الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تعقَّب ابن حجر حكاية ابن العربي للإجماع في المسألة، فقال بعد نقله لكلام ابن العربي:"فجرى على عادته في التهويل والإقدام على نقل الإجماع مع شهرة الاختلاف"(1).
فلعل ابن العربي لم يبلغه الخلاف، وأما القرطبي فقد نقل الإجماع اتباعًا لابن العربي، وأما ابن عابدين فإنما أراد الاتفاق المذهبي عند الحنفية، واللَّه تعالى أعلم.
[9/ 1] الحدود لا تسقط بالأعمال الصالحة
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخصٌ ما يوجب الحد، فإن مجرَّد الأعمال الصالحة من حج وصلاة وصيام ونحوها لا تُسقط الحد، بدون توبة عن المعصية الموجبة للحد، أو إقامة الحد.
ويتبيَّن مما سبق أن الأعمال الصالحة إن كان معها توبة، أو إقامة للحد فكل ذلك غير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال ابن بطال (449 هـ)(2): "وقد أجمعت الأمة أن كل من ركب من أهل بدر ذنبًا بينه وبين اللَّه فيه حد، أو بينه وبين الخلق من القذف أو الجرح أو القتل فإنه عليه فيه الحد والقصاص"(3).
وقال ابن حزم (456 هـ): "لا يختلفون ولا أحد نعلمه في أن الحج
(1) فتح الباري لابن حجر (13/ 161).
(2)
هو أبو الحسن، علي بن خلف بن عبد الملك بن بظال، القرطبي، المالكي، يُعرف بابن اللجام، أصله من قرطبة، وأخرجته الفتنة فخرج إلى بلنسية، فقيه، محدث، كان نبيلًا، جليلًا، متصرفًا، قال ابن بشكوال:"كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية التامة"، له شرح نفيس لصحيح البخاري، توفي ببلنسية سنة (449) هـ. انظر: شذرات الذهب 3/ 283، الأعلام 5/ 96، معجم المؤلفين 7/ 87.
(3)
شرح صحيح البخاري (8/ 597).
لا يسقط حدًا أصابه المرء قبل حجه ولم يتب منه" (1).
وقال النووي (676 هـ): "قد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة"(2) ونقله عنه الشوكاني (3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع الحنفية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)(6).
• وجه الدلالة: في الحديث دلالة على أن الكبائر لا تُكفر بالأعمال الصالحة، فإن أهل العلم في تفسير الحديث على قولين، قال ابن رجب: "في معنى هذا الحديث قولين:
أحدهما: عن جمهور أهل السنة أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر، فإن لم يجتنب لم تكفر هذه الفرائض شيئًا بالكلية.
والثاني: أنها تكفر الصغائر مطلقًا، ولا تكفر الكبائر إن وجدت، لكن يشترط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها" (7).
وعلى كلا التفسيرين فهو دليل على أن الكبائر لا تُكفر بهذه الأعمال الصالحة.
(1) المحلى (12/ 33).
(2)
شرح النووي على مسلم (9/ 142).
(3)
نيل الأوطار (7/ 121).
(4)
انظر: تبيين الحقائق (3/ 163)، البحر الرائق (5/ 3).
(5)
دقائق أولي النهى (3/ 341)، مطالب أولي النهى (6/ 168).
(6)
أخرجه مسلم رقم (233).
(7)
جامع العلوم والحكم (169).