الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (1).
• وجه الدلالة: الحديث صريح في وجوب إقامة الحد دون محاباة، أو تفريق بين شريف، أو وضيع.
الدليل الثاني: عموم الأحاديث التي تدل على النهي عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للإمام، وقد سبق بيانها (2).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[24/ 1] من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه، ثم تاب وأصلح، فإن شهادته مقبولة، إلا القاذف
.
• المراد بالمسألة: من ارتكب ما يوجب الحد، ثم أقيم عليه الحد، كزانٍ غير محصن جُلد، أو سارق قُطعت يده، ثم تاب وحسنت توبته، فإنه يكون عدلًا، تقبل شهادته إذا أراد الشهادة في أمر ديني أو دنيوي، ويستثنى من ذلك القذف فقبول شهادته محل خلاف وليست من الإجماع.
وبهذا يظهر أن استثناء القذف ليس المراد منه أن القاذف إن أقيم عليه الحد فالإجماع على أن شهادته غير مقبولة، وإنما المراد أن من أقيم عليه الحد ثم تاب فشهادته مقبول بالإجماع، باستثناء القاذف فقبول شهادته بعد إقامة الحد عليه وتوبته محل خلاف (3).
وينبَّه إلى أن المسألة هي فيمن توفر فيه ثلاثة أمور:
(1) أخرجه البخاري رقم (3288)، ومسلم رقم (1688).
(2)
انظر: المسألة رقم 1 بعنوان: "تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام".
(3)
وسيأتي من نقل الإجماع على رد شهادة الفاسق وتحقيق الإجماع في ذلك في المسألة رقم 204 بعنوان: "القاذف إن أقيم عليه الحد ولم يتب من القذف فإنه تسقط شهادته".
الأول: إقامة الحد عليه، الثاني: التوبة، الثالث: الإصلاح.
أما من وجب عليه الحد ثم تاب وأصلح ولم يُقَم عليه الحد فذلك غير مراد، وكذا لو أقيم عليه الحد ولم يتُب، أو تاب ولم يَصلح حاله، فكل ذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أنه من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه ثم تاب وأصلح أن شهادته مقبولة إلا القاذف"(1).
وقال الطحاوي (321 هـ): "ووجدنا أهل العلم لا يختلفون في قبول شهادة المقطوعين في السرقات إذا تابوا، ولا في قبول شهادة الزناة الأبكار المحدودين إذا تابوا"(2) ونقله عنه ابن حجر (3).
وقال البيهقي (458 هـ): "وروينا عن الحسن. "أن رجلًا من قريش سرق ناقة، فقطع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده، وكان جائز الشهادة" (4)، وهذا مرسل، وهو قول الكافة إذا تاب وأصلح"(5). وقال ابن رشد الجد (520 هـ)(6): "فإن تاب
(1) الإجماع (64).
(2)
مشكل الآثار للطحاوي (12/ 357).
(3)
انظر: فتح الباري (5/ 258).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 345)، وأبو داود في المراسيل (286)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 386)، وهو مرسل كما قاله البيهقي؛ لأنه من رواية الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الحسن البصري تابعي، ومراسيله من أضعف المراسيل، كما قال الإمام أحمد:"ليس في المرسل أضعف من مرسل الحسن وعطاء، كانا يأخذان عن كل أحد"، نقله عنه الذهبي في "ميزان الاعتدال"(3/ 70).
(5)
معرفة السنن والآثار (7/ 386).
(6)
هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي، المالكي، ولي قضاء قرطبة وإمام جامع الكبير فيها، من تصانيفه:"البيان والتحصيل"، و"المقدمات لأوائل كتب المدونة"، ولد سنة (450 هـ)، وتوفي سنة (520 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 307، شذارات الذهب 4/ 320، الأعلام 5/ 318.
وظهرت توبته قبلت شهادته باتفاق إلا أن يكون حدًا في قذف" (1).
وقال الكاساني (587 هـ): "وأما المحدود في الزنا والسرقة والشرب فتقبل شهادته بالإجماع إذا تاب"(2).
وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من أتى حدًا من الحدود فأقيم عليه ثم تاب وأصلح أن شهادته مقبولة إلا القاذف"(3). وقال ابن القيم (751 هـ): "ليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود أن شهادته مقبولة إذا تاب"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الظاهرية (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن الذين يرمون المحصنات بعدم قبول شهادتهم، ثم استثنى من ذلك من تاب وأصلح، فدل على قبول شهادته بذلك (7).
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} (8).
• وجه الدلالة: دلت الآية على أن التوبة توجب القبول والعفو، ومن قبلت توبته وعفي عن سيئته، فهو مقبول الشهادة (9).
الدليل الثالث: عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من
(1) البيان والتحصيل لابن رشد الجد (10/ 149).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 272).
(3)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 136).
(4)
إعلام الموقعين (1/ 97).
(5)
المحلى (8/ 529).
(6)
سورة النور، آية (4 - 5).
(7)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 402)، تفسير ابن كثير (6/ 14)، فتح الباري (5/ 255).
(8)
سورة الشورى، الآية (25).
(9)
انظر: الحاوي الكبير للماوردي (17/ 48).
الذنب كمن لا ذنب له) (1).
• وجه الدلالة: عموم الحديث دل على أن من تاب من ذنب، فإنه يرجع حكمه كأنه لا ذنب له، وهو يدل على أن شهادته ترجع مقبولة كما كانت قبل الذنب (2).
الدليل الرابع: ما رواه الحسن البصري: "أن رجلًا من قريش سرق ناقةً، فقطع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يده، وكان جائز الشهادة"(3).
الدليل الخامس: ما روي عن شريح "أنه أجاز شهادة أقطع"(4)، والمراد أنه أقطع بسبب سرقة (5).
