الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة، واللَّه تعالى أعلم.
[270/ 5] من وجب عليه حق وهو قادر على آدائه وامتنع عن ذلك فللإمام تعزيره بالحبس والضرب
.
• المراد بالمسألة: إذا كان لشخص غرماء يطالبونه بأموال لهم، وهو موسِر، قادر على أداء دينه، فأراد الغرماء أموالهم، وأبى أن يعطيهم ذلك، فإن للإمام معاقبته بالحبس والضرب حتى يؤدي ما عليه.
ويتبين مما سبق أن المدين إن كان مُعسِرًا أو ادعى الإعسار، فإنه غير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "من وجب عليه حق وهو قادر على أدائه وامتنع من أدائه فإنه يعاقب بالضرب والحبس مرة بعد مرة حتى. . . وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. . . وقد ذكر هذه المسألة الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ولا أعلم فيه خلافًا"(1).
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "ويجب حبس من عليه الحق للإيفاء اجماعًا"(2) ونقله عنه الشوكاني (3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (4)، والشافعية (5)، والمالكية (6).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
(1) مجموع الفتاوى (30/ 37).
(2)
البحر الزخار (6/ 138).
(3)
انظر: نيل الأوطار (7/ 180).
(4)
انظر: تبيين الحقائق (5/ 200)، العناية شرح الهداية (9/ 275).
(5)
انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل (6/ 615)، شرح مختصر خليل (5/ 277).
(6)
انظر: أسنى المطالب (2/ 187)، حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 356).
قال: (مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على ملي فليتْبع) متفق عليه (1).
الدليل الثاني: عن الشريد بن سويد رضي الله عنه (2) عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لَيُّ الواجد (3) يُحِل عرضه وعقوبته) (4).
• وجه الدلالة: في الحديث الأول بيان أن مماطلة الغني الذي يستطيع قضاء الناس أموالهم نوع من الظلم، وهذا الظلم يبيح للإمام عقوبته عليه، والسجن عقوبة تعزيرية، يُمكن بها أن يرتدع المدين ويرُد الأموال للغرماء (5).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من امتنع من أداء الناس أموالهم وهو قادر على ذلك فإنه لا يجوز حبسه، وإنما يباع ماله، ويُعطى الغرماء أموالهم. وهو قول عمر بن عبد العزيز، وعبد اللَّه بن جعفر، والليث بن
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2166)، ومسلم رقم (1564).
(2)
هو الشريد بن سويد الثقفي، من الطائف، شهد بيعة الرضوان، كان اسمه مالكًا، فسمي الشريد؛ لأنه شرد من المغيرة بن شعبة لما قتل رفقته الثقفيين، لم تُذكر له سنة وفاة. انظر: الاستيعاب 2/ 708، الإصابة 3/ 340، تهذيب الهذيب (4/ 292).
(3)
اللَّي: هو المطل والتأخر، أما الواجد: فهو الموسر القادر. انظر: شرح النووي (10/ 227)، مجموع الفتاوى (30/ 23).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه معلَّقًا.
ووصله أحمد (29/ 456)، وأبو داود رقم (3628)، والنسائي رقم (4689)، وابن ماجه رقم (2427).
والحديث صححه جمع من أهل العلم، فقال الحاكم في "المستدرك" (4/ 114):"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وقال الذهبي في تعليقه: "صحيح"، وقال ابن الملقن في "البدر المنير" (6/ 656):"هذا الحديث صحيح"، وقال ابن كثير في "تحفة الطالب" (363):"هذا إسناد جيد"، وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (2/ 824):"بإسناد صحيح"، وقال ابن حجر في "فتح الباري" (5/ 62):"إسناده حسن"، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح"(3/ 578).
(5)
انظر: العناية شرح الهداية (9/ 275)، أسنى المطالب (2/ 187).
سعد، وبه قال الظاهرية (1).
• دليل المخالف: استدل من منع الحبس بما يلي:
الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(تصدقوا عليه) فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لغرمائه:(خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)(2).
• وجه الدلالة: في الحديث بيان أن من عليه دين فإنه يُعطى الغرماء مما عنده من المال، ولا يُشرع حبسه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحبس الأنصاري بسبب دينه (3).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم، فإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع) متفق عليه (4).
• وجه الدلالة: أن فعل الدائن القادر على السداد ظلم، فيجب ردعه عن ظلمه، وذلك ببيع شيء من متاعه مما يُمكن به سداد الناس أموالهم (5).
الدليل الثالث: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "حبس الرجل في السجن بعد ما يعرف ما عليه من الدين ظلم"(6).
• وجه الدلالة: أن حبس الدائن فيه ظلم للغرماء لأنهم لا يستفيدون من ذلك فحبسه قد لا ينفع في سداد ديونهم، وظلم للمدين من جهتين:
(1) انظر: المحلى (6/ 475).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1556).
(3)
انظر: المحلى (6/ 475).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2166)، ومسلم رقم (1564) قريبًا.
(5)
انظر: المحلى (6/ 475).
(6)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(6/ 375).
الأول: أنه معارض لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} (1).
الثاني: أن الحبس يؤدي إلى ترك الجمعة والجماعة، والإنسان مأمور بحضورهما (2).
الدليل الرابع: أن الحبس على الدَّين ليس له دليل شرعي، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلفاء الراشدين، كما قال ابن القيم:"ولم يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم طول مدته أحدًا في دين قط، ولا أبو بكر بعده، ولا عمر، ولا عثمان رضي الله عنهم، وقد ذكرنا قول علي رضي الله عنه"(3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن عمر بن عبد العزيز، وعبد اللَّه بن جعفر، والليث، والظاهرية، واللَّه تعالى أعلم.
(1) سورة الملك، آية (15).
(2)
انظر: المحلى (6/ 475 - 476).
(3)
الطرق الحكمية (57).