الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع) (1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع تأديب غير البالغ على ترك المأمور، وهو يدل على إباحة تعزيره في المعصية، إن رأى الإمام المصلحة في ذلك.
الدليل الثاني: أن الصبي والمجنون يحتاجان إلى زاجر يردعهما، عن أذية الآخرين.
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض الفقهاء إلى أن الصبي غير البالغ لا يعزَّر.
وهو قولٌ للمالكية (2)، فمن باب أولى المجنون.
• دليل المخالف: أن العقوبة التعزيرية إنما تكون على معصية، وفعل الصبي لا يُعتبر جناية، وهو غير معاقب في معصيته، فلا تعزير عليه (3). وفعل المجنون من باب أولى.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن المالكية في قول، واللَّه تعالى أعلم. وابن تيمية رحمه الله في نقله للإجماع اعتبر المذهب عند المالكية فقط.
[274/ 5] تارك الصلاة يستحق العقوبة
.
• المراد بالمسألة: إذا ترك شخص مسلم الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها،
(1) أخرجه أحمد (11/ 369)، وأبو داود رقم (495).
وأخرجه أبو داود رقم (494)، والترمذي رقم (407)، من حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه، وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح".
والحديث صحَّحه جماعة من أهل العلم؛ قال ابن الملقن في "البدر المنير"(3/ 238): "هذا الحديث صحيح"، وقال الحاكم في "المستدرك" (1/ 389):"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في تعليقه:"على شرط مسلم"، وحسَّن الألباني في "إرواء الغليل"(1/ 266) حديث عمر بن شعيب، وحديث سبرة؛ وصححهما بمجموعهما.
(2)
انظر: تبصرة الحكام (2/ 168)، منح الجليل (7/ 79).
(3)
انظر: منح الجليل (7/ 79).
وهو معتقد وجوبها، فإن للإمام أن يُعزِّره على ذلك حتى يتوب من ترك الصلاة.
ويتبيَّن مما سبق أمران: الأول: إن كان تارك الصلاة غير مسلم، كالذمي، والمعاهد، والمستأمن، والحربي، فذلك غير مراد.
الثاني: إن ترك المسلم الصلاة معتقدًا عدم وجوبها فمسألة أخرى غير مرادة (1).
(1) أما إن تركها جاحدًا وجوبها فهو كافر، فيستتاب أو يُقتل، وقد حكى الإجماع على كفر تارك الصلاة حاجدًا لها جمع من أهل العلم فقال الخطابي في "معالم السنن" (4/ 314):"التروك على ضروب: منها ترك جحد للصلاة، وهو كفر بإجماع الأمة"، وقال ابن حزم في "المحلى" (2/ 4):"لا خلاف من أحد من الأمة في أن الصلوات الخمس فرض، ومن خالف ذلك فكافر"، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/ 149):"أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر، يُقتل إن لم يتب من كفره ذلك"، وقال ابن رشد الجد في "المقدمات" (100):"فمن جحد الصلاة فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل. . . . بإجماع أهل العلم، لا اختلاف بينهم فيه"، وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/ 181):"أجمع المسلمون على قتل الممتنع عن أداء الصلاة والزكاة، مكذبًا بهما"، وقال ابن الأثير "النهاية في غريب الأثر" (4/ 187):"من أنكر فرضية أحد أركان الإسلام كان كافرًا بالإجماع"، وقال ابن قدامة في "المغني" (9/ 21):"لا خلاف بين أهل العلم في كفر من تركها جاحدًا لوجوبها، إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك"، وقال بهاء الدين المقدسي في "العدة شرح العمدة" (55):"فمن جحد وجوبها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحدها عنادًا كفر بالإجماع"، وقال القرطبي في "تفسيره" (8/ 74):"ولا خلاف بين المسلمين أن من ترك الصلاة وسائر الفرائض مستحلًا كفر"، وقال النووي "شرح مسلم" (2/ 70):"أما تارك الصلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام"، وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ):"لا خلاف بين أهل العلم في كفر من ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، إذا كان ممن لا يجهل مثله"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(28/ 308). "أما إذا جحد وجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين"، وحكى الإجماع أيضًا محمد ابن مفلح في "الفروع"(1/ 295)، والبابرتي في "العناية شرح الهداية"(1/ 217)، وابن فرحون في "تبصرة الحكام بأصول الأقضية ومناهج الأحكام"(2/ 188)، وإبراهيم ابن مفلح في "المبدع"(1/ 305)، والعيني في "عمدة القاري"(24/ 81)، وابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج إلى شرح المنهاج"(3/ 83)، والشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 361)، وغيرهم.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم، ولا من أحد من الأمة، في أن من تعمد ترك صلاة فرض، ذاكرًا لها، حتى يخرج وقتها، فإنه فاسق مجرح الشهادة، مستحق للضرب والنكال"(1).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم الأدلة الدالة على وجوب الصلاة وهي كثيرة منها:
الدليل الأول: قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (6).
