعطاء بن أبي رباح (8).
(1) شرح النووي (11/ 186).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 303)، وانظر: الصارم المسلول (1/ 425).
(3)
نيل الأوطار (7/ 155).
(4)
البحر الرائق لابن نجيم (5/ 2)، حاشية ابن عابدين (4/ 3).
(5)
سورة النور، الآية:(2).
(6)
انظر: تفسير ابن جرير الطبري (19/ 91)، تفسير ابن كثير (6/ 7).
(7)
هو أبو الحجاج، مجاهد بن جبير المخزومي مولاهم، المكي، الثقة، التابعي، العالم، المقرئ، المفسر، الفقيه، الحافظ للحديث، أخذ التفسير عن ابن عباس وقرأه عليه ثلاث مرات، يقف عند كل آية يسأله عن نزولها وفقهها، توفي سنة (104) هـ انظر: التاريخ الكبير 7/ 411، طبقات الفقهاء 1/ 69، سير أعلام النبلاء 4/ 449.
(8)
هو أبو محمد، عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم بن صفوان اليماني، القرشي الفهري بالولاء، مفتي أهل مكة، ومحدثهم، نشأ بمكة، وكان من كبار التابعين وساداتهم، ومن أجلاء الفقهاء ومن أوعية العلم وأئمة الدنيا، ومن كبار الزهاد والعباد، ومع بين العلم والعمل والإتقان، عمي في آخر عمره، ولد بالجَنَد -بلدة في اليمن- سنة (27 هـ)، وتوفي سنة (114 هـ). انظر: =
الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم (1): "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد (2) حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتي بها رسول صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، فإذا سرق فيهم الضعبف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (3).
• وجه الدلالة: الحديث دليل على تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تلون وجهه حين طُلبت منه الشفاعة، وبيَّن حرمة ذلك على الشريف والوضيع.
= الطبقات الكبرى 2/ 386، التعديل والتجريح 3/ 1001، لسان الميزان 9/ 371.
(1)
هي أم عبد اللَّه، عائشة بنت أبي بكر الصديق، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع، وهي من أفضل الأمة علمًا وفقهًا ودينًا، برأها اللَّه من الزنا، وكانت أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، والأحاديث في فضائلها مشهورة، توفيت في رمضان سنة (57 هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1881، الإصابة 4/ 359، أعلام النساء لعلي التوفر 2/ 760.
(2)
هو أبو زيد، أسامة بن زيد بن حارثة، حِب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومولاه وابن مولاه، كان أسود البشرة، خفيف الروح، شجاعًا، رباه النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبه، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، كان ممن اعتزل الفتنة بعد موت عثمان، مات في آخر خلافة معاوية، سنة (54 هـ). انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 61، أسد الغابة لابن حجر 1/ 79، الإصابة 1/ 49.
(3)
أخرجه البخاري رقم (3288)، ومسلم رقم (1688).
الدليل الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه فقد ضاد اللَّه في أمره)(1).
الدليل الرابع: عن عمرو بن شعيب (2) عن أبيه (3) عن جده رضي الله عنه (4) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود قبل أن تأتوني به، فما أتاني من حد فقد وجب)(5).
(1) أخرجه أحمد (9/ 283)، وأبو داود، رقم (3597)، وسكت عنه المنذري، قال الحاكم في "المستدرك" (2/ 32):"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وصححه كذلك الألباني كما في "صحيح الترغيب والترهيب"(2/ 168). وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا على ابن عمر (6/ 462)، وصححه أبو حاتم موقوفًا كما في "العلل" لابن أبي حاتم (5/ 360)، وكذا صحح ابن حجر الموقوف فقال في "الفتح" (19/ 202) بعد ذكره لرواية أبي داود المرفوعة:"وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر أصح منه عن ابن عمر موقوفًا".
(2)
هو أبو إبراهيم، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص السهمي، تابعي صغير مشهور، مختلف فيه توثيقه وتضعيفه، والأكثر على أنه صدوق في نفسه، وحديثه عن غير أبيه عن جده قوي، قال البخاري:"رأيت أحمد وعليًا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجرن به"، مات سنة (118 هـ). انظر: الثقات للعجلي 2/ 177، الجرح والتعديل 6/ 238، سير أعلام النبلاء 5/ 165.
