الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هلك عمر" (1).
الدليل الثالث: أن في إقامة الحد على الحبلى تعريض لولدها للهلاك، وحملها له حق وحرمة، ولا يجوز قتله تبعًا لأمه لعموم قوله تعالى:{وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2)(3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[134/ 2] إذا كانت المرأة الزانية حاملًا، فإنه لا يُقام عليها الحد حتى تفطم ولدها
.
• صورة المسألة: إذا ثبت على امرأة الزنا، وكانت حاملًا، فإنه يجب على الإمام عدم إقامة الحد عليها حتى تضع حملها، وتفطم ولدها، ما لم يمُت الولد.
فإن مات الولد قبل ذلك لم يجب ترك المرأة حتى وقت تمام الفطام.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "واتفقوا أنها إن حملت من زنا. . . أن تمام فطامها لِما تضع وقت لإقامة الحد عليها، ما لم يمت الولد قبل ذلك"(4). وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنها إن حملت من زنا. . . أن تمام فطامها وقت لإقامة الحد عليها، ما لم يمت الولد قبل ذلك"(5).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية في رواية (6) وهو قول
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 558)، عبد الرزاق في "المصنف"(8/ 227)، والدارقطني في "السنن"(3/ 322)، وسعيد بن منصور في "السنن"(2/ 67)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 443)، من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخ لهم عن عمر، وضعَّفه ابن حزم في "المحلى" (10/ 132) فقال:"وهذا أيضًا باطل؛ لأنه عن أبي سفيان وهو ضعيف، عن أشياخ لهم وهم مجهولون".
(2)
سورة الأنعام، آية (164).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 59).
(4)
مراتب الإجماع (131).
(5)
الإقناع (2/ 245).
(6)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 175)، العناية شرح الهداية (5/ 245)، البحر الرائق (5/ 11).
المالكية (1)، والشافعية (2)، والحنابلة (3).
إلا أن الجميع قيَّد ذلك بحد الرجم إذا لم يوجد للطفل من يقوم على تربيته ورضاعه.
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (4).
الدليل الثاني: ما أخرجه ابن ماجه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة إذا قتلت عمدًا لا تُقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملًا، وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها، وحتى تكفل ولدها)(5).
(1) انظر: المدونة (4/ 515)، شرح مختصر خليل (8/ 84)، حاشية الدسوقي (4/ 322).
(2)
أسنى المطالب (4/ 39)، الحاوي الكبير (12/ 117)، تحفة المحتاج (9/ 118).
(3)
انظر: المغني (9/ 47 - 48)، كشاف القناع (6/ 82)، الشرح الكبير (10/ 133).
(4)
أخرجه مسلم رقم (1695).
(5)
أخرجه ابن ماجه رقم (2694)، من طريق "محمد بن يحيى حدثنا أبو صالح عن ابن لهيعة عن ابن أنعم عن عبادة بن نسى عن عبد الرحمن بن غنم حدثنا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهم".
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة"(2/ 85): "هذا إسناد فيه ابن أنعم، واسمه عبد الرحمن بن زياد، وهو ضعيف، وكذا الراوي عنه عبد اللَّه بن لهيعة".
وقال الألباني في إرواء الغليل (7/ 282): "هذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء: أبو صالح =
الدليل الثالث: أنه لما أُخِّر الاستيفاء من الحامل لحفظ الولد وهو حمل جنين في بطن أمه، فلأن يؤخر لحفظه بعد وضعه أولى (1).
• المخالفون للإجماع: اتفق الفقهاء على أن الحامل لا يُقام عليه الحد على تضع حملها، ثم اختلفوا فيما بعد ذلك على أقوال:
القول الأول: إن كان الحد رجمًا فإنه يُقام عليها الحد بعد الولادة، إن وُجد لصبيِّها من يقوم بتربيته ورضاعه، فإن لم يوجد فإنه يؤخر عنها الحد حتى تفطم ولدها. وإن كان جلدًا فإنه لا يُقام عليها الحد حتى تضع وتطهر من نفاسها.
وهو قول الحنفية (2) والشافعية (3)، والحنابلة (4).
إلا أن الشافعية والحنابلة قالوا: بأنه لا يقام عليها حد الرجم بعد الولادة حتى تسقي الولد اللبأ، وهو أول الحليب، لأنه أجود غذاء المولود، ويتضرر الولد بتركه تضررًا كثيرًا، حتى قيل إنه لا يعيش إلا به، بل قال إبراهيم ابن مفلح:"حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ: بغير خلاف نعلمه"(5)، ولم يشترط الحنفية ذلك.
القول الثاني: كالقول الأول، إلا إن كان الحد جلدًا فإنها تُجلد، ولا ينتظر حتى تطهر من نفاسها، وهو قول المالكية (6)، وبعض الحنابلة (7).
= وهو عبد اللَّه بن صالح كاتب الليث، وابن لهيعة: عبد اللَّه وابن أنعم، واسمه عبد الرحمن ابن زباد بن أنعم".
(1)
انظر: روضة الطالبين (7/ 94)، المغني (8/ 271).
(2)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 175)، العناية شرح الهداية (5/ 245)، البحر الرائق (5/ 11).
(3)
أسنى المطالب (4/ 39)، الحاوي الكبير (12/ 117)، تحفة المحتاج (9/ 118).
(4)
انظر: المغني (9/ 47 - 48)، كشاف القناع (6/ 82)، الشرح الكبير (10/ 133).
(5)
المبدع (8/ 286).
(6)
انظر: المدونة (4/ 515)، شرح مختصر خليل (8/ 84)، حاشية الدسوقي (4/ 322).
(7)
المغني (9/ 48)
القول الثالث: إن وضعت المرأة الحمل فيُقام عليها حد الرجم، حتى لو لم تجد من يَكفل الطفل ويرعاه. وهو وجه عند الشافعية (1).
• دليل المخالف: استدل من قال بإقامة حد الرجم على المرأة إن وُجد من يَكفل الولد بقصة الغامدية في حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول اللَّه طهرني، فقال:(ويحك، ارجعي فاستغفري اللَّه وتوبي إليه)، فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال:(وما ذاك؟ )، قالت: إنها حبلى من الزنا، فقال:(آنت؟ )، قالت: نعم، فقال لها:(حتى تضعي ما في بطنك)، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضَعَت الغامدية، فقال:(إذا لا نرجمها وندع لها ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه) فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي اللَّه، قال: فرجمها" (2)(3).
(1) روضة الطالبين (7/ 94)، ونسبه النووي في شرحه لمسلم (11/ 202) إلى أبي حنيفة ومالك، لكن المذهب عند الأحناف والمالكية هو ما سبق بيانه.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1695).
(3)
وظاهر هذه الرواية يعارض رواية أنه لم يرجمها إلا بعد الفطام، فقيل هما قصتان مختلفتان، وقال النووي شرحه على صحيح مسلم (11/ 202): "قوله: (لما وضعت قيل: قد وضعت الغامدية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلى رضاعه يا نبي اللَّه قال فرجمها).
وفي الرواية الأخرى: (أنها لما ولدت جاءت بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: يا نبي اللَّه هذا قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فرجموها):
فهاتان الروايتان ظاهرها الإختلاف فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز، والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة، ويجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية؛ لأنها قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة، فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى: (قام رجل من =