الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[143/ 2] إذا ثبت الزنا بالإقرار استحب أن يبدأ الإمام بالرجم، وإذا ثبت بالبينة استحب أن يبدأ الشهود بالرجم
.
• المراد بالمسألة: إذا أقر شخص على نفسه بما يوجب حد الزنا، وثبت ذلك عند الإمام، فإنه يستحب أن يبدأ الإمام بالرجم، ثم يرجم بعده الحاضرون.
وإذا كان ثبوت الحد ببينة الشهود فإنه يُستحب أن يبدأ الشهود بالرجم، ثم يرجم الناس بعدهم.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أنه إن صف الناس صفوفًا كصفوف الصلاة فرجم الشهود أولًا ثم الناس، ورجم الإمام في المقر أولًا ثم الناس أن الرجم قد وفى حقه"(1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "قال أحمد: سنة الاعتراف أن يرجم الإمام ثم الناس، ولا نعلم خلافًا في استحباب ذلك"(2).
وقال ابن القطان (628 هـ): "واتفقوا أنه إن صف الناس صفوفًا كصفوف الصلاة فرجم الشهود أولًا ثم الناس، ورجم الإمام في المقر أولًا ثم الناس، وحفرت له حفيرة إلى صدره، أن الرجم قد وفي حقه"(3). وقال ابن دقيق العيد (702 هـ)(4): "الفقهاء قد استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار،
(1) مراتب الإجماع (130).
(2)
المغني (9/ 47).
(3)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 257).
(4)
هو أبو الفتح، محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري، تقي الدين، فقيه، محدث، لغوي، اشتغل بالفقه المالكي، ثم الشافعي، والنسبة إلى ابن دقيق العيد بسبب أن جده وهب خرج يومًا وعليه طيلسان أبيض وثوب أبيض، فقال شخص بدوي: كأن قماش هذا شبه دقيق العيد، يعني في البياض، فلزمه ذلك، من مصنفاته:"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"، "الإلمام بأحاديث الأحكام"، ولد سنة (625 هـ)، ومات سنة (702 هـ). انظر: إكمال تهذيب الكمال للمغلطاي 1/ 19، ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد 1/ 191، الدرر الكامنة 5/ 348.
ويبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة" (1) ونقله عنه أبو الطيب (2)، والشوكاني (3).
وقال المرداوي (885 هـ): "وإن ثبت بالإقرار استحب أن يبدأ الإمام بلا نزاع"(4) ونقله عنه ابن قاسم (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة، ثم رماها بحصاة مثل الحمصة، ثم قال:(ارموا واتقوا الوجه)(6).
الدليل الثاني: أن هذا القول مروي عن علي رضي الله عنه (7).
الدليل الثالث: أن إيجاب الرجم على الشهود أولًا أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه (8).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية (9) إلى أنه إن ثبت الزنا بالإقرار فيشترط أن
(1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 242)
(2)
عون المعبود (12/ 83).
(3)
انظر: نيل الأوطار (7/ 130).
(4)
الإنصاف (10/ 162).
(5)
حاشية الروض المربع (7/ 325).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (444)، والحديث ضعيف لأنه من طريق "زكريا أبي عمران قال: سمعت شيخا يحدث عن ابن أبي بكرة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . "، ففيه جهالة الشيخ الذي حدث ابن أبي بكرة رضي الله عنه. وقد أشار إلى ضعفه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 329) حيث قال: "هذا إنما يرويه شيخ غير مسمى عن أبي بكرة عن أبيه"، وقال البزار في مسنده (9/ 117): "ولا نعلم أحدًا سمى هذا الشيخ".
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 559)، وعبد الرزاق في المصنف (7/ 327)، ولفظه عن علي رضي الله عنه قال:"الرجم رجمان، رجم سر ورجم علانية، فأما رجم العلانية فالشهود ثم الإمام، وأما رجم السر فالإعتراف فالإمام ثم الناس".
(8)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 168).
(9)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 168)، فتح القدير (5/ 228)، ونسبه النووي إلى أحمد كما في شرح مسلم (11/ 206).
يبدأ الإمام أو نائبه بالرجم، وإن كان ببينة الشهود فيشترط أن يبدأ الشهود بالرجم، فإن غاب الإمام أو الشهود سقط الحد ولا يُقام إلا بحضورهما.
القول الثاني: أن البداءة بالإمام في الرجم بموجب الإقرار، وببينة الشهود في الرجم بموجب الشهادة، ليس فيه سنة مستحبة. وهو قول المالكية (1).
• دليل المخالف: أما من أوجب أن يبدأ الإمام بحد الإقرار، والشهود بحد البينة فاستدل بما سبق في مستند الإجماع، وحملوا ذلك على الوجوب.
وأما من لم ير في ذلك سنة متَّبعة فاستدل بأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم، وإنما كان يأمر أصحابه بذلك، ومن ذلك:
أ - قوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي كان عسيفًا عند آخر وزنى بامرأته، وفيه قال صلى الله عليه وسلم:(واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرُجمت" متفق عليه (2).
ب - ما جاء في قصة ماعز رضي الله عنه حين أقر على نفسه بالزنا، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة الحد عليه، فلما وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه)(3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية، والمالكية، ولعل ابن حزم حينما نقل الاتفاق لم
(1) انظر: الذخيرة (12/ 76)، شرح مختصر خليل (8/ 82).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(3)
أخرجه أحمد (24/ 322)، والترمذي رقم (1428)، وأبو داود رقم (4419)، وابن ماجه رقم (2554).