(3)
شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص القرشي، روى عن جملة من الصحابة كجده عبد اللَّه بن عمرو، وعبادة بن الصامت، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم، ولم يذكر أهل التراجم له سنة ولادة أو وفاة. انظر: الثقات لابن حبان 4/ 357، تهذيب الكمال 12/ 534، تهذيب التهذيب 4/ 311
(4)
هو أبو محمد، عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بن وائل بن السهمي، صحابي، اشتهر بالعلم، والعبادة، قال أبو هريرة رضي الله عنه:"ما كان أحد أحفظ لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد اللَّه بن عمرو" كان اسمه العاص، فلما أسلم غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لعبد اللَّه، أسلم بعد سنة سبع، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المغازي، توفي سنة (65 هـ). انظر: الطبقات الكبرى 4/ 8، الإصابة 2/ 351، تهذيب التهذيب 5/ 337.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (538)، والنسائي، رقم (4885). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 424) ثم قال:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وصححه الذهبي في تعليقه على =
الدليل الخامس: عن صفوان بن أمية رضي الله عنه (1) أنه: سُرقت خميصته (2) من تحت رأسه وهو نائم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ اللص، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
= المستدرك، وقال ابن حجر في الفتح (19/ 202):"سنده إلى عمرو بن شعيب صحيح"، وحسَّنه الألباني كما في "صحيح الجامع الصغير وزياداته"(1/ 568). وضعفه ابن حزم كما في "المحلى"(12/ 56 - 57)؛ لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقد اختلف أهل العلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فمنهم من جعله من أصح الأسانيد كما قال إسحاق بن راهويه:"إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما"، نقله ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 86)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(5/ 176)، وغيرهم. ومنهم من ضعفه كما قال يحيى بن سعيد:(حديثه عندنا واه)، كما نقله المزي في "تهذيب الكمال"(68/ 22)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(5/ 166)، وإلى الضعف ذهب ابن حزم كما في "المحلى" (1/ 207). قال الألباني في الإرواء (1/ 266):"والحق الوسط وهو أنه حسن الحديث، وقد احتج بحديثه جماعة من الأئمة المتقدمين كأحمد، وابن المديني، وإسحاق، والبخاري، وغيرهم". قال الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 59): "فعمرو له ثلاثة أجداد: محمد، وعبد اللَّه، وعمرو بن العاص، فمحمد تابعي، وعبد اللَّه، وعمرو صحابيان، فإن كان المراد بجده محمدا فالحديث مرسل؛ لأنه تابعي، وإن كان المراد به عمرو، فالحديث منقطع؛ لأن شعيبًا لم يدرك عمرًا، وإن كان المراد به عبد اللَّه فيحتاج إلى معرفة سماع شعيب من عبد اللَّه، وقد ثبت في "الدارقطني" وغيره بسند صحيح سماع عمرو من أبيه شعيب، وسماع شعيب من جده عبد اللَّه". وللاستزادة في الكلام عن سند عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. انظر: الثقات للعجلي (2/ 177)، الجرح والتعديل (6/ 238)، الضعفاء للبخاري (101)، الضعفاء للعقيلي (3/ 273)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 227)، الكاشف (2/ 79)، سير أعلام النبلاء (5/ 165)، تهذيب التهذيب (8/ 43).
(1)
هو أبو وهب، صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أسلم بعد حنين، ثم شهد اليرموك، كان شريفًا جليلًا، هو أحد المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامه منهم، وكان من أفصح قريش لسانًا، ومات بمكة منة (42 هـ). انظر: تهذيب التهذيب 4/ 424، الإصابة 2/ 187، شذرات الذهب 1/ 52.
(2)
الخميصة هي نوع من الثياب لها أعلام، قد يكون من الصوف، وقد يكون من الخز. انظر: شرح السنة (2/ 432)، شرح النووي (14/ 98).
فأمر بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته)(1).
وفي رواية لأبي داود والنسائي بلفظ: قال صفوان: فأتبته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا، أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال:(فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به)(2).
• وجه الدلالة: أن صفوان أراد أن يرجع عن طلبه بالحد، فبيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر إذا بلغ الإمام فلا يمكن إبطاله، ولو بتنازل صاحب الحق.
