الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[113/ 2] المرأة المسلمة العاقلة غير المكرهة كالرجل المحصن وأن غير المحصنة كغير المحصن
.
• المراد بالمسألة: تقرر فيما سبق أن حد الزنا هو الرجم على المحصن، وجلد مائة على غير المحصن مع التغريب، والمراد هنا بيان أن هذا الحد عام في المرأة والرجل سواء. ويُنبه هنا إلى أمرين:
الأول: المراد هنا تقرير أن الواجب في حد الرجل هو الواجب في حد المرأة، مع مراعاة خلاف أهل العلم في الحد الواجب، وذلك أنه قد سبق بيان أن ثمة من خالف في التغريب ولم يره من الحد كما هو مذهب الحنفية (1)، فهؤلاء كما ينفون التغريب في حق الرجل فهو كذلك في حق المرأة.
الثاني: المراد هو استواء الرجال والنساء في أصل الحد من الجلد مائة والتغريب في حق البكر، أو الرجم في حق المرأة، أما صفة إقامة الحد فذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: وقال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن المرأة الحرة المسلمة المحصنة العاقلة غير المكرهة فيما ذكرنا كالرجل المحصن، وأن غير المحصنة كغير المحصن"(2). وقال أيضًا: "الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فإن حدهما مائة جلدة"(3).
(1) وقد سبق بيان ذلك في مسألة رقم 107 بعنوان: "النفي مجمع عليه كعقوبة في الزنا".
(2)
مراتب الإجماع (130).
(3)
المحلى (12/ 169)، وقال أيضًا (12/ 171):"لم يختلف أحد من أهل القبلة في أن الجلد حكم الزاني الحر غير المحصن، والزانية الحرة غير المحصنة". وقال أيضًا (12/ 169): "اتفقوا كلهم -حاشا من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين- فقالوا إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا"، وأراد بمن لا يُعتد بخلافهم هنا الأزارقة كما نص عليه مع الإجماع على المسألة في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (6/ 310) فقال:"لا خلاف بين أحد من المسلمين حاشا الأزارقة في وجوب الرجم على الزاني المحصن".
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج"(1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ) (2). وقال ابن القطان (628 هـ):"اتفقوا أن المرأة الحرة المسلمة العاقلة غير المكرهة، كالرجل المحصن وأن غير المحصنة كغير المحصن"(3).
وقال الشنقيطي (1393 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من زنى وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام، وأصحابه"(4).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (5)، والشافعية (6).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (7).
• وجه الدلالة: الآية صريحة في أن إقامة حد الجلد عام في حق الرجال والنساء.
الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول اللَّه إني قد زنيت، فرده
(1) المغني (9/ 39).
(2)
الشرح الكبير (10/ 155).
(3)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 256).
(4)
أضواء البيان (5/ 372).
(5)
انظر: المبسوط (9/ 45)، البحر الرائق (5/ 11)، العناية شرح الهداية (5/ 242).
(6)
أسنى المطالب (4/ 128 - 129)، تحفة المحتاج (9/ 109)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 182).
(7)
سورة النور، آية (2).
الثانية، فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال:(أتعلمون بعقله بأسًا، تنكرون منه شيئًا)، فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضا، فسأل عنه، فأخبروه أنه لا بأس به، ولا بعقله، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم، قال: فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على ماعز من الرجال، وأقامه أيضًا على الغامدية، وهو الرجم لكونهما محصنين، وهو يدل على استواء الرجال والنساء في ذلك.
الدليل الثالث: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه:(قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين
(1) أخرجه مسلم رقم (1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز رقم (2502).
بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (1).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان في إقامة الحد على الرجل والمرأة، حيث أقام حد الرجم على ماعز من الرجال، وأقامه على الغامدية، والمرأة التى زنى بها العسيف.
الدليل الرابع: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب غام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)(2).
الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (3).
الدليل السادس: أن الصحابة رضي الله عنهم جلدوا الرجال والنساء غير المحصنين بموجب الزنا، كما هو مروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم (4).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الزاني البكر عليه جلد
(1) أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1690).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6441)، ومسلم رقم (1691).
(4)
وقد سبق تخريج تلك الآثار عنهم.
مائة وتغريب عام، إلا أن هذا الحكم خاص بالرجال، أما النساء فإن عليها جلد مائة، ولا تغريب عليها. وهو قول المالكية (1).
• دليل المخالف: استدل من قال بعدم تغريب المرأة بعموم الأحاديث الدالة على النهي عن سفر المرأة بغير محرم، ومنها:
أ - عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) متفق عليه (2).
ب - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم) متفق عليه (3).
ج - عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) متفق عليه (4).
الدليل الثاني: لأن في تغريبها إعانة على فسادها، وتعريضها للخطر، إذ لا بد من محرَم معها يحميها، وإلزام المحرم بالتغريب معها فيه إنزال العقوبة به بدون ذنب ارتكبه (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر على قسمين: الأول: حد الرجم والجلد فهذا استواء الرجال والنساء في الحد محل إجماع بين أهل العلم.
الثاني: التغريب بنفي سنة، فهذا استواء الرجال والنساء فيه ليس محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية، واللَّه تعالى أعلم.
(1) انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 137)، التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 397)، شرح مختصر خليل (8/ 83).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1036)، ومسلم رقم (1338).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1139)، ومسلم رقم (827).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1763)، ومسلم رقم (1341).
(5)
انظر: منح الجليل (9/ 262).