• وجه الدلالة: أن شريحًا تابعي أجاز شهادة المحدود في السرقة، ولم يُنقل عن أحد خلافه (6).
الدليل السادس: أن المحدود صار بتوبته عدلًا، والعدل مقبول الشهادة، فتقبل شهادته لذلك (7).
الدليل السابع: أن ردَّ شهادة من وجب عليه الحد كان موجبه الفسق، وليس الحد، وقد ارتفع الفسق بالتوبة، فرجع قبول شهادته (8).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى عدم قبول شهادة من أقيم عليه حد.
(1) أخرجه ابن ماجه رقم (4250).
(2)
انظر: أعلام الموقعين (1/ 97).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 345)، وأبو داود في المراسيل (286)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (7/ 386).
(4)
مصنف ابن أبي شيبة (5/ 345).
(5)
انظر: المبسوط (16/ 132).
(6)
انظر: المرجع السابق.
(7)
انظر: بدائع الصنائع (6/ 272).
(8)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 345)، أعلام الموقعين (1/ 97).
وهو قول الأوزاعي، والحسن بن حي (1)(2).
القول الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب، وتقبل في غير ذلك، فلو جُلد في حد الزنا وتاب فتقبل شهادته في كل شيء إلا الزنا، وكذا لو حُد في السرقة فتقبل شهادته في كل شيء إلا السرقة، وهكذا. وهو مذهب المالكية في الرواية المشهورة (3).
• دليل المخالف: استدل من رد شهادة المحدود بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام ولا محدودة ولا ذى غمر (4) على أخيه) (5).
(1) هو أبو عبد اللَّه، الحسن بن صالح بن حي الهمداني، الثوري، الكوفي، تابعي، فقيه، عابد، ثقة، قال عنه الذهبي:"هو من أئمة الإسلام لولا تلبسه ببدعة"، وأراد الذهبي بذلك أنه كان يرى السيف، ويترك الجمعة ولا يراها خلف أئمة الجور لكنه ما قاتل أبدًا، ولد سنة (100 هـ)، وتوفي سنة (169 هـ). انظر: التاريخ الكبير 2/ 292، العبر في خبر من غبر 1/ 229، شذرات الذهب 1/ 255.
(2)
انظر: المحلى (8/ 529)، فتح الباري (5/ 258).
(3)
انظر: حاشية الدسوقي (4/ 132)، البيان والتحصيل (10/ 191)، الفواكه الدواني (2/ 625)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب (2/ 346).
(4)
الغِمْر بمعنى الحقد والغل، أي أنه لا تجوز شهادة الحاقد على من يحقد عليه؛ للعداوة بينهما. انظر: المصباح المنير، مادة (غمر)، (234)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 243).
(5)
أخرجه أحمد (11/ 531)، وأبو داود رقم (3600) بدون ذكر المحدود، وابن ماجه رقم (2366)، لكن في سنده الحجاج بن أرطأة، ولذ قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 33):"هذا إسناد ضعيف لتدليس حجاج بن أرطأة".
وله شواهد منها حديث عائشة رضي الله عنها لكن في سنده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، أخرجه الترمذي في كتاب: الشهادات، باب: فيمن لا تجوز شهادته (2298) وضعَّفه بقوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي ويزيد يضعف في الحديث ولا يعرف هذا الحديث من حديث الزهري إلا من حديثه، وفي الباب عن عبد اللَّه بن عمر، ولا نعرف معنى هذا الحديث ولا يصح عندي من قبل إسناده"، وأخرجه الدارقطني أيضًا سننه (4/ 244) =
واستدل المالكية على عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب بما يلي:
الدليل الأول: أنها استرابة يقتضي الدفع عن الشهادة، لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} (1)(2).
الدليل الثاني: ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: "ود السارق أن يكون الناس سراقًا، وود الزاني أن يكون الناس زناة"، وإنما كان كذلك لينفي المعرة عن نفسه بمشاركة غيره (3).
= وقال: "ضعيف لا يحتج به"، والبغوي في شرح السنة (10/ 123) وقال:"هذا حديث غريب، ويزيد بن زياد الدمشقي منكر الحديث"، وقال عنه ابن أبي حاتم في "العلل"(4/ 287)"هذا حديث منكر ولم يقرأ علينا".
وقد ضعف البيهقي الحديث بجميع توابعه وشواهده حيث ذكرها في "السنن الصغرى"(4/ 148) وبيَّن ضعفها ثم قال: "فلم تصح أسانيد هذه الأحاديث"، وقال ابن عبد البر الاستذكار (7/ 109):"روي هذا الحديث مرفوعًا لكنه لم يرفعه من روايته حجة"، وكذا ضعفه ابن حزم في "المحلى"(8/ 507)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(2/ 670)، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(5/ 82)، والذهبي في "تنقيح التحقيق"(2/ 328)، وقال ابن الملقن بعد ذكره لطرق الحديث وبيَّن ضعفها (9/ 629):"فيُلَخَّص من هذا كله أنه حديث ضعيف لا يحتج به، لا جرم". وأشار ابن حجر إلى ضعف جميع تلك الأحاديث بشواهدها فقال في فتح الباري (5/ 257) وقال: "احتجوا في رد شهادة المحدود بأحاديث، قال الحفاظ لا يصح منها شيء".
ومن أهل العلم من حسن الحديث لشواهده منهم الشوكاني في "فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار"(4/ 2069)، والألباني (2/ 1212).
(1)
سورة البقرة، الآية:(282).
(2)
انظر: الحاوي الكبير (17/ 425).
(3)
انظر: الحاوي الكبير (17/ 425)، ولم أجد تخريجًا لأثر عثمان رضي الله عنه، وإنما كذا ذكره الماوردي في الحاوي.