الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[205/ 3] إذا تاب القاذف قبلت شهادته
.
• المراد بالمسألة: من ثبت عليه ما يوجب حد القذف، وأقيم عليه حد القذف، ثم تاب من بعد ذلك، فإن شهادته تكون مقبولة.
• من نقل الإجماع: قال ابن قدامة (620 هـ) مستدلًا على قبول شهادة القاذف إن تاب: "إجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنه يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي بكرة رضي الله عنه حين شهد على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "تب، أقبل شهادتك"، ولم ينكر ذلك منكر، فكان إجماعًا"(1)، وبمثله قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ)(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك المالكية (3)، والشافعية (4)، والظاهرية (5).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (6).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر عن الذين يرمون المحصنات بعدم قبول شهادتهم، ثم استثنى من ذلك من تاب وأصلح، فدل على قبول شهادته بذلك،
(1) المغني (10/ 191).
(2)
الشرح الكبير (12/ 62).
(3)
انظر: المدونة (2/ 93)، الفواكه الدواني (2/ 225).
(4)
انظر: أسنى المطالب (4/ 357)، مغني المحتاج (6/ 363).
(5)
انظر: المحلى (8/ 529).
(6)
سورة النور، آية (4 - 5).
ولذا قال ابن عباس رضي الله عنه في الآية: "فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب اللَّه تقبل"(1).
الدليل الثاني: قول اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)} (2).
• وجه الدلالة: دلت الآية على أن التوبة توجب القبول والعفو، ومن قبلت توبته وعفي عن سيئته، فهو مقبول الشهادة (3).
الدليل الثالث: أنه مروي عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما شهد عنده أبو بكرة رضي الله عنه ونافع بن الحارث، وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بالزنا، فحدَّهم حد القذف ثم قال لهم:"توبوا تقبل شهادتكم"(4).
وكذا ابن عباس رضي الله عنه، كما هو مبيَّن في الدليل الأول.
• وجه الدلالة: قال ابن القيم: "قد قبل شهادته بعد التوبة عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولا يعلم لهما في الصحابة رضي الله عنهم مخالف"(5).
الدليل الرابع: عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)(6).
• وجه الدلالة: عموم الحديث دل على أن من تاب من الذنب، فإنه يرجع
(1) انظر: تفسير ابن جرير الطبري (19/ 107)، الدر المنثور للسيوطي (10/ 631)، أحكام القرآن للجصاص (3/ 402)، تفسير ابن كثير (6/ 14)، فتح الباري (5/ 255).
(2)
سورة الشورى، الآية (25).
(3)
انظر: الحاوي للماوردي (17/ 48).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 384)، وابن حزم في "المحلى"(8/ 530)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 152) ص 752.
(5)
انظر: إعلام الموقعين (1/ 97).
(6)
أخرجه ابن ماجه رقم (4250).
حكمه كأنه لا ذنب له، وهو يدل على أن شهادته ترجع مقبولة كما كانت قبل الذنب (1).
الدليل الخامس: أن ردَّ شهادة من وجب عليه الحد كان موجبه الفسق، وليس من الحد، وقد ارتفع الفسق بالتوبة، فرجع قبول شهادته (2).
الدليل السادس: أن التائب من الزنا، أو قتل النفس التي حرم اللَّه، وغيرها من الذنوب التي هي أعظم من القذف تقبل شهادتهم، قبولها في التوبة من القذف من باب أولى (3).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: لا تُقبل شهادة المحدود في القذف. وهو مذهب الحنفية (4)، وبه قال شريح القاضي، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، ومعاوية بن قرة (5)، ومكحول (6)، والأوزاعي، والحسن بن حي (7).
(1) انظر: إعلام الموقعين (1/ 97).
(2)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 345)، إعلام الموقعين (1/ 97).
(3)
انظر: المغني (10/ 191)، إعلام الموقعين (1/ 97).
(4)
انظر: فتح (7/ 401)، البناية شرح الهداية (9/ 137).
(5)
هو أبو إياس، معاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رياب المزني، البصري، من كبار التابعين، ولأبيه صحبة، روى عن جملة من الصحابة، وثقه أبو حاتم، والعجلي، والنسائي، وغيرهم، مات سنة (113 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 5/ 153، صفة الصفوة 3/ 257، تهذيب التهذيب 10/ 195.
(6)
هو أبو عبد اللَّه، مكحول بن مسلم بن شهراب بن هاذل، كان هنديًا من سبى كابل، لسعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر، ثم تحول إلى دمشق فسكنها، روى عن جملة من الصحابة كأنس بن مالك وابن عمر، وكان من فقهاء أهل الشام، وربما دلس، مات سنة (112 هـ). انظر: الثقات لابن حبان 5/ 447، تاريخ دمشق 60/ 197، تهذيب الكمال 28/ 496.
(7)
انظر: الاستذكار (7/ 108)، المحلى (8/ 529)، فتح الباري لابن حجر (5/ 258).
القول الثاني: ذهب المالكية في الرواية المشهورة إلى عدم قبول شهادة المحدود فيما حد فيه، ولو تاب، وتقبل في غير ذلك (1).
• أدلة المخالفين: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نهى عن قبول شهادة المحدود في القذف، وجعل ذلك النهي مؤبدًا (3).
الدليل الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه في قصة هلال بن أمية رضي الله عنه حين قذف امرأته فقالت الأنصار: "الآن يضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، ويبطل شهادته في المسلمين"(4).
• وجه الدلالة: أن الصحابة من الأنصار رضوان اللَّه عنهم قد تقرَّر عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إن أقام الحد على هلال بن أمية رضي الله عنه فإن شهادته ستكون باطلة بموجب الحد الذي أقيم عليه.
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/ 132)، البيان والتحصيل (10/ 191)، الفواكه الدواني (2/ 625)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب للعدوي (2/ 346).
(2)
سورة النور، آية (4).
(3)
البناية شرح الهداية (9/ 137).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 34)، وأبو داود رقم (2256) بدون ذكر الشاهد، من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه.
والحديث ضعَّفه جمع من أهل العلم منهم ابن حزم في "المحلى"(8/ 531) حيث قال: "وهذا خبر لا يصح؛ لأنه انفرد به عباد بن منصور، وقد شهد عليه يحيى القطان بأنه كان لا يحفظ ولم يرضه، وقال ابن معين: ليس بذلك، ثم لو صح لما كان لهم فيه متعلق؛ لأنه ليس فيه أنه إن تاب لم تقبل شهادته، ونحن لا نخالفهم في أن القاذف لا تقبل شهادته".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد"(5/ 12): "مداره على عباد بن منصور، وهو ضعيف".