الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• دليل المخالف: علل الحنفية لعدم القطع من العين التي سُرقت ثانية أنه من باب الاستحسان (1).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف؛ إلا في بعض صور السرقة فيما لو سرق نفس العين؛ لخلاف الحنفية في ذلك. ويوجه كلام من حكى الإجماع أن ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم.
[32/ 1] الحدود يقاد بها الحر السليم، وإن كان المجني عليه صاحب عاهة جسدية
.
• المراد بالمسألة: أولًا: المراد بالعاهات الجسدية: تعريف العاهة: العاهة في لغة العرب بمعنى الآفة، وعلى هذا المعنى نص أهل اللغة والفقه، منهم أبو عبيد القاسم بن سلام (2)، وابن الأثير (3)(4)، وغيرهم (5)، قال ابن منظور (6):
= عطاء سئل: أيقطع السارق أكثر من يده ورجله؟ قال: لا، ولكنه يحبس".
وظاهر هذا الأثر أن عطاء يرى الحبس فيما إذا سرق ثالثة، بعد قطع اليد والرجل.
ويؤيد ذلك أن ابن عبد البر في "الاستذكار"(7/ 546) نقل عن عطاء القول بقطع اليدين دون الأرجل، وهو يدل على أنه يقول بوجوب القطع في السرقة الثانية.
(1)
انظر: المبسوط (9/ 165).
(2)
انظر: غريب الحديث لابن سلام (1/ 233).
(3)
هو أبو السعادات، المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد، الشيباني، ابن الأثير الموصلي، الفقيه، المحدث، اللغوي، عالم بصنعة الحساب، والإنشاء، ولد سنة (544 هـ)، من تصانيفه:"جامع الأصول"، و"النهاية في غريب الحديث"، و"شرح مسند الشافعي"، وغير ذلك، توفي سنة (606 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (1/ 8)، البداية والنهاية (13/ 54)، شذرات الذهب (5/ 21).
(4)
انظر: النهاية في غريب الأثر، مادة:(عوه)، (3/ 610).
(5)
انظر: مختار الصحاح (1476)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 136).
(6)
هو أبو الفضل محمد بن مكرَّم بن علي، ابن منظور، اللغوى الحجة، خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة، ثم ولي القضاء في طرابلس، وعاد إلى مصر فتوفى فيها، وقد ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد، وعمي في آخر عمره، قال ابن حجر:"كان مغرى باختصار كتب الأدب المطولة"، من =
"العاهة: البلايا والآفاتُ"(1).
• تعريف الجسدية: الجسد في لغة العرب يدل على اجتماع، قال ابن فارس:"الجيم والسين والدال يدل على تجمُّع الشيء أيضًا واشتدادِه، من ذلك جَسَدُ الإنسان، والمِجْسَد: الذي يلي الجَسَد من الثَّياب، والجَسَدُ والجَسِد من الدم: ما يَبِسَ، فهو جَسَدٌ وجاسد"(2).
وقال الخليل (3): "الجسد للإنسان، ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض، وكل خلق لا يأكل ولا يشرب من نحو الملائكة والجن مما يعقل فهو جسد"(4).
تعريف العاهات الجسدية: مما سبق يتحصَّل أن المراد بالعاهات الجسدية: "هي الآفات والعيوب التي تصيب جسد الشخص"، وهي في الجملة سبع عاهات:
الأولى: عاهة الشلل: وهي تعطّل العضو عن الحركة (5).
= أشهر كتبه: "لسان العرب"، و"مختار الأغاني"، و"مختصر مفردات ابن البيطار"، ولد سنة (630 هـ)، وتوفي سنة (711) هـ. انظر: شذرات الذهب (6/ 26)، فوات الوفيات (2/ 265)، الأعلام (7/ 329).
(1)
لسان العرب، مادة:(عوه)، (13/ 520).
(2)
مقاييس اللغة (1/ 407).
(3)
هو أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، الأزدي اليحمدي؛ كان إمامًا في علم النحو، واللغة، وهو الذي استنبط علم العروض، وأخرجه إلى الوجود، وحصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرًا، وكان رجلًا صالحًا عاقلًا حليمًا وقورًا، من تصانيفه:"العين"، و"العروض"، و"الشواهد"، ولد سنة (100 هـ)، وتوفي سنة (170 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 7/ 427، وفيات الأعيان 2/ 244، الأنساب 4/ 357.
(4)
العين (1/ 47).
(5)
انظر: تاج العروس، مادة:(شلل)(29/ 277)، الموسوعة الفقهية الكويتية (26/ 206).
الثانية: عاهة العمى: وهي فقدان بصر كلتا العينين (1).
ومما يرادف الأعمى عند جماعة من أهل العلم: الأكمه، فثمة من يطلق على من فقد بصر عينيه بالأكمه، وإليه ذهب ابن فارس (2).
ومن أهل العلم من خص الأكمه بمن ولد أعمى خِلقة، أما من كان يبصر ثم فقد البصر بالكلية فهو أعمى، وبه قال ابن عباس رضي الله عنه (3)، واختاره الجوهري (4)(5).
