الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني: أن حد القذف كغيره من الحدود التي لا يشترط فيها مطالبة المجني عليه فيها، فالسرقة لا يشترط فيها مطالبة المسروق منه بالحد، والزنا لا يشترط مطالبة المزني بها بالحد، وكذا سائر الحدود التي من جملتها حد القذف (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن ابن أبي ليلى، والظاهرية، ولعل ابن المنذر لم يبلغه الخلاف، أو لم يعتبر الخلاف في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.
[217/ 3] من قذف ميتًا فلولده ذكرًا كان أو أنثى، ولأولاد الابن، وإن سفلوا، ولوالده وإن علا، أن يخاصم القاذف في القذف
.
• المراد بالمسألة: إذا قذف شخص آخر بما يوجب الحد، وكان المقذوف ميتًا، فإن لأولاده من الذكور والإناث، ولأولاد الابن أن يطالبوا بالحد.
وكذا للأب والجد وإن علا أن يطالب بالحد.
ويتبين مما سبق أنه لو قذف شخصًا حيًا ثم مات المقذوف قبل المطالبة فمسألة أخرى غير مرادة (2).
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "إذا كان ميتًا فلا خلاف في أن لولده ذكرًا كان أو أنثى، ولابن ابنه وبنت ابنه وإن سفلوا، ولوالده وإن علا، أن يخاصم القاذف في القذف"(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية (4)، والشافعية (5)،
(1) انظر: المرجع السابق.
(2)
انظر: المغني (8/ 50).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 55).
(4)
الذخيرة (12/ 111)، التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 412).
(5)
انظر: أسنى المطالب (3/ 375)، مغني المحتاج (5/ 59).
والحنابلة (1).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى أن الحكمة من حد القذف هو ما يُحدثه القاذف من إلحاق العار بالمقذوف، والأصل أن الميت ليس بمحل لإلحاق العار به، فلم يكن معنى القذف راجعًا إليه بل إلى فروعه وأصوله؛ لأنه يلحقهم العار بقذف ميتهم، والأصول والفروع هم جزء من هذا الميت، فالعار لاحق بهم لوجود الجزئية والبعضية، فشُرع لهم المطالبة بالقذف لدفع العار عنهم (2).
• المخالفون للإجماع: ذهب طائفة إلى أن من قذف ميتًا فلا حد عليه، وليس لوارثه المطالبة بالحد. وهو وجه عند الحنابلة (3).
(1) انظر: الشرح الكبير (10/ 230)، الفروع (6/ 94).
(2)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 55).
(3)
انظر: المغني (9/ 86)، الفروع (6/ 94).
وقد نسب ابن قدامة في "المغني"(9/ 86)، والماوردي في "الأحكام السلطانية"(286) وغيرهما إلى الحنفية القول بأن قذف الميت لا يوجب الحد، وهذا فيه نظر من وجهين:
الأول: أن الحنفية ينصون في كتبهم على أن من قذف ميتًا وجب عليه الحد، لكنهم يخصون المطالبة بالولد وإن نزل، وبالوالد وإن علا، وقد سبق كلام الكاساني عند ذِكر من نقل الإجماع في المسألة، ولم أجد -بعد البحث- في شيء من كتبهم- القول بأن قذف الميت لا يوجب الحد. الثاني: أن جمع من أهل العلم المحققين نسبوا إلى أبي حنيفة القول بمطالبة الورثة للحد، منهم الإمام الشافعي في "الأم" (7/ 16) حيث قال:"إذا قذف الرجل رجلًا ميتًا فإن أبا حنيفة رحمه اللَّه تعالى كان يقول: لا يأخذ بعد الميت إلا الولد أو الوالد".
والذي ذهب إليه الحنفية من سقوط حد الميت هو في مسألة ما إذا قذف حيًا ثم مات المقذوف قبل المطالبة بالحد، فإنه يسقط الحد حينئذ، وليس لأحد من الورثة وغيرهم المطالبة بالحد، وهذه المسألة هي محل خلاف آخر فالحنابلة موافقون للحنفية في ذلك.
فلعل من حكى عن الحنفية سقوط الحد بقذف الميت غفَل عن هذا التفصيل، واللَّه تعالى أعلم. انظر: المبسوط (9/ 112)، العناية شرح الهداية (5/ 322)، تبيين الحقائق (3/ 202)، المغني (8/ 50).