الدليل الثاني: قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)} (7).
الدليل الثالث: قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)} (8).
(1) المحلى (2/ 15).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 63)، البحر الرائق (5/ 46).
(3)
انظر: تبصرة الحكام بأصول الأقضية ومناهج الأحكام (2/ 289)، حاشية الدسوقي (4/ 355).
(4)
انظر: تحفة المحتاج (9/ 175)، الغرر البهية (5/ 107).
(5)
انظر: الفتاوى الكبرى (2/ 31 - 32)، الإنصاف (10/ 239).
(6)
سورة التوبة، آية (5).
(7)
سورة التوبة، آية (11).
(8)
سورة مريم، آية (59 - 60).
الدليل الرابع: عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)(1).
الدليل الخامس: عن بريده بن الحصيب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)(2).
الدليل السادس: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان) متفق عليه (3).
الدليل السابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزًا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن باللَّه، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث)، قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام أن تعبد اللَّه ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. . . الحديث) متفق عليه (4).
الدليل الثامن: عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (82).
(2)
أخرجه أحمد (38/ 20)، والترمذي رقم (2830)، وقال:"حديث حسن صحيح غريب"، النسائي رقم (467)، ابن ماجه رقم (1132)، قال الحاكم في "المستدرك" (1/ 48):"هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه. . . ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعًا"، وقال الذهبي في التلخيص:"صحيح لا تعرف له علة"، وصححه النسائي والعراقي، نقله عنهما الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 363)، وصححه ابن تيمية أيضًا في "مجموع الفتاوى"(22/ 48)، والألباني في تحقيقه لـ "مشكاة المصابيح":(1/ 126).
(3)
صحيح البخاري رقم (7)، وصحيح مسلم رقم (16).
(4)
صحيح البخاري رقم (50)، وصحيح مسلم رقم (9 - 10)، وتفرد به مسلم من حديث عمر رضي الله عنه في الباب نفسه، رقم (8).
الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه) (1).
الدليل التاسع: عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي بن خلف)(2).
الدليل العاشر: ما أُثر عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم في تهديد من تركها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:"لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وعن علي رضي الله عنه قال:"من لم يصل فهو كافر"، وعن عبد اللَّه بن مسعود قال:"من لم يصل فلا دين له"(3).
• وجه الدلالة من النصوص السابقة: دلت النصوص السابقة على أن الصلاة فرض واجب، فمن تركها فقد ارتكب معصية لا حد فيها ولا كفارة، فوجب
(1) صحيح البخاري رقم (25).
(2)
أخرجه أحمد (11/ 141 - 142)، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 21):"رجال أحمد ثقات"، وقال ابن عبد الهادي الحنبلي في "تنقيح التحقيق" (2/ 614):"إسناد هذا الحديث جيد"، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 217):"رواه أحمد بإسناد جيد"، وجوَّد إسناده أيضًا الذهبي في "تنقيح التحقيق"(1/ 300)، وقال الألباني في "الثمر المستطاب" (53):"سنده حسن"، وصححه في تحقيقه على مشكاة المصابيح (1/ 127)، ثم تراجع عن ذلك وضعفه في "ضعيف الترغيب والترهيب"(1/ 80).
(3)
أخرج هذه الآثار النسائي في السنن الكبرى (3/ 366)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 279)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 898)، والبيهقي في سننه الكبرى (3/ 366)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 191).
التعزير؛ لما سبق أن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
(1) وقد سبق تقرير الإجماع في أن التعزير هو في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة في المسألة رقم 263 بعنوان: "التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة".