الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد، قال، فما أوثقناه ولا حفرنا له، قال: فرميناه بالعظم والمدر والخزف، قال فاشتد واشتددنا، خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة - يعني الحجارة - حتى سكت، قال ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطيبًا من العشي فقال:(أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل اللَّه تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس (1)، عليّ أن لا أوتى برجل فعل ذلك إلا نكلت به)، قال: فاستغفر له، ولا سبه (2).
• وجه الدلالة: في قول الصحابة رضي الله عنهم "يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن يقام فيه الحد" دليل على أن الزنا من الحدود.
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[105/ 2] الرجم مجمع عليه كعقوبة في الزنا
.
• المراد بالمسألة: إذا ارتكب شخص محصن ما يوجب حد الزنا، فإن من العقوبات المقررة على الزاني هي رجمه حتى يموت جزاء على معصيته.
وينبَّه إلى أن المراد هنا تقرير أن الرجم كعقوبة في حد الزنا محل إجماع بين أهل العلم، أما شروط وجوب الرجم بكون الزاني محصنًا فمحل بحث آخر تأتي في مسألة مستقلة إن شاء اللَّه تعالى (3).
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "وأجمعوا على أن الحر إذا تزوج تزويجًا صحيحًا، ووطئها في الفرج، أنه محصن، يجب عليهما
(1) النبيب: هو صوت التيس عند السفاد، يقال: نَبَّ التَيْسُ يَنِبُّ نَبًّا ونَبِيبًا ونُبابًا، إذا صاح عند الهياج والسفاد. انظر: النهاية في غريب الأثر، مادة:(نبب)، (6/ 9)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 385)، تاج العروس (4/ 234).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1694).
(3)
انظر: المسألة رقم 111 بعنوان: "حد الزاني المحصن الرجم".
الرجم إذا زنيا" (1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "وقد ثبت الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم، بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبنقل الكافة، والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه، وأجمعت الأمة عليه" (2).
وقال ابن بطال (449 هـ): "فالرجم ثابت بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبفعل الخلفاء الراشدين، وباتفاق أئمة أهل العلم"(3) ونقله عنه ابن حجر (4).
وقال الماوردي (450 هـ): "والدليل على وجوب الرجم. . . . انعقاد الإجماع عليه حتى صار حكمه متواترًا"(5).
وقال ابن حزم الظاهري (456 هـ): "اتفقوا كلهم -حاش من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين- فقالوا إن على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا"(6).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع فقهاء المسلمين وعلماؤهم من أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا أن المحصن حده الرجم"(7).
(1) الإجماع (112).
(2)
أحكام القرآن (3/ 388).
(3)
شرح صحيح البخاري (8/ 431).
(4)
فتح الباري (12/ 118)، لكنه لم ينقله عنه بالحرف حيث قال:"قال ابن بطال: أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدًا عالمًا مختارًا فعليه الرجم ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة".
(5)
الحاوي الكبير (13/ 192).
(6)
المحلى (12/ 169)، وأراد بمن لا يُعتد بخلافهم هنا طائفة من الخوارج تُسمى بالأزارقة، كما نص عليه مع الإجماع على المسألة في كتابه الأحكام في أصول الأحكام (6/ 310) فقال:"لا خلاف بين أحد من المسلمين حاشا الأزارقة في وجوب الرجم على الزاني المحصن".
(7)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (9/ 79)، وقال أيضًا في الاستذكار (7/ 478):"أجمع الجمهور من فقهاء المسلمين أهل الفقه والأثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا أن المحصن من الزناة حده الرجم".
وقال القاضي عياض (544 هـ): "لا خلاف أنه لا يرجم غير المحصن"(1).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما الثُيَّب الأحرار المحصنون، فإن المسلمين أجمعوا على أن حدهم الرجم"(2)
وقال ابن قدامة (620 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفًا إلا الخوارج"(3).
وقال ابن القطان (628 هـ): "أجمع الجمهور من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أن المحصن حده الرجم، وأما المبتدعة كالخوارج والمعتزلة فإنهم لا يرون رجم الزاني وإن أحصن، وإنما حده عندهم الجلد، ولا يعرج عليهم ولا يعدون خلافًا"(4). وقال أبو العباس القوطبي (656 هـ): "إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين"(5).
وقال النووي (676 هـ): "أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة، كالنظام، وأصحابه، فإنهم لم يقولوا بالرجم"(6). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وجوب الرجم على الزاني المحصن رجلًا كان أو امرأة، هذا قول عامة أهل العلم من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع
(1) إكمال المعلم (5/ 270).
(2)
بداية المجتهد (2/ 356)، وقال أيضًا (2/ 357)"أما الإحصان فإنهم اتفقوا على أنه من شرط الرجم"
(3)
المغني (9/ 39).
(4)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 255).
(5)
المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (7/ 216).
(6)
شرح النووي (11/ 189)
الاعصار، ولا نعلم أحدًا خالف فيه إلا الخوارج" (1).