الدليل السادس: أن الحدود حق للَّه تعالى، والإمام إنما هو نائب عن اللَّه تعالى في الاستيفاء، ومكلَّف بأخذ حقه تعالى بالحد (3).
الدليل السابع: أن قبول الشفاعة في الحدود يفضي إلى إبطال الحدود جملة، أو إبطالها عن الشريف وأصحاب الوجاهة، وتخصيصها بالوضعاء الفقراء، وهو ما حذر منه صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها السابق (4).
(1) أخرجه أحمد (24/ 15)، والنسائي رقم (4884).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4394)، والنسائي رقم (4883)، وأخرجه ابن ماجه، رقم (2595) بلفظ قريب منه. والحديث ضعفه ابن حزم حيث قال في "المحلى" (12/ 57):"وأما حديث صفوان فلا يصح فيه شيء أصلًا؛ لأنها كلها منقطعة؛ لأنها عن عطاء، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وابن شهاب، وليس منهم أحد أدرك صفوان. ووافقه عبد الحق حيث قال: "لا أعلمه يتصل من وجه صحيح". لكن صححه آخرون من رواية طاووس، فقد أشار ابن عبد البر في التمهيد (11/ 219) إلى احتمال اتصالها من جهة أن سماع طاووس من صفوان محتمل؛ لأن طاووسًا أدرك عثمان رضي الله عنه، وقال: أدركت سبعين شيخًا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وأخرج الحاكم في "المستدرك" (4/ 422) الحديث من رواية طاووس عن عباس رضي الله عنه، وهذه الرواية سالمة من الانقطاع، ثم قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وصححه الذهبي في تعليقه على المستدرك، قال الألباني في "إرواء الغليل" (7/ 347): "وهو كما قالا، ولكني أتعجب منهما كيف لم يصححاه على شرط الشيخين".
(3)
انظر: المبسوط (9/ 197).
(4)
انظر: المرجع السابق.
• المخالفون للإجماع: حكى العراقي في المسألة خلافًا عن الأوزاعي (1) فقال: "وحُكي عن الأوزاعي جواز الشفاعة، والحديث حجة عليه، كذا قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي، والذي حكاه غيره عن الأوزاعي جواز الشفاعة قبل بلوغ الإمام، كذا حكاه عنه الخطابي (2) "(3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم وجود المخالف فيها.
وأما ما حكي عن الأوزاعي من الخلاف فليس محل جزْم، بل حُكي عنه موافقة الجمهور، وهو الأقرب؛ لأن من حكى عنه موافقة الجمهور أكثر كما هو ظاهر كلام العراقي.
وعلى فرض صحة النقل عن الأوزاعي في المسألة فإنه يكون من قبيل الشاذ الذي لم يتابع عليه، ولا يعضده نص، واللَّه تعالى أعلم.
(1) هو أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو بن محمد بن عمرو الأوزاعي، الشامي، أحد أئمة الدنيا في عصره، الفقيه، المحدث، من تابعي التابعين، كان ثقة كثير الحديث، وأجمع العلماء على إمامته وجلالته وعلو مرتبته وكمال فضله، توفي في بيروت سنة (157) هـ. انظر: البداية والنهاية 10/ 115، تهذيب التهذيب 6/ 238.
(2)
هو أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي، الشافعي، البستي، الإمام في الفقه والحديث واللغة، وهو من أهل بست، ومن نسل زيد بن الخطاب، كان من أوعية العلم، وكان زاهدًا ورعًا أديبًا، وله شعر حسن، ومؤلفات عدة منها:"معالم السنن في شرح سنن أبي داود"، و"أعلام السنن في شرح صحيح البخاري"، توفي في بست سنة (388) هـ. انظر: معجم المؤلفين (1/ 166)، طبقات الشافعية (2/ 218).
(3)
طرح التثريب (8/ 34)، وحكى ابن قدامة في "المغني"(9/ 51) عن الحسن البصري "أن السيد له العفو عن مملوكه". إلا أنه لم يبين هل هذا خاص بما إذا كان قبل بلوغ الإمام، أم هو عام ولو بعد بلوغ الإمام، ولذا لم أجعل هذا القول من الخلاف في المسألة، وإنما أشرت إليه هنا حتى يُتَيقَّن من قول الحسن.