الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
المسألة فيما يظهر محل إجماع بين أهل العلم؛ لعدم المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[28/ 1] لا يُحلَّف المدّعى عليه في الحدود
.
• المراد بالمسألة: إذا ادُّعي على رجل أنه ارتكب حدًا من حدود اللَّه تعالى الخالصة، التي لا يتعلق بها حق لآدمي، فأنكر ذلك، فإنه لا يُطلب منه اليمين على إنكاره. ويتبيَّن من ذلك أمور:
الأول: أن الحد إن لم يكن بمجرَّد دعوى، بل كان بإقرار منه، ثم أراد الرجوع عن إقراره، فإن تحليفه حينئذٍ غير مراد (1).
الثاني: أنه لو تعلق بالإقرار حقٌ لآدمي، فذلك غير مراد، وذلك في صور منها:
الصورة الأولى: أن يتعلق به حق مالي، كمن ادُّعي عليه أنه سرق مالًا، فأنكر المدعَى عليه، فهنا في تحليف السارِق أنه ما سرق خلاف ليس مرادًا في المسألة (2).
الصورة الثانية: أن يتعلق به عتق، كان يعلَّق شخصٌ عتق عبده على فعل الزنا، بأن يقول لعبده: إن زنيتُ فأنت حر، فادُّعي عليه بالزنا، فهنا تحليف المدعى عليه أنه ما زنى مسألة خلافية غير مرادة (3).
(1) انظر: الدر المنثور (3/ 393) حيث قال فيه بدر الدين الزركشي: "قال ابن القاص: لا تجب اليمين في حد الزنا والشرب إلا في مسألة واحدة، وهي: أن يقر بما يوجب الحد ويدعي الشبهة فإن الشافعي رضي الله عنه قال في كتاب اختلاف العراقيين: إذا أصاب الرجل جارية أُمِّه وقال: ظننتها تحل لي، أُحْلِف ما وَطِئَها إلا وهو يراها حلالًا، وأدرأ عنه الحد ويلزمه اليمين".
(2)
انظر: المدونة (4/ 486)، أسنى المطالب شرح روضة الطالب (4/ 150)، تحفة المحتاج (9/ 150).
وستأتي الإشارة إلى هذا في المسألة رقم 44 بعنوان: "الحدود لا تثبت بيمين وشاهد".
(3)
انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (333).
الصورة الثالثة: أن يتعلق به تخلص من حد القذف، وصورتها: إذا قذف شخصٌ آخر بزنا وثبت ذلك، وأنكر المقذوف، فطلب القاذف من الإمام أن يُحلِّف المقذوف، فهنا تحليف المقذوف أنه ما زنى يتعلق به نجاة القاذف من حد القذف، ومسألة تحليفه خلافية غير مرادة (1).
• من نقل الإجماع: قال ابن مازة (536)(2): "الحدود لا يستحلف فيها بالإجماع"، نقله عنه الزيلعي (3)(4).
وقال ابن قدامة (620 هـ) في معرض كلامه على أنواع الحقوق: "حقوق اللَّه تعالى، وهي نوعان: أحدهما: الحدود، فلا تشرع فيها يمين، لا نعلم في هذا خلافًا"(5)، وبمثله قال شمس الدين بن قدامة (682 هـ)(6).
(1) انظر: أسنى المطالب (4/ 403)، وقد ذكر فقهاء الشافعية أنه لا يُحلف شخص على أنه ما زنى إلا في هذه الصورة فقط، كما نص على ذلك البجرمي في حاشيته المسماه بـ "نفع العبيد" (4/ 66) بقوله:"قال الأكثرون: ولا تسمع الدعوى بالزنا والتحليف إلا في هذه الصورة".
(2)
هو أبو محمد، عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، الحنفي، حسام الدين، المعروف بالصدر الشهيد، من كتبه:"الجامع في الفقه"، "عمدة المفتي والمستفتي"، ولد سنة (483 هـ)، ومات سنة (536 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 20/ 97، الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2/ 407، الأعلام 5/ 51.