بينما رأى آخرون أن الأكمه هو الأعمش الذي يرى نهارًا ولا يرى ليلًا، وإلى هذا الرأي ذهب عكرمة (6)(7)، وقيل: الأكمه هو ممسوح العين، ذكره الزمخشري (8)
(1) انظر: مقاييس اللغة (4/ 109)، الصحاح (7/ 289)، تهذيب اللغة (3/ 155)، شرح النووي (1/ 243)، نيل الأوطار (4/ 227) معجم لغة الفقهاء (321).
(2)
انظر: مقال اللغة، مادة:(كمه)، (5/ 111).
(3)
انظر: تفسير القرطبي (4/ 94).
(4)
هو أبو نصر، إسماعيل بن حماد الفارابي الجوهري، كان يضرب به المثل في حفظ اللغة وحسن الكتابة، كان يؤثر الغربة على الوطن، دخل بلاد ربيعة ومضر في طلب الأدب، من مصنفاته:"الصحاح"، و"عروض الورقة"، توفي سنة (393 هـ). انظر: انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 81)، شذرات الذهب (3/ 142)، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (10).
(5)
انظر: الصحاح (7/ 97)، لسان العرب، مادة:(كمه)، (13/ 536).
(6)
هو أبو عبد اللَّه، عكرمة بن عبد اللَّه، مولى عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما؛ فقيه تابعي، أصله من البربر من أهل المغرب، كان لحصين بن الحر العنبري، فوهبه لابن عباس رضي الله عنهما، اجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن وسماه بأسماء العرب، أعتقه علي بن عبد اللَّه بن عباس، مات بالمدينة سنة (150 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 12)، تهذيب الكمال (20/ 264)، مشاهير علماء الأمصار (82).
(7)
غريب الحديث للحربي، (2/ 700).
(8)
هو أبو القاسم، محمود بن عمر الخوارزميّ، النحويّ، اللغويّ، المفسّر، النسابة، المعتزليّ، كان في غاية المعرفة بفنون البلاغة وتصرف الكلام، من مصنفاته:"الكشّاف"، و"المفضل"، و"أساس البلاغة"، وغيرها، ولد عام (476 هـ)، ومات سنة (538 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 20/ 151، العبر في خبر من غبر 4/ 106، الأنساب 3/ 163.
في تفسيره (1).
الثالثة: عاهة العور: وهي فقدان بصر إحدى العينين (2).
الرابعة: عاهة الصمم: وهي فقد حاسة السمع (3).
وقد يطلق على من فقد السمع بالأطرش، وقيل: الأطرش: هو أهون الصمم (4).
الخامسة: عاهة البكم: هو من فقد حاسة المنطق (5).
ومما يرادف الأبكم عند جماعة من أهل العلم: الأخرس.
وبه قال ابن فارس (6)، والخليل (7)، والفيومي (8)، وابن منظور (9).
واختاره الزبيدي (10)(11)، وهو المستعمل عند الفقهاء (12).
(1) انظر: الكشاف (1/ 392).
(2)
انظر: لسان العرب، مادة:(عور)(4/ 612)، تاج العروس، مادة:(عور)(13/ 168)، العين (2/ 235 - 236)، الموسوعة الفقهية الكويتية (31/ 38 - 39).
(3)
انظر: مقاييس اللغة (3/ 216)، القاموس المحيط (1459)، المصباح المنير (1/ 348)، المغني (8/ 257)، الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 64).
(4)
انظر: لسان العرب، مادة:(طرش)، (6/ 311).
(5)
انظر: العين (5/ 387)، المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (3/ 191)، النهاية في غريب الأثر، مادة (بكم)(1/ 391).
(6)
انظر: مقاييس اللغة (1/ 266).
(7)
انظر: العين (5/ 387).
(8)
انظر: المصباح المنير (1/ 59).
(9)
انظر: لسان العرب، مادة:(بكم)، (12/ 53).
(10)
هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، الزبيدي الحنفي، الملقب بمرتضى، نحوي، محدث، أصولي، مؤرخ، نسابة، أصله من واسط في العراق، من تصانيفه:"تاج العروس في شرح القاموس"، "إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين"، ولد سنة (1145 هـ)، وتوفي سنة (1205 هـ). انظر: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي 2/ 103، الأعلام 7/ 70، معجم المؤلفين 11/ 282.
(11)
انظر: تاج العروس، مادة:(بكم)، (31/ 297).
(12)
انظر: معجم لغة الفقهاء (39).
وفرَّق آخرون بين الأبكم والأخرس، واختلفوا في وجه الفرق على أقوال:
فقيل: الأخرس الذي خُلق ولا نطق له، كالبهيمة العجماء، والأبكم: الذي للسانه نطق وهو لا يعقل الجواب ولا يحسن وجه الكلام، قاله الأزهري (1)(2).