وقال ابن تيمية (728 هـ): "ثبت الرجم بالسنة المتواترة، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم"(2). وقال العيني (855 هـ): "استحقاق الزاني المحصن للقتل وهو الرجم بالحجارة، وأجمع المسلمون على ذلك"(3).
وقال ابن الهمام (861 هـ): "عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن تقدم من علماء المسلمين"(4) ونقله عنه الملا علي القاري (5)(6).
وقال ابن نجيم (970 هـ) في معرض كلامه على وجوب رجم الزاني المحصن: "وعلى هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم وإنكار الخوارج الرجم باطل"(7).
والخطيب الشربيني (977 هـ): "الحد هو الجلد والتغريب على غير المحصن، والرجم على المحصن بالنص والإجماع"(8). وقال الملا علي القاري (1014 هـ): "الرجم عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ومن تقدم من علماء الأمة"(9).
وقال المناوي (1031 هـ): "فرجم المحصن واجب بإجماع المسلمين"(10).
وقال الزرقاني (1122 هـ): "قال الخوارج والمعتزلة: لا رجم مطلقًا،
(1) الشرح الكبير (10/ 155).
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 399).
(3)
عمدة القاري (24/ 41).
(4)
فتح القدير (5/ 224).
(5)
هو علي بن محمد سلطان، نور الدين، الملا، الهروي، القاري، فقيه، حنفي، من صدور العلم في عصره، قيل: كان يكتب في كل عام مصحفًا وعليه طرر من القراآت والتفسير فيبيعه فيكفيه قوته من العام إلى العام، من كتبه:"تفسير القرآن"، و"شرح مشكاة المصابيح"، و"شرح الشمائل"، سكن مكة وتوفي بها سنة (1014 هـ). انظر: خلاصة الأثر 3/ 177، هدية العارفين 1/ 701، معجم المؤلفين 7/ 100.
(6)
انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (11/ 150)، ونقله أيضًا عن ابن الهمام شرح سنن ابن ماجه (184) للسيوطي وآخرون.
(7)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5/ 8).
(8)
مغني المحتاج (5/ 442).
(9)
شرح مسند أبي حنيفة (358).
(10)
فيض القدير (3/ 434).
وإنما الحد الجلد لثيب أو بكر، وهو خلاف إجماع أهل الحق والسنة" (1).
وقال الشوكاني (1255 هـ): "الرجم فهو مجمع عليه"(2). وقال الشنقيطي (1393 هـ): "أجمع أهل العلم على أن من زنى وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكرًا كان أو أنثى، إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه"(3).
وقال ابن عاشور (1393 هـ): "الزاني المحصن حده الرجم بالحجارة حتى يموت. وكان ذلك سنة متواترة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم ماعز ابن مالك، وأجمع على ذلك العلماء"(4).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي اللَّه تعالى عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أنشدك اللَّه إلا قضيت لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه-: نعم فاقض بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال رسول اللَّه: (قل) قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللَّه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرجمت" متفق عليه (5).
(1) شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (4/ 169).
(2)
نيل الأوطار (7/ 109).
(3)
أضواء البيان (5/ 372).
(4)
التحرير والتنوير (18/ 120).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2549)، ومسلم رقم (1697).
الدليل الثاني: عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال:(ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنا، فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال:(أشرب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم (1).
الدليل الثالث: قصة الغامدية التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول اللَّه لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فواللَّه إني لحبلى، قال:(إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي)، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:(اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه)، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. . . الحديث (2).
الدليل الرابع: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كان فيما أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان
(1) أخرجه مسلم رقم (1695)، وأخرج البخاري إقرار ماعز رقم (2502).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1695).
أن يقول قائل: واللَّه ما نجد الرجم في كتاب اللَّه تعالى، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه تعالى، والرجم في كتاب اللَّه حق على من أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" متفق عليه (1).
الدليل الخامس: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني، خذوا عني، قد جعل اللَّه لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)(2).
الدليل السادس: عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه (3).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لعدم المخالف.
وإنما خالف في ذلك طوائف من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة، وخلافهم ليس بمعتبر كما سبق بيانه (4)، وعلى ذلك درج الفقهاء في هذه المسألة، كما نص عليه غير واحد منهم أبو بكر الجصاص حيث قال:"قد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافًا الرجم، وهم الخوارج"(5)، وقال ابن القطان:"أجمع الجمهور من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم أن المحصن حده الرجم، وأما المبتدعة كالخوارج والمعتزلة فإنهم لا يرون رجم الزاني وإن أحصن، وإنما حده عندهم الجلد، ولا يعرج عليهم ولا يعدون خلافًا"(6)، واللَّه تعالى أعلم.
(1) أخرجه البخاري رقم (6441)، ومسلم رقم (1691).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1690).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6484)، ومسلم رقم (1676).
(4)
انظر مسألة: "أثر أقوال أهل البدع في نقض الإجماع".
(5)
أحكام القرآن (3/ 388).
(6)
الإقناع في مسائل الإجماع (2/ 255).