(3)
هو أبو عمر، عثمان بن علي بن محجن، فخر الدين، الزيلعي، من "زيلع" بلدة في الصومال، فقيه، فرضي، نحوي، حنفي، قدم القاهرة فأفتى ودرس، من مصنفاته:"تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق"، "تركة الكلام على أحاديث الأحكام"، و"شرح الجامع الكبير"، توفي في القاهرة في رمضان سنة (743 هـ). انظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية 115، الدرر الكامنة 2/ 446، الأعلام 4/ 373.
(4)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (4/ 298)، وانظر: الفتاوى الهندية (4/ 16).
(5)
المغني (10/ 218).
(6)
الشرح الكبير (12/ 138).
وقال أبو بكر العبادي (800 هـ)(1): "وأما الحدود فأجمعوا أنه لا يستحلف فيها إلا في السرقة فإنه يستحلف فيها لأجل المال"(2). وقال ابن فراموز (885 هـ)(3): "قال في النهاية: لا يستحلف في الحدود بالإجماع"(4).
وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "إذا ادعى على آخر أنك قذفتني بالزنا وعليك الحد، لا يستحلف بالإجماع"(5). وقال ابن نجيم (970 هـ): "ويستحلف السارق فإن نكل ضمن ولم يقطع. . . . قيد بعد السرقة لأنه لا يستحلف في غيره من الحدود إجماعًا، ولو كان حد القذف"(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على الإجماع المالكية إلا في حد القذف (7)، والشافعية (8)، والظاهرية (9).
(1) هو أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبيدي، من اليمن، فقيه حنفي، مشارك في أنواع من العلوم، زاهد، عابد، ورع، من كتبه:"الجوهرة النيرة"، "كشف التنزيل"، مات سنة (800 هـ). انظر: البدر الطالع 1/ 166، الأعلام 2/ 67، معجم المؤلفين 3/ 67.
(2)
الجوهرة النيرة (5/ 391).
(3)
هو القاضي محمد بن فراموز بن علي، المشهور بمنْلا خسرو، أو ملا خسرو، أو المولى خسرو، فقيه، أصولي، متبحر، حنفي، رومي الأصل، ولي قضاء قسطنطينية، وعمر بها المساجد، وتوفي بها، من تصانيفه:"درر الحكام في شرح غرر الأحكام"، "مرقاة الوصول في علم الأصول"، و"حاشية على التلويح"، مات سنة (885 هـ). انظر: انظر: شذرات الذهب 7/ 342، طبقات المفسرين للأدنروي 347، معجم المؤلفين 11/ 122.
(4)
درر الحكام (333)، والنهاية في شرح الهداية للحسين السغناقي (711 هـ) هو أحد شروح الهداية للمرغيناني.
(5)
حاشية ابن يونس الشلبي على تبيين الحقائق (4/ 297).
(6)
البحر الرائق (7/ 208).
(7)
انظر: مواهب الجليل (6/ 134)، تبصرة الحكام (1/ 233)، حاشية العدوي (2/ 333). فقالوا لا يُحلف المُدعى عليه في جميع الحدود، باستثناء حد القذف فللإمام تحليفه أنه ما قذف.
(8)
أسنى المطالب (4/ 402)، الحاوي الكبير (17/ 244)، أسنى المطالب (8/ 316).
(9)
انظر: المحلى (12/ 261).
• مستند الإجماع: الدليل الأول: عموم النصوص الدالة على أن للإنسان أن يستر على نفسه ما ارتكبه من حدود اللَّه تعالى الخالصة (1).
• وجه الدلالة: أن النصوص دلَّت على أن الأفضل للمرء أن يستر على نفسه الحد، وترك تحليفه طريق إلى ذلك الستر (2).
الدليل الثاني: عموم الأدلة الدالة على أن من أقرَّ بحد ثم رجع عنه فإنه يُقبل رجوعه (3).
