الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دمه، وماله، وعرضه) (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن حرمة العرض لكل مسلم، ولم يُفرِّق بين العبد وغيره (2).
الدليل الرابع: أنه مروي عن ابن عمر رضي الله عنه، حيث سُئل عن رجل قذف أم ولد لرجل؟ فقال ابن عمر:"يضرب الحد صاغرًا"(3).
الدليل الخامس: أن العبد يُقام عليه حد الزنا إذا ارتكبه، فكذا يُحد له القاذف بالزنا، كالحر (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت خلاف الظاهرية.
ومن نقل الإجماع في المسألة لعله لم يعتبر الخلاف في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[187/ 3] لا حد على قاذف المكاتب، وأم الولد
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف المكاتب: المكاتبة هي معاقدة بين العبد وسيِّده، وذلك بأن يُكاتب الرقيق سيَّده على أن يبذل له مالًا منجَّما على فترات، فإذا أدى إليه جميع المال عتق العبد (5).
ثانيًا: تعريف أم الولد: المراد بأم الولد، هي الأمة التي يكون لها ولد من سيِّدها في ملكه (6).
ثالثًا: صورة المسألة: إذا قذف شخص آخر بالزنا، وكان المقذوف مكاتبًا
(1) صحيح مسلم رقم (2564).
(2)
انظر: المحلى (12/ 232).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7/ 439)، قال ابن حجر في "فتح الباري"(12/ 192)"إسناده صحيح".
(4)
انظر: الحاوي في فقه الشافعي (13/ 255).
(5)
انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 192)، المغني (10/ 333).
(6)
انظر: شرح حدود ابن عرفة (526)، المغني (10/ 411).
لم يؤد جميع ما عليه إلى سيَّده، أو كانت أم ولد لسيدها، فإنه لا يقام حد القذف على القاذف؛ لأن من شرط المقذوف أن يكون حرًا.
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه، لكن يعزر قاذفه، لأن العبد ليس بمحصن، وسواء في هذا كله من هو كامل الرق، وليس فيه سبب حرية، والمدبر، والمكاتب، وأم الولد، ومن بعضه حر، هذا في حكم الدنيا"(1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "ولو قذف مكاتبًا مات وترك وفاء لا حد عليه، لتمكن الشبهة في شرط الحكم، وهو الإحصان لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في أنه مات حرًا أو عبدًا، فأورث شبهة في إحصانه، وبه يسقط الحد ولا يعلم فيه خلاف بين من يعتبر الحرية من الإحصان"(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (3)، والحنابلة (4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما سبق من الأدلة التي تدل على أن العبد لا يُحد قاذفه، وأم الولد هي أمة غير حرَّة، وكذا المكاتب له أحكام العبد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(المكاتب عبد ما بقي عليه درهم)(5).
(1) شرح النووي (11/ 132).
(2)
فتح القدير (5/ 338).
(3)
انظر: التاج والإكليل (8/ 404)، مواهب الجليل (6/ 302).
(4)
انظر: المغني (9/ 84)، الإنصاف (7/ 500).
(5)
أخرجه أبو داود، كتاب: العتق، باب: في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، رقم (3926)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وقد سبق الكلام على هذا السند.
والحديث حسَّنه النووي في روضة الطالبين (8/ 488)، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير"(9/ 742)، وحسَّن إسناده ابن حجر في "بلوغ المرام"(427)، وكذا حسَّنه الألباني في "إرواء الغليل"(6/ 119).
وقد روي هذا موقوفًا على عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم أخرجه البخاري في صحيحه (2/ 905) معلقًا بصيغة الجزم.
قال الخطابي: "أجمع عامة الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في جنايته والجناية عليه"(1).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن من قذف المكاتب، أو أم والولد وجب عليه الحد.
وبه قال الظاهرية (2)، وهو رواية عند الحنابلة في أم الولد (3).
• دليل المخالف: أما الرواية عند الحنابلة بإيجاب الحد على قاذف أم الولد فاستدلوا بما يلي: الدليل الأول: أنه مروي عن ابن عمر رضي الله عنه، حيث سُئل عن رجل قذف أم ولد لرجل؟ فقال ابن عمر:"يضرب الحد صاغرًا"(4).
الدليل الثاني: أن قذف أم الولد قذفٌ لولدها الحر، وفيها معنى يمنع بيعها، فأشبهت الحرة (5).
وأما الظاهرية الذين أوجبوا الحد على قاذف المكاتب فاستدلوا بما سبق من أدلة إيجاب الحد على من قذف العبد (6).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الظاهرية، واللَّه تعالى أعلم.
(1) معالم السنن (4/ 37)، وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (7/ 541) بعد ذكره لحديث (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم):"ولم أعلم أحدًا روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمرو وعلى هذا فُتيا المفتين"، وقال القرطبي في تفسيره (12/ 248):"وروي ذلك عن ابن عمر من وجوه، وعن زيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة، لم يختلف عنهم في ذلك رضى اللَّه عنهم".
(2)
المحلى (12/ 232).
(3)
انظر: المغني (10/ 425)، الإنصاف (7/ 500).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 439).
(5)
انظر: المغني (10/ 425).
(6)
انظر المسألة السابقة رقم 186 بعنوان: "لا حد على قاذف العبد ولا قاذف الأمة".