وقيل: الأبكم من ولد ولا نطق له، والأخرس من أصابته عاهة البكم بعد أن كان ينطق، فكل أبكم أخرس لا العكس (3).
قال أبو بكر الأنباري (4): "يقال: قد بَكِمَ الرجل يَبْكَمُ بَكَمًا، ويقال: رجال بُكْمٌ، وامرأة بكماء، ونساء بَكْماوات، وبُكْمٌ"(5).
السادسة: عاهة العرج: هي آفة في الرِّجل تجعل الماشي يميل إلى أحد جانبيه في مشيته (6).
(1) هو أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، نسبته إلى جده الأزهر، الفقيه، اللغوي، النحوي، الشافعي، من مصنفاته:"تهذيب اللغة"، و"التقريب في التفسير"، و"علل القراءات"، وغيرها، بقي الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة، وكان في الأسر مع أناس من البادية لا يكادون يلحنون، فأخذ عنهم الشيء الكثير، ولد سنة (282 هـ)، وتوفي سنة (370 هـ)، وقيل:(371 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 316، طبقات الشافعية 1/ 144، وفيات الأعيان 4/ 334.
(2)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(بكم)، (10/ 163).
(3)
ذكره المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف (30).
(4)
هو أبو بكر، محمد بن أبي محمد القاسم بن محمد الأنباري، كان عالمًا بالنحو، والآداب، وعلوم القرآن، وغريب الحديث، قال محمد التميمي:"ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر بحرًا، وحدّثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرًا بأسانيدها"، من مصنفاته:"غريب الحديث"، و"الأضداد"، و"الأمثال"، وغيرها، ولد سنة (241 هـ)، وتوفي سنة (328 هـ). انظر: الأنساب 1/ 212، العبر في خبر من غير 2/ 220، طبقات الحنابلة 2/ 68.
(5)
الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 244).
(6)
انظر: مقاييس اللغة (4/ 245)، معجم لغة الفقهاء (308)، الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 245).
السابعة: عاهة البتر: وهي قطع العضو أو بعضه (1).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا ارتكب شخص حر سليم الأعضاء ما يوجب الحد، وكان المجني عليه به عاهة جسدية، كان يزنى شخص سليم بامرأة عمياء، أو عوراء، أو مشلولة، أو يقذف أحدهم ممن يمكنه حصول ذلك منه، فإن الحد حينئذٍ تجب إقامته، ولا يسقط الحد باختلاف الصحة بين الجاني والمجني عليه.
ومما سبق يتبيَّن استثناء ثلاث مسائل: الأولى: إن كان المجني عليه به عاهة نفسية وليست جسدية كأن يكون مجنونًا، فالمسألة غير مرادة.
الثانية: إن قذف شخصًا يستحيل منه الوقوع في الزنا، فالمسألة غير مرادة.
الثالثة: إن كان الجاني مملوكًا فالمسألة غير مرادة.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن الحد يقاد به الحر، وإن كان المجني عليه مقعدًا أو أعمى أو أشل، والآخر سوي الخلق"(2).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك الحنفية (3)، والمالكية، والحنابلة (4).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى عموم النصوص التي أوجبت إقامة
(1) انظر: مقاييس اللغة (1/ 190)، معجم لغة الفقهاء (103).
والمراد بالعضو ما قاله الخليل في كتابه "العين"(2/ 193): "العُضْوُ والعِضْوُ - لغتان -: كلّ عظم وافر من الجسد بلحمه".
(2)
الإجماع (114).
(3)
انظر: المسبوط (7/ 42).
(4)
لم أر من نص على هذه المسألة من كتب المذاهب، إلا أنه باستقراء شروط الحد لم يذكر أحد من الفقهاء اشتراط كون المجني عليه سوي الخلقة، وقد سبق بيان شروط إقامة الحد مفصَّلة بأدلتها ص 88، والأصل هو وجوب الحد حتى يرد الدليل أو النص على الاستثناء، واللَّه تعالى أعلم.
الحدود، ومنها: قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (1).
• وجه الدلالة: الآيات عامة في وجوب إقامة الحد، ولم تستثن من ذلك ما إذا كان المجني عليه معيب الخلقة أو سوي الخلقة.
• المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى أن قذف الخرساء لا يوجب الحد (3).
• دليل المخالف: استدل من قال بعدم الحد على قاذف الخرساء بأن الخرساء قد تصدِّقه بما قذفها به لو كانت تنطق، لكنها لا تقدر على إظهار هذا التصديق بإشارتها، وهذه شبهة تدرأ بها الحدود (4).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم في الجملة؛ باستثناء ما إذا كان المقذوف أخرسًا لا يتكلم، فهذه الصورة ليست محل إجماع؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية.
ويوجه كلام من حكى الإجماع أنه أراد ذلك من حيث العموم، واللَّه تعالى أعلم.
(1) سورة المائدة، آية (38).
(2)
سورة النور، آية (2).
(3)
انظر: المسبوط (7/ 42).
(4)
انظر: المسبوط (7/ 42).