• وجه الدلالة: حيث دلَّت النصوص على أن الزاني لو رجع عن إقراره لقُبل منه رجوعه، وخلي سبيله من غير يمين، فمن باب أولى ألَّا يُستحلف مع عدم الإقرار (4).
الدليل الثالث: عموم الأدلة الدالة على درأ الحدود بالشبهات، وهنا شبهة يدرأ بها الحدود، ووجه ذلك أن المقصود من اليمين هو النكول، وهذا النكول لا يعدو أن يكون إما بذلًا أو إقرارًا فيه شبهة، والحدود لا بذل فيها، فبقي أن تكون إقرارًا بشبهة، والحدود لا تقام مع وجود الشبهات (5).
الدليل الرابع: أن تحليف صاحب الحد، وإقامة الحد عليه بموجب يمينه يفضي إلى القضاء في الحد بيمين وشاهد، وقد أجمع أهل العلم على أنه
(1) وقد سبق بيان الأدلة على الستر على من ارتكب ما يوجب الحد، وتحقيق الإجماع في ذلك مع المخالف، في المسألة رقم 19 بعنوان:"يباح للإنسان أن يستُر على نفسه الحد".
(2)
انظر: المغني (10/ 218).
(3)
وسيأتي بيان الأدلة على أن من رجع عن إقراره سقط عنه الحد، وبيان تحقيق الإجماع في ذلك مع المخالف، في المسألة رقم 97 بعنوان:"إن رجع المقر بالزنا عن إقراره سقط عنه الحد".
(4)
انظر: المغني (10/ 218).
(5)
انظر: المبسوط (9/ 105)، وسيأتي بيان الأدلة على درء الحدود بالشبهات، وتحقيق الإجماع في ذلك مع ذكر المخالف، في المسألة رقم 33 بعنوان:"درء الحدود بالشبهات".
لا يُقضى في الحدود بيمين وشاهد (1).
• المخالفون للإجماع: القول الأول: ذهب بعض الفقهاء إلى التحليف في حد القذف دون غيره من الحدود، فمن ادَّعى على آخر أنه قذفه فحينئذٍ يحلف المدعى عليه أنه ما قذفه.
وهو قول للحنفية (2)، وبه قال المالكية بشرط أن تكون ثمة بيِّنة كوجود منازعة وتشاجر بينهما (3).
القول الثاني: ذهب الشافعية في قول إلى أن المدَّعى عليه في حد السرقة يستحلف على أنه لم يسرق، فإن نكل وحَلَف المدَّعي فإنه يثبت عليه الحد (4).
• دليل المخالف: أما ما يتعلق بعد القذف فعللوا ذلك بأن القذف فيه حق للمخلوق فيصح فيه الاستحلاف كسائر حقوق الآدميين.
أما الشافعية فعللوا قولهم بأن اليمين المردودة هي بمنزلة البيِّنة أو الإقرار، وكل منهما يوجب القطع (5).
النتيجة:
المسألة فيما يظهر على قسمين:
القسم الأول: حد القذف، وحد السرقة، فهذه ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف عن الحنفية في قول، والمالكية فيما يتعلق بعد القذف، ولخلاف الشافعية في قول فيما يتعلق بحد السرقة.
القسم الثاني: سائر الحدود غير القذف والسرقة، فهذه محل إجماع بين
(1) وسيأتي ذكر الأدلة مفصلة على عدم القضاء الحد باليمين وشاهد مع تحقيق الإجماع وذكر المخالف، في المسألة رقم 44 بعنوان:"لا يُقضى في الحدود بيمين وشاهد".
(2)
انظر: بدائع الصنائع (6/ 231)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 334).
(3)
انظر: مواهب الجليل (6/ 134)، بلغة المسالك لأقرب المسالك للصاوي (4/ 218).
(4)
انظر: أسنى المطالب (4/ 150)، تحفة المحتاج (9/ 150).
(5)
انظر: أسنى المطالب (4/ 150).