الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما أتى ماعز بن مالك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت)، قال: لا يا رسول اللَّه، قال: (أنكتها)، لا يكني، قال فعند ذلك أمر برجمه"(1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفسر من ماعز هل أنزل أم لم ينزل؟ فدل على أن الإنزال ليس بشرط في اعتبار الزنا.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[67/ 2] من زنى بخالته أو بحماته أو ذوات رحم محرم عليه فهو زان وعليه الحد
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص ما يوجب حد الزنا، وكان قد وقع على امرأة ذات محرم منه كخالته أو عمته، دون عقد زواج، عالمًا بالتحريم، فإنه يُقام عليه الحد حينئذٍ.
ويُنبَّه هنا إلى أمور ثلاثة: الأول: أن المراد تقرير الإجماع على أن الوقوع بذوات المحارم زنا يوجب الحد، بغض النظر عن الحد الواجب في ذلك، فإنها مسألة خلاف ليست مرادة (2).
الثاني: لو كان الرجل غير عالم بالتحريم، أو كان قد عقد على قريبته عقد نكاح وجامعها بموجبه، فكل ذلك غير مراد (3).
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه من زنى:
(1) أخرجه البخاري رقم (6438)، وأخرج مسلم رقم (1695).
(2)
قال ابن القيم في "الجواب الكافي"(1/ 123): "إنما اخلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني؟ على قولين: فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إن حده حد الزاني، وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال".
(3)
انظر: المغني (9/ 54)، المحلى (12/ 201).
بخالته، أو بحماته، أو ذوي رحم محرم عليه، أنه زان، وعليه الحد" (1).
وقال ابن القيم (751 هـ): "قد اتفق المسلمون على أن من زنى بذات محرَم فعليه الحد"(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على هذا الإجماع الحنفية (3)، والمالكية (4)، والظاهرية (5).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى حرم نكاح ذوات المحارم، وهو يدل على أنه فرج لا يستباح بحال، فوجب الحد بالوطء.
الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} (7).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف نكاح زوجة الأب بأنه فاحشة، وأنه مقت، وأنه ساء سبيلًا، فجمع هذه الأوصاف للدلالة على أنه من أقبح أنواع الزنا.
(1) الإجماع (112).
(2)
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (123).
(3)
انظر: المبسوط (9/ 96)، فتح القدير (5/ 250)، الفتاوى الهندية (2/ 148).
(4)
انظر: المدونة (4/ 383)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 110)، تبصرة الحكام (2/ 254).
(5)
المحلى (12/ 200 - 204).
(6)
سورة النساء، آية (23).
(7)
سورة النساء، آية (22).
الدليل الثالث: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لقيت عمي (1) ومعه راية، فقلت له أين تريد؟ قال بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه (2)، فأمرني أن أضرب عنقه"(3).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل رجل وقع على امرأة أبيه، وهو يدل على أن نكاح ذوات المحارم بمنزلة الزنا في وجوب الحد (4).
الدليل الرابع: أنه إذا وجب الحد في فرج قد يستباح بالنكاح، فلأن يجب الحد في فرج لا يستباح بحال من باب أولى.
الدليل الخامس: أنه وطء في فرج مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة ملك (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
(1) هو أبو بردة، هانيء بن نيار بن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب بن دهمان البلوي القضاعي الأنصاري، من حلفاء الأوس، وهو خال البراء بن عازب، شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، كان أحد الرماة، توفي سنة (42 هـ). انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1535، معرفة الصحابة 5/ 2746، الإصابة في تمييز الصحابة 6/ 523.
(2)
قيل بأن اسم هذا الرجل هو منظور بن زيان ابن سيار بن عمرو. انظر: غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال (1/ 200).
(3)
أخرجه أحمد (30/ 526)، وأبو داود (4456)، والنسائي في السنن الكبرى رقم (5490). والحديث صححه يحيى بن معين كما نقله عنه ابن حزم في "المحلى"(12/ 200)، وقال العقيلي في "الضعفاء" (2/ 201):"بإسناد صالح"، وأخرجه ابن حزم في المحلى (12/ 199 - 200) من طُرق ثم قال:"هذه آثار صحاح تجب بها الحجة"، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 209) ثم علَّق عليه الذهبي بقوله:"إسناده مليح"، وأخرجه في موضع آخر (4/ 397) وقال عنه الذهبي:"صحيح"، وقال عنه ابن القيم في تهذيب السنن (12/ 95):"الحديث له طرق حسان يؤيد بعضها بعضًا"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 562).
(4)
انظر: معالم السنن (3/ 328).
(5)
انظر: فتح القدير (5/ 261).